توقع وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف، يوم الثلاثاء الماضي، أن تعلن روسيا عن «إشارة إيجابية» تجاه الحكومة الأوكرانية وذلك بسبب الهزائم التي تتعرض لها في أرض المعركة، وأن موسكو تبحث سيناريوهات لتحضير الجمهور الروسي لنجاحات محتملة للجيش الأوكراني.تناظر هذا مع نشر موقع «ديلي بيست» الأمريكي معلومات منقولة عن مصادر في الكرملين إن جهاز الدعاية العسكري الروسي يحاول استباق احتمال حصول خسائر روسية وتحضير الرأي العام عبر إصدار دليل جديد يتضمن تعليمات محددة بهذا الاتجاه، وهو انقلاب كبير عن الدعاية التي استخدمت مع بدء الحرب والتي تتحدث عن ولادة جديدة لروسيا كقوة عظمى جبارة تسيطر على مساحات شاسعة من أوكرانيا.كانت الحرب تدور، في البداية، بعيدا عن روسيا، ولكن أعمال تخريب الجسور واستهداف القطارات توسعت، وكان آخرها، في الأيام القليلة الماضية، هجومان على قطاري شحن في منطقة محاذية لأوكرانيا، وكذلك تضرر خط لإمداد الكهرباء قرب بلدة جنوب سانت بطرسبورغ، وحرق مستودع للوقود في قرية قرب شبه جزيرة القرم، وتعرض مستودع نفط في القرم لهجوم بمسيّرة، وكذلك هجوم صاروخي على قرية روسية في منطقة حدودية، لكن كانت ذروة الهجمات، كانت، حسب الواقعة الأخيرة، وصول الطائرات المسيّرة إلى الكرملين نفسه.
بدلا من «الإشارة الإيجابية» التي توقعها وزير الدفاع الأوكراني قبل يوم من إعلان روسيا الهجوم على الكرملين، فقد اتهمت الرئاسة الروسية أوكرانيا بمحاولة «اغتيال رئيس روسيا الاتحادية» مهددة باستخدام «حق الرد في الوقت والطريقة» التي تراها مناسبة، وهو أمر يعني، من جملة ما يعنيه، أن روسيا ستصعّد من خطورة هجماتها، وأنها ستحاول، إذا استطاعت، اغتيال رئيس أوكرانيا.تكثّف الهجمات الأوكرانية يعني أن الاستعدادات للهجوم المضاد الذي تتحدث عنه كييف قد اقترب كثيرا، ويمثّل الهجوم على مقر بوتين شخصيا، ضغطا كبيرا على القيادة الروسية، وهو أمر يدلّ بوضوح على ضعف عسكريّ وأمنيّ، وليس أمرا يمكن للكرملين التفاخر به، وإذا كان ممكنا استخدامه كذريعة لاستهداف الرئيس الأوكراني، فقد أفرغت موسكو هذه الذريعة من معناها وقوتها، لأنه من المعلوم إنها أرسلت، مع بدء «العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا، عددا من مجموعات النخبة العسكرية لمحاولة تنفيذ ذلك الاغتيال، ولم تنجح به.تشديد موسكو على مسؤولية أوكرانيا عن العملية الأخيرة وعلى كونها محاولة لاغتيال بوتين، سلاح ذو حدين، لأنها، أولا، تناقض صورة الدولة النووية العظمى التي أرادت تكريسها عبر اجتياح أوكرانيا، وتهديد العالم باستخدام السلاح النووي، ومواجهة «الحلف الأطلسي» وتظهر رئيسها في موقع الشخص الذي يمكن استهدافه، ولأنها، ثانيا، تظهر أن ذراع أوكرانيا طويلة جدا وقادرة على الوصول إلى الكرملين، الذي يبعد قرابة 500 ميل عن أقرب نقطة حدودية مع أوكرانيا، وكلا الأمرين انتصار رمزيّ لأوكرانيا، التي يبدو أنها تبادلت الآن الأدوار مع روسيا، التي كانت تقوم بعمليات كبيرة وخطيرة في كل أنحاء العالم، سواء عبر جواسيسها الذين كانوا يغتالون معارضيها، أو عبر فرقة فاغنر التي تضرب في كل مكان، ثم تنفي، ببساطة، مسؤوليتها عن كل ذلك!
القدس العربي