لا يمكن فهم العلاقة بين الرئيس التركي رجب طيب أروغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أنها تحالف ثابت بين الرجلين. ومثلما أن أردوغان فتح قنوات التواصل باحثا عن مصالح بلاده مع الدول التي تسعى لمحاصرة بوتين، فإن الأخير لن يأسف لتنحي الرئيس التركي الحالي في الانتخابات القادمة، ولن يتدخل للتأثير على الانتخابات لفائدته، فما يهم موسكو هو استمرار التفاهمات مع أنقرة سواء بوجود أردوغان أو مع من سيأتي من بعده.
وبغض النظر عمّن سيفوز بالانتخابات التركية هذا الشهر، يُتوقع أن تحافظ أنقرة على علاقات طيبة مع موسكو، بعدما صمدت هذه العلاقات على مدى سنوات طويلة شهدت تغيرات مثيرة في سياسة البلدين.
وقال محللون إن الدافع وراء هذا التغيير هو الأزمة الاقتصادية الشديدة في تركيا مما أجبر أردوغان على إصلاح العلاقات المتوترة مع دول، مثل الإمارات والسعودية وإسرائيل، بعدما انتقدها بشدة في السابق، وأن الرئيس البراغماتي لن يجد مانعا في التعامل مع الولايات المتحدة ضد روسيا.
المعارضة تعتزم العودة إلى المعايير التقليدية للسياسة الخارجية التركية في التوجه نحو الغرب من دون استعداء روسيا
وجعلت حرب روسيا ضد أوكرانيا، وتأثيرها على الاقتصاد العالمي، الداخل التركي يدرك أن الوقت غير مناسب لأنقرة للدخول في معارك دولية كانت من سمات حكم أردوغان الذي دام عقدين. ولأجل ذلك سار الموقف التركي على حبل الحياد، فلا هو مع بوتين ولا هو ضده.
ويجري التقارب مع مصر بل إن هناك محاولة لاستئناف العلاقات مع سوريا بعد 12 عاما من بدء الحرب السورية.
وقال فاتح جيلان رئيس مركز أنقرة للسياسات ومقره في أنقرة “كانت التحولات التامة بدافع الضرورة، وليست خيارا متعمدا”. لكنه أضاف أن روسيا رغم ذلك جارة يتعيّن على تركيا العمل معها.
وأجرت تركيا عملية توازن دبلوماسي منذ غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير 2022. وتعارض أنقرة العقوبات الغربية على روسيا ولها علاقات وثيقة مع موسكو وكييف. كما انتقدت الغزو الروسي وأرسلت طائرات مسيّرة مسلحة إلى أوكرانيا. وأضاف جيلان “لا تستطيع تركيا تنحية روسيا جانبا، فهي جارة قوية ولدينا بعض العلاقات الاقتصادية والتجارية القوية التي ترتبط مباشرة بمصالحنا الوطنية”.
وشارك بوتين وأردوغان الشهر الماضي في حفل افتتاح أول محطة للطاقة النووية في تركيا أقامتها شركة روساتوم الروسية للطاقة النووية.
وقال بوتين إنه مشروع رائد يساعد في “تعزيز الشراكة متعددة الأوجه بين دولتينا”. وسبق أن اقترح الرئيس الروسي إقامة مركز رئيسي للغاز في تركيا ما يمكّنها أن تكون بوابة لغاز روسيا وآسيا الوسطى نحو أوروبا، ليبدو المقترح الروسي متماهيا مع مشاغل أردوغان وخططه. لكن في النهاية ستكون تركيا هي الجهة الضامنة بقي أردوغان أم رحل.
وتجري تركيا انتخابات رئاسية وبرلمانية في 14 مايو الحالي تعتبر الأكثر أهمية في التاريخ الحديث للبلاد.
وأدت أزمة ارتفاع كلفة المعيشة الناجمة عن التضخم إلى تقلص التأييد الذي يتمتع به أردوغان في السنوات القليلة الماضية، وتظهر استطلاعات الرأي أنه يأتي في مرتبة تالية لخصمه الرئيسي كمال كليجدار أوغلو.
وقالت بيرغول دمرداش، أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة التركية الألمانية في إسطنبول، إن “أيّ أزمة سياسية خارجية ممتدة قد تلحق مزيدا من الضرر بالاقتصاد التركي”.
ورأت دمرداش أن المعارضة تعتزم العودة إلى المعايير التقليدية للسياسة الخارجية التركية الراسخة في التوجه نحو الغرب.
وأضافت “لكن يجب ملاحظة تأكيدهم على المساواة في العلاقات الدولية لتركيا مع جميع الفاعلين الدوليين، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا”.
وقال أحمد كامل إروزان، نائب رئيس الحزب الصالح، وهو واحد من أحزاب ستة يتألف منها تحالف المعارضة، إن موسكو قلقة من أن أيّ تغيير في الحكومة قد يؤدي إلى موقف أكثر ولاء للغرب من جانب تركيا.
وأضاف إروزان الذي يُنظر إليه باعتباره أحد المنافسين على منصب وزير الخارجية إذا فازت المعارضة “يتعين علينا إعادة تقييم علاقاتنا مع روسيا والولايات المتحدة في اليوم الأول من العمل لأن سياسة أردوغان كانت قائمة على أساس العلاقات الشخصية”.
وأضاف إروزان، وهو دبلوماسي سابق، أن تركيا ستسعى لتقليص اعتمادها في مجال الطاقة على روسيا من 50 إلى 30 في المئة، إذا فازت المعارضة في الانتخابات.
وحافظت تركيا على علاقات ودية مع روسيا على الرغم من الحرب في أوكرانيا. وفي العام الماضي، توسطت أنقرة والأمم المتحدة في اتفاق سمح باستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود.
وقال جيلان الذي شغل أيضا منصب مبعوث تركيا في حلف شمال الأطلسي إن نهج تركيا المتوازن تجاه روسيا لن يتغير إذا حل كليجدار أوغلو محل أردوغان.
وتتمتع تركيا بعلاقات اقتصادية وثيقة مع روسيا، بما في ذلك السياحة وإمدادات الغاز والحبوب وتجارة المنتجات الزراعية الأخرى. وتعهد كليجدار أوغلو نفسه “بمواصلة العلاقات التركية – الروسية دون انتقاص وبصورة جديرة بالثقة” إذا انتُخب رئيسا.
وقال تحالف المعارضة، الذي تعهد بالتراجع عن الكثير من سياسات أردوغان، إنه سيعطي الأولوية للدبلوماسية ويتخلى عن أسلوب المواجهة الذي اتسمت به السياسة الخارجية التركية في العقد الماضي.
ويريد التحالف عودة وزارة الخارجية لتولي زمام الأمور ويتعهد ببناء علاقات مع الولايات المتحدة وروسيا على أساس الثقة المتبادلة. ورحب المنافسون الإقليميون بالتغييرات في السياسة الخارجية لأنقرة لكن علاقتها مع الاتحاد الأوروبي ما زالت معقدة.
وقال إروزان إن تحالف المعارضة يرى في الانضمام الكامل إلى الاتحاد الأوروبي هدفا راسخا، مضيفا أن قيم الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون تتماشى مع رؤيته.
العرب