القيصر والسلطان والمواجهة في العراق

القيصر والسلطان والمواجهة في العراق

TUrKIA-Iraq-RUSIA-min

طلبت روسيا من مجلس الامن الدولي عقد جلسة مغلقة لمناقشة اسباب قيام الحكومة التركية بنشر قوات عسكرية في شمال العراق دون موافقة الحكومة العراقية .وكانت السلطات التركية قد نشرت ما يقارب (200) جندي تركي مع عدد من المدرعات والاليات والمعدات العسكرية في اطراف محافظة نينوى وتحديدا في منطقة جبل بعشيقة المطل على مركز ناحية بعشيقة وقرية زيلكان التابعة لقضاء الشيخان ، وان الهدف من وجود هذه القوات هو تدريب المتطوعين من ابناء محافظة نينوى في معسكر (الحشد الوطني) الذي يشرف عليه أثيل عبد العزيز النجيفي محافظ نينوى السابق ومهمة هذا المعسكر هو الاعداد والتهئ والتخطيط لتحرير مدينة الموصل واخراج مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية منها، ويبلغ عدد المقاتلين في هذا المعسكر أكثر من (1200) مقاتلا .

وشكلت عملية نشر القوات التركية أزمة سياسية وعسكرية مع حكومة بغداد التي تدعي أنها ليست على علم بوجود هذه القوات وما هي الغاية والاهداف منها .
والملفت للنظر وكما توقعناه في مقال سابق لمركز الروابط بعنوان (القوات التركية في العراق : الدوافع والأهداف) ان قلنا ان من احداهم الاسباب الرئيسية هو توسيع حدة التوتر مع تركيا وتصعيد الموقف ضدها بعد عملية اسقاط الطائرة الروسية على الحدود السورية التركية من قبل المضادات التركية .
وسنسلط الضوء مجددا على الاسباب والدوافع الحقيقية التي دفعت روسيا لتقديم طلبها لمجلس الامن بخصوص التواجد التركي في العراق :

1.يأتي الطلب الروسي بدعوة صريحة وتأثير واضح المعالم من الجانب الايراتي الذي اراد ان يكون بعيدا عن ساحة المواجهة المباشرة بين تركيا والعراق وانزوى بعيدا ليرى ويلاحظ ما سيحدث ولكنه تحرك ليخاطب حليفه الستراتيجي (الروسي) ويدفع به للتحرك دوليا ودبلوماسيا عبر واجهة مجلس الامن الدولي.

2.ان الجانب الروسي راى من المفيد له استثمار التواجد العسكري التركي لتأجيج حالة الصراع مع الاتراك بما يحقق له نتائج سياسية تزيد من عملية الضغط الموجهة ضد المسؤولين الاتراك خاصة بعد حادث سقوط الطائرة التركية في 24 نوفمبر 2015 .

3.تعزيز الضغط الدبلوماسي ضد الحكومة التركية واظهارهم امام الرأي العام والمنظمات الدولية بان لديهم مشروعا سياسيا ومصالح استراتيجية في منطقة الشرق الاوسط تتعارض مع توجهات ومصالح الدول الكبرى والاقليمية وتفترق معها في جوانب مهمة اخرى .

4.تقديم الطلب جاء بعد ان صرح وزير خارجية تركيا عبر القناة التركية(24) بأن(الكل موجود في العراق وهدفهم جميعا واضح وهو تقديم المشورة والتدريب والتسليح ووجودنا ليس سرا) وهو اشارة واضحة وبكلام دبلوماسي هادئ عن التواجد العسكري الايراني ومليشياته المسلحة والنفوذ السياسي الذي تتمتع به طهران لدى بغداد ومن هنا علينا ان نتمعن في حقيقة التأثير الايراني على القرار الروسي بمناقشة التواجد التركي في العراق .

5.التحرك التركي جاء متناغما مع ما اشارت اليه الحكومة الامريكية من ان اي تواجد عسكري على الارض العراقية يجب ان يكون بموافقة بغداد وهو اشعارللاخرين بان التنسيق يجب ان يكون حصريا ليس مع بغداد كما تدعيه واشنطن ولكن من خلالها وعبر قيادة التحالف الدولي .

6.ارادت روسيا ان تقول ان المسرح في العراق ليس حكرا على احد بحيث لا يترك لجهة دولية او دولة كبرى وانها تمتلك مصالح واستراتيجية تسعى اليها للتواجد في هذه المنطقة الملتهبة ، وهي تلميح لامكانية التدخل العسكري الروسي في العراق.

7.تعزيز الاقاويل والاتهامات للجانب التركي في التعامل مع الشان العراقي ولهذا نرى ان رئيس وزراء العراق حيدر العبادي اشارالى ان الجانب التركي يساعد ويساهم في تهريب النفط الذي يقوم به مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية عبر اراضيه وتسهيل مروره لشواطئ البحر الابيض المتوسط او عبر وسطاء وشركاء مهمين .وهذا الاتهام جاء موافقا لما اشار اليه كبار المسؤولين الروس في عملية المواجهة الكلامية مع الاتراك ، وتؤكد هذه الوقائع التنسيق الكبير بين موسكو وبغداد .

8.قيام الحكومة العراقية باسترضاء الايرانيين عبر دعم سياستهم بالمنطقة وتبادل الادوار معهم في علاقتهم مع دول الجوار ، فارتض المسؤولون العراقيون لأنفسهم ابعاد ايران عن المواجهة مع تركيا واستنكارها للتواجد التركي شمال العراق وبادرت هي لتعلن حقيقة موقفها المضحك المبكي والطلب من الحكومة التركية مغادرة قواتها خلال 48 ساعة وكأن العراق لا يوجد فية اي قوات عسكرية دولية او اقليمية في تغاضي واضح للتواجد والنفوذ الايراني .

9.اختيار الجانب الروسي طلبه لمجلس الامن يأتي مع بدأ التحضيرات والاجتماعات في مدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية الذي ستحضره قوى المعارضة السورية ومحاولة التأثير على القرار التركي والمساهمة في أبعاد الاتراك عن تحديد مسارات الوضع في سورية والنتائج التي سيتم التوصل اليها عبر هذه اللقاءات والاجتماعات كون الحكومة التركية تشكل لاعبا اساسيا في الملف والمشكل السوري .

ان الاحداث متسارعة ومضطربة والكل يسعى لايجاد مساحة عريضة وواسعة لتحقيق طموحاته واهدافه وصياغة مصالحه بما يضمن لديه ان يكون مؤثرا وفاعلا في هذه المنطقة الملتهبة.

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية