لن يصلح بايدن بوصلة أمريكا مع الحلفاء!

لن يصلح بايدن بوصلة أمريكا مع الحلفاء!

تفتقد إدارة بايدن بعد عامين من رئاسته لاستراتيجية متكاملة تجاه منطقتي الخليج العربي والشرق الأوسط. وبذلك تكمل إدارته نهج أسلافه من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. في إدارة أزمات المنطقة وليس حلها. وذلك بعد تخفيض أهمية المنطقة والانكفاء والتراجع بالتزامات أمريكا بأمن حلفائها في الخليج العربي التي أعلنها الرئيس كارتر بمبدئه بعد احتلال السوفييت أفغانستان عام 1979 ـ منطقة استراتيجية مهمة للمصالح الأمريكية الحيوية ـ وأن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام القوة العسكرية للحفاظ على مصالحها الحيوية في الخليج. وبذلك يكون أول اعتراف من رئيس أمريكي بـ:
1 ـ الأهمية المطلقة لمنطقة الخليج العربي للمصالح الحيوية للولايات المتحدة.
2 ـ استعداد الولايات المتحدة لاستخدام القوة العسكرية للدفاع عن مصالحها الحيوية وأمن إمدادات وممرات الطاقة الحيوية للاقتصاد العالمي. في رسالة واضحة للاتحاد السوفييتي دون تسميته في عز الحرب الباردة.
لكن تراجعت أهمية منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط مع العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين. وخاصة مع تفجر ثورة النفط والغاز الأحفوري الأمريكية، وبعد الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي وتفككه، وإفلاس الشيوعية عقيدة وممارسة.
والملفت ترسخ مفهوم وقناعة في منطقتنا أن الجمهوريين أفضل من الديمقراطيين في تعاملهم مع أزمات الشرق الأوسط وتشابك المصالح. وهذه قناعة غير صحيحة ولا تسندها الأدلة التاريخية والواقع.
لكن الصحيح أن أمريكا دولة مؤسسات، وسياسة أمريكا الخارجية والأمنية لا يصنعها الرئيس بل الدولة العميقة بمؤسسات: وزارات الدفاع والخارجية ومجلس الأمن الوطني وأجهزة ومجتمع الاستخبارات ومراكز الدراسات البحثية واللوبيات، لكن ترامب خالفها!
ورث بايدن الديمقراطي تلك التركة، ووصفها بالصعبة ـ ولكنه استمر على النهج نفسه. وبعد عامين فشل بايدن بطمأنة الحلفاء الخليجيين بعد تراجع ثقتنا بالحليف الأمريكي. بعد تراجع مكانة وأولوية الخليج والشرق الأوسط في وثيقتي الأمن الوطني والدفاع الوطني الأمريكي. وسحب بطاريات صواريخ وقلص الوجود العسكري، وقبله الانسحاب المرتبك من أفغانستان، والفشل بالعودة لاتفاق إيران النووي.

مع بدء دورة انتخابات الرئاسة لعام 2024 ـ والانهماك بالصراع الداخلي ـ لا يملك الرئيس بايدن وإدارته الوقت ولا الأولوية ليعمل لإصلاح بوصلة أمريكا المعطلة مع حلفائها

وصُدم بايدن الذي تعهد بجعل السعودية دولة منبوذة إذا صار رئيساً، ليضطر لزيارة السعودية مرغماً الصيف الماضي ويطلب زيادة انتاج النفط لوقف ارتفاع أسعاره، ليعزز فرص فوز مرشحي حزبه في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس. لكن على العكس، خفضت مجموعة «أوبك +» بقيادة السعودية وروسيا انتاج النفط بـ2 مليون برميل يومياً ـ ما أحرج بايدن الذي تعهد في سابقة بإعادة الحسابات مع السعودية، ليتراجع! وردت السعودية وروسيا بخفض أكثر من مليون ونصف برميل يومياً بدءاً من مايو/أيار!
وكان صادماً لإدارة بايدن اختراق الصين منطقة نفوذ أمريكا في الخليج بنجاح وساطتها بالتوصل لاتفاق بين السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية قبل موسم حج هذا العام!
كما يؤخذ على إدارة بايدن في الذكرى الخامسة لانسحابها من الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه بين مجموعة دول (5+1) وإيران في مايو 2018 ـ وفرض إدارته أقسى العقوبات على إيران ووضع 12 شرطاً لعودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي. وهي شروط تعجيزية لن تقبل بها إيران.
تداعيات عدم العودة للاتفاق النووي، وعدم انخراط إدارة بايدن بمفاوضات فعالة مع إيران، دفع رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الجنرال ميللي ـ إلى التحذير قبل شهرين أمام لجنة في الكونغرس أنه يمكن لإيران أن تنتج كميات كافية من اليورانيوم خلال أسبوعين بنسبة تخصيب 90 في المئة، وبعدها تحتاج لبضعة أشهر لامتلاك سلاح نووي وتضعه قيد التنفيذ. ما أثار المخاوف في المنطقة وخاصة المسؤولين الإسرائيليين الذين صُدموا من المدة الزمنية التي تحتاجها إيران لامتلاك السلاح النووي ـ لأن تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية تتحدث عن فترة زمنية بين عام وعامين.
عبّر حلفاء أمريكا، خاصة إسرائيل عن قلقهم ومخاوفهم لإدارة بايدن، لأنه لم يعد السؤال إذا ما كانت إيران ستمتلك السلاح النووي، بل متى ستمتلكه؟
وما هي تداعيات وتأثير ذلك على أمن المنطقة ومصالح أمريكا وحلفائها في المنطقة؟
وهل ستقوم إسرائيل بعمل عسكري تهرب للأمام من أزماتها أو تقوم بعمل تخريبي لمنع إيران الحصول على السلاح النووي؟ وما هي إضرار وتداعيات ذلك على أمن المنطقة؟
وقف بايدن عاجزاً ومتخلياً عن دوره القيادي بمواجهة إسرائيل، بينما يفاخر بصهيونيته ـ دون تنديد وتهديد بعقوبات لوقف القمع وعدوان إسرائيل على المسجد الأقصى في رمضان ـ واكتفى ووزير خارجيته بالتعبير عن القلق من قتل الفلسطينيين! والانتقاد بخجل قانون التضييق على القضاء!
ما يقود لانسداد أفق وجمود كلي في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، لأن عجز بايدن يشجع على تمادي الصهاينة حتى بتدمير نتنياهو وقرارات عتاة اليمين الفاشي في إدارته ضد رؤية إدارة بايدن بحل الدولتين. والخطر الحقيقي من تفجر حرب إقليمية وانتفاضة وحرب على غزة كما شهدنا مؤخراً في شهر رمضان في المسجد الأقصى والقدس المحتلة والاعتداءات المتكررة في الضفة الغربية وجنين ومخيمها ونابلس وحرب الردع المتبادل مع الفصائل الفلسطينية في غزة. وخاصة بعد استشهاد خضر عدنان القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية بعد 87 يوماً من اضرابه عن الطعام بسبب تعسف اعتقاله الإداري المتكرر ـ ما تسبب بجولة إطلاق صواريخ على مستوطنات غلاف غزة تم احتواؤه بوساطة مصر وقطر. لكن لا تزال النار تحت الرماد.
كما فشلت إدارة بايدن الإيفاء بوعودها بإعادة افتتاح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، التي أغلقتها إدارة ترامب بعد نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في مايو/أيار 2018 ـ ونحن على أعتاب الذكرى 75 للنكبة عام 1948.
واضح من تلك المعطيات ومع بدء دورة انتخابات الرئاسة لعام 2024 ـ والانهماك بالصراع الداخلي ـ لا يملك الرئيس بايدن وإدارته الوقت ولا الأولوية ليعمل لإصلاح بوصلة أمريكا المعطلة مع حلفائها المشككين!

القدس العربي