معمر فيصل خولي
لم يبق على الانتخابات الرئاسية والنيابية في تركيا سوى أيام، ومن أجل تحقيق غاية سياسية صعب تحقيقها بشكل منفرد في هزيمة حزب العدالة والتنمية في الاستحقاقات الرئاسية والنيابية السابقة، وخاصة إزاحة رجب طيب أردوغان عن منصب الرئاسة في تركيا، اتفق خصوم الأمس على توحيد صفوفهم في مواجهة حزب العدالة والتنمية، إذ شكلوا تحالفا سياسيا أطلق عليه تحالف الأمة، ويضم أحزاب: الشعب الجمهوري، السعادة، وجيد، الديمقراطية والتقدم، المستقبل، والحزب الديمقراطي.
وقد اتفقت هذه الأحزاب على اختيار كمال كلشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري أن يمثلها في الانتخابات الرئاسية المقبلة. واتفقوا أيضًا في حال الانتصار في الانتخابات القادمة على تطبيق 12 بندا تم الاتفاق عليها فيما بينهم، كالتوافق “على خارطة الطريق لعملية الانتقال إلى النظام البرلماني المعزز على نحو يؤكد أن تركيا في عملية الانتقال. سنحكم بالتشاور والتوافق، في إطار الدستور والقانون وفصل السلطات والتوازن ومبادئ الرقابة، بما يتماشى مع النصوص المرجعية التي اتفقنا عليها مع مبادئ وأهداف النظام البرلماني المعزز”.
ويشير إلى “الانتهاء من التعديلات الدستورية المتعلقة بالانتقال إلى النظام البرلماني المعزز وسيدخل حيز التنفيذ في أقرب وقت ممكن”.
و”خلال عملية الانتقال، يكون رؤساء العموم للأطراف المدرجة في تحالف الأمة نوابا للرئيس”. و”يتم تحديد توزيع الوزارات من خلال عدد النواب المنتخبين من قبل الأحزاب السياسية المكونة لتحالف الأمة في الانتخابات العامة للنواب.
يمثل كل من أحزاب التحالف وزيرا واحدا على الأقل في مجلس الوزراء. رئاسة الجمهورية التي تشكلت بالتوازي مع الوزارات، سيتم فصل مجالس ومكاتب السياسات”. وينص البند الخامس على أنه “يتم تعيين وإقالة الوزراء من قبل رئيس الجمهورية بالاتفاق مع الرئيس العام للحزب السياسي الذي ينتمون إليه”.
هذه البنود في حال تطبيقها بعد انتصار مرشح التحالف في الانتخابات الرئاسية المزمع اجراؤها في ١٤ من أيار/ مايو الحالي، فإنه من المتوقع أن تعود تركيا إلى مرحلة ما قبل عام 2002م، وهي مرحلة الحكومات الإئتلافية التي اتسمت في معظمها بالضعف والفساد ومحاصصة المناصب التنفيذية والإدارية في الدولة التركية.
هذا النوع من الحكومات جربتها تركيا في العقود الماضية، وكانت التجربة فاشلة في إدارة الدولة سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا، الأمر الذي كان يستدعي في بعض الأحيان إلى تدخل المؤسسة العسكرية لإسقاط الحكومة كما حدث مع حكومتي سليمان ديميريل في عام1971م، و1982م، وحكومة نحم الدين أربكان في عام 1997م. وبعودة الحكومات الإئتلافية ستعود تركيا إلى المربع الأول وتعطي الفرصة من جديد للمؤسسة العسكرية أن تكون صاحبة الوصاية على النظام السياسي التركي التي خاض ضدها حزب العدالة والتنمية معارك دستورية كي يضعها في مكانها الدستوري كمؤسسة عسكرية واجبها حماية الدولة دون التدخل في الحياة السياسية. وأنه من المتوقع أيضًا أن تفقد تركيا مع هذا النوع من الحكومات الاستقرار السياسي والعودة من جديد إلى الأزمات الدستورية التي غابت عن الحياة السياسية في تركيا منذ مجيء حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2002م.. فهذه الحكومة ليس بوسعها معالجة القضايا الداخلية الراهنة كارتفاع معدل التضخم ومواجهة تداعيات الزلزال وتقديم الخدمات للمتضررين. ناهيك عن التفاعلات الإقليمية والدولية المنخرطة فيها الدولة التركية. هذه القضايا بحاجة إلى حكومة تمتلك برنامج عمل وطني واضح الأهداف والأولويات ، وهذا الأمر لا يتحقق مع حكومة ائتلافية من انجازاتها انتاج الأزمات فقط.أثبتت التجرية التركية سواء في عهد الحكومة ذات الحزب الواحد أو الحكومة متعدة الأحزاب ” الإئتلافية” – بما لا يقطع مجالا للشك- بأن تركيا في عهد الحزب الواحد وعلى الرغم من المشكلات الراهنة إلا أنها استطاعت تحقيق العديد من الإنجازات الداخلية، وأصبحت قوة سياسية واقتصادية وعسكرية لا يستهان به في بيئتها الإقليمية والدولية، بينما تركيا في عهد الحكومات الائتلافية يمكن أن يطلق عليها بالرجل المريض المعاصر. فمن سيختار المواطن التركي بعد أيام.. القوي إقليميا ودوليا أم الرجل المريض عصريًا؟
وحدة الدرسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية