الانتخابات التركية: السياسة الخارجية عنوان للمواجهة

الانتخابات التركية: السياسة الخارجية عنوان للمواجهة

تبرز ورقة السياسة الخارجية كأحد عناوين المواجهة الرئيسية في تركيا بين التحالف الجمهوري الحاكم وتحالف الشعب المعارض، قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة الأحد المقبل. ولا يكاد يمر يوم من دون أن تهاجم المعارضة التركية الحكومة، في سياساتها الخارجية، متوعدة بتغييرات شاملة إذا ما فازت بالانتخابات، أبرزها في الملف السوري.

ولطالما انتقدت المعارضة التركية السياسة الخارجية التي تتبعها أنقرة في عهد حزب “العدالة والتنمية”، وعارضت الحكومة بشكل كبير، وهي تتوعد اليوم بتغييرات جذرية في السياسة الخارجية في حال فوزها، منها التوجه إلى اتباع علاقات إيجابية مع الغرب، وانسحابات عسكرية من بعض الدول. علماً أن حزب الشعب الجمهوري (مرشحه للرئاسة كمال كلجدار أوغلو) لم يصوّت سابقاً للمذكرات العسكرية (المتعلقة بالتدخل العسكري التركي) في ليبيا وسورية.

ويتنافس في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقررة في 14 مايو/ أيار الحالي 4 مرشحين رئاسيين، هم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرشحاً عن التحالف الجمهوري، وكلجدار أوغلو مرشحاً عن تحالف الشعب، بالإضافة إلى زعيم حزب البلد محرم إنجه، ومرشح تحالف “أتا” سنان أوغان (وهو تحالف قومي متطرف ويركز في حملته على طرد السوريين واللاجئين). وفي حال لم يحصل أي مرشح للرئاسة على نسبة 50 في المائة +1 في الجولة الأولى، تجرى جولة انتخاب رئاسية بين المرشحين اللذين يحصلان على أعلى نسبة من الأصوات في الجولة الأولى. كما يشارك 24 حزباً سياسياً و151 مرشحاً مستقلاً في الانتخابات البرلمانية، ويتنافسون على 600 مقعد.

ومن الواضح أن نتيجة الانتخابات ستؤثر بشكل مباشر على السياسة الخارجية لتركيا، إذ إن أنقرة تشتبك منذ سنوات عدة بملفات سياسية وعسكرية في المنطقة، منها تدخلات عسكرية مباشرة في سورية والعراق وليبيا، وتقديم استشارات ودعم في أذربيجان والصومال وقطر، فضلاً عن بيعها أسلحة ومسيّرات لعدد من الدول.

وشهدت السياسة الخارجية لتركيا، خلال السنوات الأخيرة، علاقات مضطربة مع دول الإقليم الكبرى، وخصوصاً السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل، حيث كانت تتسم بالمواجهة، ليشهد العامان الماضيان استدارة وتطبيعاً تركياً للعلاقات مع هذه الدول، في وقت تشهد فيه العلاقة مع الجارتين اليونان وقبرص توتراً، والأمر ذاته يسري على العلاقة مع أذربيجان.

وفشلت مساعي وجهود تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحصل التباعد وتصاعد التوتر في شرق المتوسط، فيما العلاقات ليست على ما يرام مع الولايات المتحدة، بوقت تستقر فيه مع روسيا وإيران اللتين لهما خلافات مع الغرب، كما أن تركيا لا تزال عضواً فعّالاً في حلف شمال الأطلسي (ناتو).

تتعهد المعارضة التركية بانسحابات عسكرية من بعض الدول، كليبيا وسورية، بحال فوزها بالانتخابات

هذه العلاقات المتشعبة لأنقرة، وفي هذه الملفات تحديداً، تجعل أنظار العالم تتجه إلى انتخاباتها لمعرفة نتائجها، فإذا فازت المعارضة ينتظر أن تشهد السياسة الخارجية لتركيا تغيرات جذرية، بحسب وعود وتعهدات هذه المعارضة. أما إذا بقي حزب “العدالة والتنمية” في الحكم، فقد تكون المنطقة أمام مرحلة جديدة من العلاقات لا يمكن التنبؤ بخريطتها الواضحة ومآلاتها بشكل كامل في الوقت الراهن.

تعهدات ووعود تحالف الشعب المعارض

وبحال الفوز في الانتخابات، يتحدث تحالف الشعب المعارض ومرشحه كمال كلجدار أوغلو، بشكل دائم، عن إعادة السوريين وإقامة علاقات مع النظام السوري من دون قيود وشروط وفتح السفارات معه بهدف إعادة السوريين في مدة أقصاها عامان. وفي تصريحات له للإعلام الغربي، مثل قناة “بي بي سي” البريطانية، أكد كلجدار أوغلو إن سياسة بلاده ستكون أقرب إلى الغرب منها إلى منطقة الشرق الأوسط، في حال فوزه في الانتخابات.

والبرنامج الحكومي المشترك لتحالف الشعب المعارض الذي تمّ الإعلان عنه في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي باسم الطاولة السداسية، فتح باباً خاصاً للسياسة الخارجية، جاء فيه أن “التعاملات الدولية ستكون وفق مبدأ المعاملة بالمثل والابتعاد عن ازدواجية المعايير من دون تفرقة بين الدول، والعلاقات مع المنظمات الدولية ستكون وفق مفهوم يقوم على التعدد في الدبلوماسية، في ما يتعلق بالعضوية فيها وآلياتها المختلفة، وإكساب المواطنين الأتراك الخبرات المطلوبة من أجل العمل معها وتولي مسؤوليات والارتقاء بها”.

وفي ما يخص العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، جاء في البرنامج: “هدفنا هو العضوية الكاملة مع الاتحاد الأوروبي، وستعمل الطاولة عبر الحوار والعدالة والمساواة في مسار إتمام مسألة العضوية، وأولوية العمل ستكون للتوصل إلى توافقات لرفع تأشيرات الدخول لدول الاتحاد الأوروبي، وتطوير اتفاقية التعاون الجمركي وإزالة الخلافات. تركيا والاتحاد الأوروبي لديهما مسؤوليات مشتركة بأزمة اللاجئين، وتحمل التكاليف وتشاركها، وضمن هذا الإطار مراجعة اتفاقية إعادة القبول الموقعة في عام 2014 واتفاقية عام 2016 (المتعلقة باللاجئين)”.

ونال حلف شمال الأطلسي مكانه ضمن برنامج المعارضة، وجاء فيه أن “الناتو له أهمية كبيرة على صعيد الأمن الوطني وقوة الردع، وستواصل تركيا تعهداتها على أرضية واقعية تناسب المصالح الوطنية”.

وحددت المعارضة علاقات أنقرة مع دول الجوار وفي المنطقة، من بينها الدول العربية من دون تسميتها وتحديدها دولة دولة، قائلة في برنامجها: “سيتم إصلاح العلاقات مع دول الجوار ودول الحوض القريب، ورفع مستواها في التعاون إلى أعلى مستوى، وستعمل تركيا على مبادرات مع الأطراف العديدة من أجل إحلال السلام والاستقرار في الجغرافية المجاورة”. وتابعت: “سيتم احترام سيادة دول المنطقة واستقلالها ووحدة أراضيها، ولن يتم التدخل بشؤونها الداخلية، كما أنها ستؤدي دور الميسّر بينها لحل المشاكل من دون أن تكون طرفاً فيه”. ومن الواضح أن القصد من ذلك دول مثل سورية وليبيا التي توجد فيها حالياً قوات عسكرية تركية.

كما خصصت المعارضة التركية موقفاً من القضية الفلسطينية، مبينة في البرنامج أنه “سيتم التواصل مع الأطراف المعنية لحل دائم للمسألة الفلسطينية الإسرائيلية وفق قرارات الأمم المتحدة وعلى أساس حلّ الدولتين، وستلعب تركيا دور الميسّر على طاولة الحوار”.

ونالت الأوضاع في شرق المتوسط والعلاقة مع اليونان مكاناً أيضاً في برنامج الطاولة السداسية، وجاء فيه: “سيتم إعطاء الأولوية لمسألة استبعاد تركيا من شرق المتوسط، والتفاوض بشكل مكثف على مسألة رسم الحدود البحرية وتقاسم مصادر الثروات بشكل قانوني”. وشدّدت المعارضة على أن “مسألة قبرص قضية وطنية، وسيتم الحفاظ على حقوق شمال قبرص التركية والعمل على حل دائم وعادل يحمي حقوقها وسيادة المجتمعين والتساوي في السيادة السياسية”.

وعن اليونان، جاء في البرنامج: “يجب أن يكون بحر إيجة عنواناً للسلام والتعاون وحسن الجوار، وسيتم العمل على ذلك، ولن يتم السماح لأي تطور يؤدي إلى الإضرار بمساحات السيادة الوطنية، وسيتم العمل على حل المشاكل العالقة مع اليونان عبر الدبلوماسية والحوار ومفاوضات تؤدي إلى نتيجة تقوم على أساس القوانين الدولية والحق، دون أي تنازل عن الحقوق الوطنية التركية”.

عمر أوزكزلجك: الناخب التركي لا يحدد خياراته وفق السياسة الخارجية طالما لا يتعلق الأمر بالأمن القومي

أما في ما يخص العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، فترى المعارضة أنها “ستعمل على تطوير العلاقات مع الولايات المتحدة وفق مبدأ العلاقات المتساوية ووضعها ضمن إطار العلاقات المؤسساتية، وتستند إلى الثقة المتبادلة، وسيتم العمل على العودة لبرنامج إنتاج مقاتلات إف 35”.

كما تم التطرق إلى العلاقة مع روسيا. وجاء في برنامج المعارضة: “ستتم تقوية العلاقة مع روسيا واستمرارها بمفهوم قائم على العلاقات الندية وعلى مستوى مؤسساتي وحوار متوازن وبناء”.

مئوية تركيا وبرنامج أردوغان

أما التحالف الجمهوري (العدالة والتنمية وحلفاؤه)، ونظراً إلى إدراكه أهمية ورقة السياسة الخارجية، فقد عمل على التهدئة العامة قبيل الانتخابات للتفرغ للمسائل الداخلية. ونظراً لاستنزاف الملف السوري له شعبياً، فقد بدأ هذا التحالف قبل أشهر مسيرة التطبيع مع النظام السوري، محدداً أهدافه بإعادة اللاجئين ومحاربة الإرهاب، وتطبيق الانتقال السياسي. ولهذا الغرض، عقدت لقاءات استخبارية وعلى مستوى وزراء الدفاع ووزراء الخارجية ضمّت تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري، من دون تحقيق أي تقدم فيها (باتجاه التطبيع).

وفي برنامج مئوية تركيا الذي أطلقه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أكد الرئيس التركي على استمرار سياسته داخلياً وخارجياً من خلال “مئوية الاستدامة”، و”مئوية الاستقرار”، و”مئوية التنمية”، ومجموعة من العناوين، من الواضح منها استمراره بسياسته الخارجية الحالية نفسها، ومراعاة المصالح الوطنية والمبادئ الدولية والتوازنات والتركيز على الاستقرار في منطقة صعبة في العالم. فمن خلال “مئوية السلام”، تعمل تركيا على إحلال السلام في الميدان وفي طاولة المفاوضات، إضافة إلى “مئوية الاستقرار”، عبر استقرار القوة والمضي نحو النصر، و”مئوية الاتصال”، من خلال تعزيز الأمن والتواصل الدولي والمعلومة الصحيحة والإبداع في تقانة المعلومات واستخدام التقنيات الوطنية.

وعن ورقة السياسة الخارجية في الانتخابات التركية وتأثيرها على الناخبين، رأى الصحافي التركي إلياس كلج أصلان، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “هناك تأثيرات للسياسة الخارجية بكل تأكيد على الانتخابات، خصوصاً أن أطياف اليمين والقوميين والمحافظين متأثرون بمقولة أن الأتراك أبناء حضارة، وهم أكثر من يتأثر، ومن هنا يظهر تأثير الرئيس أردوغان وحكومته التي جعلت تركيا رائدة في المنطقة والعالم”، لافتاً إلى أن “الناخبين، وخصوصاً من اليمين، تعجبهم مقولة إن العالم أكبر من خمسة (مقولة أردوغان في إشارة إلى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي) وانتقاده حق النقض في المجلس”.

وأضاف الصحافي التركي أن “التحالف الجمهوري الحاكم وحزب العدالة والتنمية وظفا السياسة الخارجية في الانتخابات بعدما تبنيا برنامجاً أو سياسة بشكل يتناسب مع سياسة التحالف، ولهذا الأمر تأثيره الواضح رغم التأثيرات السلبية لغلاء الأسعار”. وأشار إلى أنه “مقابل عدم الثقة بالمعارضة وعدم تقديمها خطاباً قوياً في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، وهو ما لا يجد الناخبون له تفسيرات، فإنهم يجدون في التحالف الجمهوري الجهة التي تلبي تطلعات شريحة كبيرة من الناخبين”.

إلياس كلج أصلان: الناخبون وخصوصاً من اليمين، تعجبهم مقولة أردوغان إن العالم أكبر من خمسة

وبيّن كلج أصلان أن “برامج المعارضة في السياسة الخارجية ليست على قدر برامج التحالف الجمهوري، بل إنها سياسة مبنية على المعارضة للحكومة، وقائمة على النقد”، مستبعداً حصول تغييرات كبيرة في حال فوز المعارضة. وأكد أن المعارضة إذا ما فازت، فإنها لن تقدّم سياسات قوية، بل على شكل إدارة الأمور فقط، ومثال ذلك فإن العلاقات مع روسيا لن تنقطع بحسب رأيه، ولكن بحكم التوازن مع الغرب، فإن العلاقة مع موسكو ستتقلّص من دون أن تنقطع، كما لن تقول المعارضة “نعم” لسياسة واشنطن (في سورية) من خلال الوحدات الكردية، لكن ستقل نسبة المعارضة لهذه السياسة، كما لن يقل الدعم لاتحاد الدول التركية ولكن لن يتم التمسك به بشكل قوي. وشدد على أن العلاقات مع الغرب بحال فوز المعارضة “ستكون دافئة”.

وأعرب الصحافي التركي عن اعتقاده أن السياسة الخارجية ستكون محددة في الانتخابات، وأن الناخبين سيرجحون كفة السياسة الخارجية القوية والمستقلة ولن يتراجعوا عنها، مقابل غلاء الأسعار فقط.

تأثير محدود لدى الناخبين الأتراك

من جهته، قال الكاتب والباحث في مركز “سيتا” للدراسات في تركيا عمر أوزكزلجك، لـ”العربي الجديد”، إن “الانتخابات التركية تشبه إلى حدّ كبير انتخابات الولايات المتحدة، حيث تأثير السياسة الخارجية يظلّ محدوداً، إذ طالما أن الأمر لا يتعلق بالأمن القومي التركي فإن الناخب التركي لا يحدد خياراته وفق السياسة الخارجية”.

واستدرك أوزكزلجك بالقول إن “مسألة تأثير العناصر الخارجية والدول الأخرى على الناخبين الأتراك أمر مختلف، إذ إن الأتراك عادةً لا يفضلون الإملاءات الخارجية الأجنبية، ولهذا فإن عناوين وسائل الإعلام الغربية المتطرفة جداً تجاه طرف محلي ما، تؤثر بشكل عكسي على الناخبين”. وشدّد أوزكزلجك على أن “التحالف الجمهوري استخدم السياسة الخارجية من باب الأمن خلال الانتخابات، وشدد في خطابه على أن مكاسب تركيا في شرق البحر المتوسط والعمليات العسكرية خارج الحدود ضد الإرهاب، ستتم خسارتها في حال تبدل الحكم، ولأن هذه المواضيع مرتبطة بمسائل السيادة الوطنية والأمن القومي فقد كان لهذا الخطاب تأثير وإن محدود”.

وعلى صعيد المعارضة، قال الباحث التركي إن “هناك وعوداً كثيرة من قبل المعارضة في السياسة الخارجية، منها إعادة الاعتبار لتركيا، وأنهم سيؤسسون علاقات جيدة مع جميع الدول، ولن يتحول ملف السياسة الخارجية إلى أداة في السياسة الداخلية”. ورأى أن هذه الأحاديث لا تؤثر في الناخبين، لافتاً إلى إمكانية القول إن المعارضة التركية لم تبن استراتيجيتها في الانتخابات على السياسة الخارجية، مستبعداً أن تكون هذه السياسة عاملاً محدداً في النتائج.

العربي الجديد