الخرطوم- زادت أزمة الجيش السوداني مع توالي ردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية التي تساوي بينه وبين قوات الدعم السريع، والتي وصفها بـ”المتمردة”، ما يعني عدم التجاوب مع وجهة نظره الرامية إلى فرض عقوبات على عناصرها فقط، وفي نفس الوقت الدفع نحو تسوية على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”.
وزاد التلويح بفرض عقوبات دولية، من قبل الإدارة الأميركية، الأيام الماضية تطال الجانبين وحثهما على الالتزام بالهدنات المعلنة، من انزعاج الجيش من المساواة بينه وبين قوات الدعم السريع.
وكشف استمرار الحياد عن عجز فاضح في خطاب قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان نحو استمالة قوى عديدة إلى جانبه، بما فيها قوى محلية لا تزال تصر على التمسك بالوقوف في منتصف الطريق بينه وبين قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي استفاد من انحيازه سلفا إلى القوى المدنية ووقوفه ضد عودة فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير وتحذيراته من انفجار التطرف في السودان.
ويمثل فشل الجيش في استقطاب قوى لرؤيته، في الداخل والخارج، ودعم موقفه العام من قوات الدعم السريع إخفاقا سياسيا كبيرا، سوف يعرضه للمزيد من الأزمات عندما يتوقف ضجيج المدافع، وحتى بعض القوى الإقليمية التي كان يعّول عليها البرهان في الوقوف إلى جانيه، مثل مصر، بدأت تتخلى عن تجاهل حميدتي في المعادلة لضمان وقف إطلاق النار.
وأجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالين هاتفيين مع البرهان وحميدتي (لأول مرة)، الخميس، بما يعني عدم قصر القاهرة حوارها مع قائد الجيش.
ولا تزال الهدنات المعلنة للحرب تواجه تحديات صعبة على الأرض، حيث يحمّل كل طرف مسؤولية خرقها للطرف الثاني، ما جعل مواقف قوى متباينة يظهر عليها الانزعاج خوفا من إطالة أمد الحرب أو امتدادها إلى دول مجاورة، ما يدخلها فصلا دمويا جديدا أشد ضراوة، حيث يؤثر على حسابات قوى كبرى لها مصالح حيوية في الإقليم.
وجدد الرئيس الأميركي جو بايدن مطالبته بوقف دائم لإطلاق النار بين الجيش وقوات الدعم السريع، مشددا على أن المعارك الدائرة منذ أسابيع في السودان “يجب أن تنتهي”، مهددا بعقوبات جديدة بحق الجهات المسؤولة عن إراقة الدماء.
ووقع بايدن مرسوما يعزز صلاحيات الإدارة الأميركية لفرض عقوبات على “الأفراد الذين يهددون السلام والأمن والاستقرار في السودان ويقوضون العملية الانتقالية الديمقراطية ويستخدمون العنف ضد المدنيين ويرتكبون انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما يعني أن المرسوم فتح الباب لفرض عقوبات تشمل الطرفين.
وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية فيدانت باتيل “يمكنني أن أؤكد لكم أننا سنستخدم هذه السلطة الجديدة بشكل مناسب لمحاسبة المسؤولين عن سلوكيات عنيفة”.
استمرار الحياد كشف عن عجز فاضح في خطاب قائد الجيش نحو استمالة قوى عديدة داخليا وخارجيا إلى جانبه
ويعتقد الطرفان المتحاربان أن لدى كليهما قدرة كبيرة على الحسم العسكري سريعا لصالحه، غير أن دخول الحرب أسبوعها الرابع بلا أفق حقيقي لوقفها يؤكد صعوبة هذا الاتجاه، لأن كل طرف يملك من أدوات القوة ما يمكّنه من الضغط على مفاصل الآخر، بما يحول دون تمكينه من تحقيق انتصار كاسح في الميدان.
وقال المحلل السياسي السوداني خالد الفكي لـ”العرب” إن قائد الجيش يواجه إشكالية ترتبط بمنح المجتمع الدولي شرعية لقوات الدعم السريع والتعامل معها بصيغة “لا غالب ولا مغلوب”، ما يعني أن هناك قوى تؤيد شرعنتها.
وتحدثت جهات إقليمية عن إمكانية عقد لقاءات بين ممثلين للبرهان وحميدتي في جوبا أو جدة لتثبيت ما جرى الحديث عنه من هدنات متتابعة ووقف دائم لإطلاق النار، ثم الشروع في مفاوضات سياسية لوضع ترتيبات للمرحلة التالية للحرب.
وأوضح الفكي في تصريح لـ”العرب” أنه من المبكر الحديث عن مكان لانعقاد مباحثات بين الطرفين لأن قوات الجيش تعمل على تفكيك وإرهاق وتشتيت قوات الدعم السريع ومحاولة إضعافها قبل أيّ جلوس على الطاولة كي لا يكون سقف التفاوض مرتفعًا لدى قوات الدعم السريع.
ويعد التضارب حول أماكن السيطرة داخل الخرطوم وتوازن القوى النسبي في المعارك نقطة سلبية في غير صالح الجيش الذي توقع قائده أنه قادر على “سحق” قوات الدعم السريع في غضون أيام قليلة.
من هنا بدت الجاهزة العسكرية للجيش أقل من المتوقع، فإذا كان يحارب جسما “متمردا” على حد قوله، فإنه سيواجه معاناة أشد إذا تدخلت حركات مسلحة في الصراع منحازة إلى قائد قوات الدعم السريع، لأن إعلان حيادها حتى الآن يمثل صدمة لدى قادة الجيش.
وتظل ورقة الحركات المسلحة غائبة عن التدخل مباشرة في الصراع، إلا أنها موجودة ويمكن أن تشارك في أيّ لحظة، واستمرارها على الحياد ربما لا يستمر طويلا، لأن التقاطعات المختلفة بينها وبين قوات الجيش وقوات الدعم السريع كبيرة، خاصة مع امتداد شرارات الحرب إلى مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.
وذكر المحلل السياسي السوداني عادل إبراهيم حمد أن هناك أهمية لوجود منتصر في هذه الحرب، لأن الوصول إلى حلول وسط يعد سابقة خطيرة، ربما تهدد تماسك قوات الجيش وتهز صورته معنويا وقدرته في الحفاظ على وحدة السودان وتماسكه.
وشكك حمد في حديث لـ”العرب” في إمكانية ذهاب الجيش إلى مفاوضات قريبا، مؤيدا استمرار الحرب لفترة من الوقت، لافتا إلى أن بعض التصريحات التي صدرت عن البرهان حملت تقديرا سياسيًا مرتفعا، ولذلك قد يكون الهدف من عقد مباحثات عبر ممثلين للطرفين الوصول إلى هدنة إنسانية مؤقتة وليس التفاوض بشأن العملية السياسية.
وحذرت مديرة الاستخبارات الأميركية أفريل هينز خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ الخميس من أنه يجب توقع نزاع “طويل الأمد” لأن “الجانبين يعتقدان أنهما قادران على الانتصار عسكريا وليست لديهما أسباب للجلوس إلى طاولة المفاوضات”.
وتعوق التقديرات العسكرية لاستمرار حرب الشوارع في الخرطوم فترة من الوقت محاولات الأمم المتحدة وقوى دولية وقف الحرب لدواع إنسانية، أو عقد اجتماعات تفتح الطريق أمام الحصول على هدنة طويلة الأجل تخفف وطأة المآسي التي يعيشها قطاع كبير من المواطنين الذين يفتقرون إلى القدرة على الفرار إلى دولة مجاورة.
العرب