التنسيق الإسرائيلي الروسي في سوريا: جيد حتى الآن؟

التنسيق الإسرائيلي الروسي في سوريا: جيد حتى الآن؟

RussiaIsraelPutinNetanyahuRTR34508-639x405

أثارت عملية إسقاط الطائرة الروسية من طراز “سو 24” في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر في المجال الجوي التركي التساؤلات حول ما إذا كان من الممكن وقوع حادث مماثل على الحدود الشمالية لإسرائيل. الجواب بالمختصر هو لا. إذ إن تصريحات صنّاع السياسة الإسرائيلية العديدة والتي أدلوا بها الأسبوع الماضي تؤكد على التنسيق مع روسيا، وتوصل رسالة إلى الجماهير وإلى الحكومات الحليفة مفادها أن التصعيد بين البلدين غير محتمل. وفي 28 تشرين الثاني/ نوفمبر، كشف عاموس جلعاد، رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، عن أن “طيارو سلاح الجو الروسي عبروا أحيانًا المجال الجوي الإسرائيلي … ونحن ندرك الخطوات التي يجب القيام بها وكيفية منع التصعيد”.

يُعتبر تعليق جلعاد هذا أول اعتراف بأن الطائرات الروسية دخلت المجال الجوي الإسرائيلي، ربما في خلال عمليات قصف جنوب سوريا. إن نشاط القوات الجوية الروسية في الجنوب ليس مكثفًا بعد، لذلك يمكن القول إن هذه الانتهاكات لن تتم في كثير من الأحيان. وحتى إن تم ذلك، فإن هذا النشاط هو ليس سوى واحدًا من بين العديد من العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى تصعيد غير مقصود.

لا تداعيات من عمليات إسرائيل في سوريا

شهد الشهر الماضي العديد من التقارير حول هجمات جوية إسرائيلية في سوريا تستهدف عمليات نقل أسلحة إلى “حزب الله” في لبنان. وقد شملت هذه الهجمات المزعومة هجومًا في 30 تشرين الأول/ أكتوبر على منشأة صواريخ باليستية بالقرب من مدينة قطيفة شنه اللواء 155 في الجيش السوري، والمعروف بلواء “سكود”، فضلا عن ضرب في 11 تشرين الثاني/نوفمبر هدف قريب من مطار دمشق الدولي. بالمثل، أفادت مصادر المعارضة وتلك المؤيدة للنظام بأن غارات إسرائيلية في ليلة 23 تشرين الثاني/ نوفمبر قتلت ثمانية من مقاتلي “حزب الله” وخمسة جنود سوريين في منطقة القلمون.

على الرغم من أنه يجب بشكل عام عدم تصديق تقارير وسائل الإعلام السورية حول الغارات الإسرائيلية، إلا أن عدة عوامل تشير إلى أنها يمكن أن تكون دقيقة في هذه الحالة. فإضافة إلى عدد هذه التقارير الكبير جدًا في الأسابيع الأخيرة، أشارت مصادر أخرى إلى زيادة شهدتها مؤخرًا شحنات الأسلحة من إيران إلى “حزب الله”. إلى جانب، فقد أكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرتين الشهر الماضي على أن إسرائيل تعمل عبر الحدود. إذ صرّح في الأول من كانون الأول/ ديسمبر بما يلي: “نحن نقوم بعمليات في سوريا من وقت لآخر لمنع تحولها إلى جبهة أخرى ضدنا. بالتأكيد، علينا أن نعمل من أجل منع نقل الأسلحة الفتاكة من سوريا إلى لبنان”.

تشير الغارات الإسرائيلية التي تم ذكرها إلى أن الوجود الروسي لم يحد إلى حد كبير من قدرة إسرائيل على استهداف شحنات الأسلحة الإيرانية إلى “حزب الله”، وأن موسكو قد لا تهتم كثيرًا بمصالح طهران في تعزيز ترسانة الحزب. لهذا السبب ربما ذكر وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر أنه “لأمر جيد أن [الروس] لا يحولون دون طياراننا وتصرفنا وفق مصالحنا”. حتى الرئيس فلاديمير بوتين أعرب عن ارتياحه للتنسيق في إطار لقائه نتنياهو في اليوم التالي، على هامش مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، قائلًا: “نحن راضون عن تطور علاقاتنا الثنائية. وأشير إلى أن آلية التنسيق بين جيشينا، والتي وضعناها وفق مبادرتكم ردًا على تصعيد الوضع في المنطقة تعمل، لا بل إنها تعمل بشكل جيد”.

عوامل تصعيد أخرى محتملة

على الرغم من أن خط الاتصال يبدو فاعلًا حتى الآن، سيحتاج البلدان إلى الاحتراز بما أن التطورات الجديدة تهدد بتوتر العلاقات. على سبيل المثال، بعد إسقاط طائرة “سو 24″، سارع الكرملين إلى التصريح بأنه سينشر في سوريا نظامًا مضادًا للطائرات من طراز “إس-400″، وهو من الأنظمة المتقدمة جدًا. بالتالي، فإن وضع هذا النظام في اللاذقية يعطي روسيا مجالًا واسعًا يشمل جزءًا كبيرًا من المجال الجوي الإسرائيلي. مما لا شك فيه أن موسكو لا تهدد باستخدامه ضد الطائرات الإسرائيلية، كما نأمل أن يمنع الخط الساخن بين البلدين حدوث أي أخطاء تشغيلية. لكن الجيشين لا يزالان بحاجة إلى البقاء على أهبة الإستعداد، فقد يكون الحادث مع تركيا أرخى الزناد الروسي، وبالتالي قد يحتاج سلاح الجو الإسرائيلي إلى أن يكون أكثر شفافية حول أي عمليات ينفذها في المستقبل في سوريا.

من نقاط الاحتكاك الممكنة الأخرى وجود روسيا المتنامي وسط سوريا، وعلى وجه التحديد خطة التوسع في قاعدة الشعيرات الجوية. فهذه القاعدة، التي تقع خمسة وعشرين كيلومترًا جنوب شرقي حمص، ستكون قادرة على استيعاب عشرات الطائرات الروسية ثابتة الجناحين. مما يعني أن النشاط الجوي الروسي في المنطقة سيُكثف، الأمر الذي سيحد من عمليات إسرائيل فيه.

كما ورد في هذا السياق أن “حزب الله” ونظام الرئيس السوري بشار الأسد سيعززان من وجودهما حول الشعيرات كجزء من حملتهما نحو تدمر (التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش). وقد يشمل ذلك نقل بعض القواعد اللوجستية لتكون أقرب إلى القوات الروسية. فالشعيرات لا تبعد سوى حوالي الساعة بالسيارة عن الحدود اللبنانية، وهذا يعني أنه يمكن لـ”حزب الله” أن يحوّل طرقات التهريب الخاصة به لتكون بعيدة عن متناول إسرائيل. لا بد من الإشارة إلى أن الإعداد اللوجستي لهذه المناورة ليس بالبسيط لأن “حزب الله” سيكون بحاجة إلى نقل الأسلحة الثقيلة وغيرها من المنشآت بشكل سري، ولكن الأمر ممكنًا على الرغم من ذلك. إضافة إلى تعقيد العمليات الإسرائيلية، يمكن لمثل هذا السيناريو أن يؤدي إلى احتكاك مع موسكو، إذ ستتردد إسرائيل جدًا في استهداف “حزب الله” في وسط سوريا خوفًا من أن يطال هذا الاستهداف القوات الروسية عن طريق الخطأ.

يمكن لزيادة التوتر مع “حزب الله” في الشمال أيضًا أن تضفي توترًا على عملية التنسيق بين روسيا وإسرائيل. فكلما فقد الحزب ضحايا على يد إسرائيل، كما ورد في الشهر الماضي، يزداد احتمال الانتقام. يُذكر أن البيان الأخير لنتنياهو يزيد من هذا الاحتمال أكثر، إذ تكلم عن عمليات ضد قوافل سلاح موجهة إلى “حزب الله”، في إطار تغيير عن سياسة إسرائيل المعتادة التي تقوم على الغموض. في الماضي، ردت قوات “حزب الله” باستخدام العبوات الناسفة أو اطلاق صواريخ مضادة للدبابات ضد دوريات الحدود الإسرائيلية. فالحزب لا يريد إثارة أي أعمال عدائية على نطاق أوسع لأنه استثمر في الحرب السورية بكثافة، ولكن حتى الانتقام البسيط قد يؤدي إلى تصعيد غير مخطط له.

على المدى الطويل، سيبرز توجهان رئيسيان يشكلان تحديًا للتنسيق الإسرائيلي الروسي. الأول هو هدف إيران و”حزب الله” القائم على توسيع وجودهما في هضبة الجولان. ففي منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، صدّت قوات “حزب الله” والقوات السورية الثوار في القنيطرة واستعادت السيطرة على عدد من المواقع العسكرية الهامة. منذ ذلك الحين، كثّف نظام الأسد وشركائه عملياتهم في الجنوب، وسيطروا على المزيد من الأراضي بمساعدة الضربات الجوية الروسية. وعلى الرغم من أن نطاق هذه الضربات الجوية لا يزال صغيرًا مقارنة بالعمليات التي تتم في شمال سوريا ووسطها، إلا أن أي توسع لـ”حزب الله” وعملاء إيران في القنيطرة أو في محافظة درعا الغربية سيُعتبر تهديدًا لإسرائيل. وفي حال ساعدت روسيا على تسهيل هذا التطور من خلال قوتها الجوية، ستكون قدرة إسرائيل على الرد محدودة أكثر

أما الاتجاه الآخر، والذي غالبًا ما يقلل صانعو السياسة الإسرائيلية من شأنه، فهو تعميق العلاقات بين روسيا من جهة و”حزب الله” وإيران من جهة ثانية. فقد أظهرت النتائج غير الملحوظة للتدخل حتى الآن لموسكو أن للحملة الجوية حدودًا إذا لم تترافق مع قوة برية تتمتع بقدرة عالية. في هذا الصدد، أثبتت قوات “حزب الله” والقوات الإيرانية أنها فعّالة على بعض الجبهات، إذ ورد أن القوتين تساعدان أحد طياري طائرة “سو 24” التي سقطت على التعافي. من شأن عمليات مماثلة أن تقرّب ما بين أعضاء التحالف الروسي، ومع استمرار القتال، قد تكتشف موسكو أن علاقاتها مع “حزب الله” وإيران تفوق الاتفاق الضمني للسماح بالغارات الجوية الإسرائيلية ضدهما. في إطار هذا السيناريو، سيجد الطيارون الإسرائيليون أنفسهم فجأة تحت تهديد الدفاعات الجوية الروسية المتطورة.

توصيات السياسة

يجب أن تقوم الخطوة الإسرائيلية الأولى على تعزيز آلية التنسيق مع روسيا. ففي الأول من كانون الأول/ ديسمبر، التقى نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال يائير جولان نظيره الروسي لهذا الغرض بالذات. فإدخال نظام “إس-400” إلى سوريا قد يدفع بإسرائيل إلى إعادة النظر في بعض عملياتها، ولكن التنسيق الوثيق قد يساعد على التخفيف من تلك المخاطر.

كما وتحتاج الاستخبارات الإسرائيلية إلى التيقظ ضد أي حركة تهدف إلى تقريب مراكز “حزب الله” اللوجستية من العمليات الروسية في حمص، لأن ذلك سيحد من القدرة على استهداف قوافل الأسلحة التابعة للحزب. قد تحتاج إسرائيل إلى اتخاذ إجراءات ضد خطط مماثلة قبل أن توضع قيد التنفيذ. في الوقت عينه، يمكنها أن تركز الجهود الاستخبارية على الكشف عن أي طرقات تهريب جديدة يتخذها “حزب الله” إلى لبنان. وفيما يتعلق بالانتقام المحتمل للحزب أو عملائه، فإسرائيل ربما اتخذت بالفعل التدابير الأمنية اللازمة لتجنب أي خسائر في الأرواح على الحدود مع لبنان وسوريا.

أما عند التخطيط طويل المدى، فيجب على إسرائيل الحفاظ على اتصال وثيق مع الشريك الأمريكي حول هذه القضايا. فإذا قررت موسكو في نهاية المطاف عدم غض النظر عن العمليات الإسرائيلية في سوريا، قد تواجه إسرائيل بعض الخيارات الصعبة. بناءً عليه، لا بد من الاستمرار في إعطاء المعلومات لواشنطن في حال وجود أي تغيير في العلاقات مع روسيا، بما أن إسرائيل ستحتاج إلى أن تضع الولايات المتحدة أمام موسكو نفس الخطوط الحمراء التي وضعتها إسرائيل، أي منع إيران و”حزب الله” من فتح جبهة جديدة في الجولان، ومنع نقل الأسلحة المتطورة إلى “حزب الله”. فالدعم الأمريكي في هذه القضايا قد يقنع الروس بالاستمرار في تحمل الضربات الإسرائيلية على “حزب الله”.

في النهاية، تجدر الإشارة إلى أن الاتصالات بين إسرائيل والكرملين منذ بدء التدخل في سوريا لا تقوم سوى على التنسيق التكتيكي، وليست عبارة عن إعادة تنظيم استراتيجي. وعلى الرغم من أنه يبدو أن روسيا تحترم الخطوط الحمراء الإسرائيلية في سوريا، إلا أن ذلك ليس لأن موسكو ترى إسرائيل كحليف لا غنى عنه، لكن لأن الإجراءات الإسرائيلية في سوريا لم تتدخل في خطط موسكو بعد. مما لا شك فيه أن العديد من المسؤولين الإسرائيليين يأملون في أن يبقى الوضع على ما هو عليه، لكنهم يدركون أيضًا أن روسيا وإسرائيل ليسا شريكين على قدم من المساواة. ففي اللحظة التي ستتعارض فيها أعمال إسرائيل مع المصالح الروسية، ستنحصر حرية عملها النسبية إلى حد كبير.

نداف بولاك

معهد واشطن