استناداً إلى تفويض من الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب قرار صدر أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، أحيت «لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف» ذكرى النكبة الـ75 للمرة الأولى في تاريخ المنظمة الدولية. وقالت اللجنة إن «النزوح الجماعي للفلسطينيين المعروف باسم النكبة شهد تحول أكثر من نصف السكان الفلسطينيين إلى لاجئين»، وأقرت بأن «أكثر من 5 ملايين و900 ألف لاجئ من فلسطين مسجلين لدى الأونروا لا يزالون يعيشون وسط نزاع وعنف واحتلال، ويتطلعون إلى حل عادل ودائم لمحنتهم».
المنظمة الدولية استغرقت 75 سنة قبل أن تعترف بهذه الحقائق البسيطة الساطعة، وأنها إذ تصل متأخرة اليوم أفضل من بقائها خارج التسليم بوقائع النكبة وفظائع قتل الآلاف من الفلسطينيين وطرد نحو 800 ألف من وطنهم وتدمير مئات القرى والبلدات. وبمعزل عن هذه الملابسات، يشكل إحياء الذكرى انتصاراً دبلوماسياً ومعنوياً للشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه المشروعة.
لكنه يظل منتقصاً عن سابق قصد وتصميم، بدليل صريح هو رفض التصويت على القرار من جانب 30 دولة تمثل غالبية الديمقراطيات الغربية التي ترفع رايات حقوق الإنسان والقانون الدولي، وبينها الولايات المتحدة وأستراليا والنمسا وكندا والدانمرك وألمانيا واليونان والمجر وإيطاليا وهولندا والمملكة المتحدة. كذلك كان لافتاً أن تمتنع عن التصويت دولة مثل أوكرانيا التي تشكو من غزو عسكري روسي، وتناشد العالم تطبيق أحكام القانون الدولي ضد الدولة الغازية.
وقبل أيام قليلة، وعلى سبيل تهنئة الكيان الصهيوني في الذكرى الـ75 لإنشائه، لم تتردد رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في التصريح بأن دولة الاحتلال الإسرائيلي هي «الديمقراطية النابضة بالحياة في قلب الشرق الأوسط»، وأنها جعلت «الصحراء تزهر». ولم تكن هذه الأقوال تفضح طرازاً متعمداً من الجهل والتجهيل فقط، بل كانت تسجل مناسبة جديدة لإمعان العديد من مسؤولي الديمقراطيات الغربية في نهج فاسد لا يكتفي بإنكار حقائق النكبة، بل يعمل أيضاً على إشاعة نقائضها.
ورغم فعالية الأمم المتحدة بعد غياب 75 سنة، وتصويب تاريخ النكبة في أعمال العديد من المؤرخين هنا وهناك على امتداد الجامعات والمعاهد والمحافل العلمية الدولية، وبينهم نفر من المؤرخين الجدد الإسرائيليين أنفسهم، فإن مسايرة رواية إسرائيلية كاذبة تتستر على جرائم العصابات الصهيونية في التهجير وارتكاب المذابح وتدمير العمران وتخريب الحياة الزراعية والاقتصادية الفلسطينية، تبقى نهجاً شائعاً وثابتاً، بل تكاد بعض نماذجه أن تتفوق حتى على الناطقين باسم الاحتلال.
والدول التي رفضت أو امتنعت عن التصويت على القرار لا تسمع جديداً من الرئيس الفلسطيني حين يذكّر المجتمع الدولي بأن نحو 1000 قرار أممي صدرت عن الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي حول القضية الفلسطينية ولم ينفّذ أي منها طيلة 75 سنة. وهي أيضاً لا تأتي بجديد حين تذهب أبعد فأبعد في حماية دولة الاحتلال، وإبقائها خارج طائلة القانون الدولي، وتشجيعها بالتالي على مزيد من جرائم الحرب والاستيطان والإعدامات الميدانية والتهجير، فضلاً عن ترسيخ قوانين التمييز والفصل العنصري والأبرتهايد.
القدس العربي