اللاجئون السوريون الخاسر الأول في انتخابات تركيا

اللاجئون السوريون الخاسر الأول في انتخابات تركيا

أنقرة- تحول اللاجئون السوريون إلى ذخيرة حية في الانتخابات التركية يستخدمها الطرفان المتنافسان ضد أحدهما الآخر، مما يعني أن نحو 3.7 مليون لاجئ ينتظرون أوضاعا مأساوية كائنا من كان الفائز في دورة الانتخابات الثانية التي تجرى يوم 28 من الشهر الجاري.

فبينما تعهد الرئيس رجب طيب أردوغان بإعادة مليون لاجئ سوري إلى بلادهم بعد إنجاز مشاريع بناء تقوم شركات تركية بتنفيذها داخل الأراضي السورية، رفع منافسه كمال قليجدار أوغلو عيار التصعيد متعهدا بطرد 10 ملايين لاجئ، قال إن حكومة أردوغان سمحت بدخولهم إلى تركيا.

ولم ترتفع حماسة قليجدار أوغلو إلى مستوى التعهد بالطرد الجماعي للاجئين إلا بعد أن فشل في أن يحسم الانتخابات لصالحه في الجولة الأولى، ما يجعله يراهن على أن يكسب أصوات القوميين المتشددين الذين يطالبون بترحيل اللاجئين.

وبدا الرئيس أردوغان أكثر واقعية من منافسه عندما قال في مقابلة مع قناة “سي أن أن” الأميركية إن “المعارضة تركز باستمرار على شيء واحد. تقول: عندما نصل إلى السلطة، سوف نعيد اللاجئين السوريين في تركيا. ومن المستحيل بالنسبة إليّ أن أتفق مع ذلك”.

وأردف “المنظمات غير الربحية التركية تقوم ببناء وحدات سكنية في الأجزاء الشمالية من سوريا، ليتمكن اللاجئون هنا في تركيا من العودة إلى وطنهم. لقد بدأت هذه العملية بالفعل ونحن الآن بصدد إطلاق مبادرة أخرى لتشجيع مليون لاجئ على العودة إلى وطنهم”.

ولفت أردوغان إلى أن سياسة المعارضة لن تجدي نفعا في تركيا “لأن هناك أشخاصا ذوي جودة عالية بين هؤلاء اللاجئين؛ حيث يوجد أطباء ومهندسون ومحامون وممرضون. ولا يمكن اتباع سياسة من قبيل: سأطردهم وأرسلهم إلى أراضيهم. بداية ينبغي أن تتقبل (المعارضة) أسلوب حياة وأسلوب إدارة موجهة نحو الإنسان”.

واتهم قليجدار أوغلو الرئيس أردوغان بالقول “لم تحم الحدود وشرف البلاد.. أدخلت عمدا أكثر من 10 ملايين لاجئ إلى هذا البلد.. فور وصولي إلى السلطة، سأعيد كل اللاجئين إلى بلدانهم”.

ويشير قليجدار أوغلو بهذا الرقم إلى لاجئين من العراق وأفغانستان وإيران، فضلا عن اللاجئين من سوريا.

وتذكر الإحصاءات الرسمية أن هناك نحو 3.7 مليون سوري داخل الأراضي التركية يحملون بطاقة “الحماية المؤقتة”.

يعيش من بينهم 63 ألفا و720 شخصا في مراكز الإيواء المؤقتة. ويعيش 3 ملايين و362 ألفا و989 آخرين خارج هذه المراكز، ومنهم نحو 230 ألفاً حصلوا على الجنسية التركية منذ 12 عاماً.

وتقدّر بعض المصادر الرسمية أن نسبة السوريين المجنسين الذين يحق لهم الاقتراع 0.17 في المئة من مجموع الناخبين الأتراك البالغ أكثر من 64 مليوناً. مما يعني أنهم لن يتركوا تأثيرا على النتائج، إلا أن الأتراك الراغبين بترحيلهم مؤثرون بالفعل.

وتُعد ولايات إسطنبول وغازي عنتاب وشانلي أورفا وهاتاي وأضنة ومرسين وبورصا وإزمير وقونية وأنقرة من المدن التي يعيش فيها أكبر عدد من السوريين.

وكان وزير الداخلية التركي سليمان صويلو كشف أن تركيا أعادت بالفعل أكثر من نصف مليون سوري. ولكنه أضاف “لن نحوّل تركيا إلى مستودع للاجئين ولم نفعل ذلك حتى الآن. لكن السوريين أشقاء لنا.. لا يمكننا إرسالهم إلى الموت. ولم نقم بذلك. لا يريد طيب أردوغان أن يتم تذكره على أنه الزعيم الذي أرسل السوريين إلى الموت”.

ويقول مراقبون إن الوعود بترحيل أعداد ضخمة من اللاجئين مفيدة انتخابيا، إلا أنها غير واقعية، لأن العديد من اللاجئين السوريين باتوا مستقرين بأعمال مستقلة خاصة بهم.

وعلى الرغم من أن ترحيل المقيمين في مراكز الإيواء، هو الهدف الأسهل، إلا أن إعادتهم قسرا سوف تؤدي إلى إثارة الكثير من الانتقادات في أوساط المنظمات الحقوقية الدولية. كما أنها سوف تثير القلق لدى الدول الأوروبية التي تريد الإبقاء عليهم في تركيا، لاسيما وأنها تدفع مساعدات مالية ضخمة لأنقرة لهذا الغرض. وستؤدي عمليات الترحيل الجماعي إلى وقف هذه المساعدات.

وعلى الرغم من أن الفقر والتضخم هما القضيتان الأكثر تأثيرا على حياة المواطنين في تركيا، إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن أكثر من 88 في المئة منهم يريدون ترحيل اللاجئين، ويعتبرونهم القضية الأهم.

وتسود البلاد موجات كراهية ضد السوريين على وجه الخصوص، حيث استغلت الأحزاب الرئيسية في البلاد، بعض الحوادث الفردية لإثارة مشاعر معادية ضدهم، تؤدي بدورها إلى زيادة توتر الأتراك ومجاميع اللاجئين الذين يقطنون، في الغالب، في أحياء فقيرة، ويقومون بأعمال رثة من أجل العيش.

ففي أغسطس 2021، دمرت عصابة قوميين أتراك محلات سورية في أنقرة، بزعم أن أصحابها لا يدفعون الضرائب ويعيشون على المساعدات الحكومية. وفي يناير 2022، قتلت مجموعة مقنعة لاجئا سوريا يبلغ من العمر 19 عاما في إسطنبول أثناء نومه في شقته. وفي يونيو 2022، أطلقت القوات الأمنية التركية النار على 35 لاجئا في مدينة عصمانيه، لأنهم حاولوا الهرب من ملجأ اللاجئين. وبرغم أن الآلاف من اللاجئين كانوا ضحية للدمار الذي نجم عن زلزال 6 فبراير الماضي، وأدى إلى تشرد من بقي حيا، فإن هؤلاء المشردين تعرضوا لاعتداءات من جانب الأتراك.

وبحسب استطلاعات الرأي، فإن أغلبية تصل إلى 70 في المئة من اللاجئين السوريين ترغب بمغادرة تركيا. إلا أنهم بين فكي الرحى، لا يجدون مكانا يؤويهم في بلادهم، كما لا يجدون سبيلا للرحيل إلى بلد آخر.

العرب