أميركا تواجه أزمة في عناصر التربة النادرة.. هل تستطيع تقليص هيمنة الصين عليها؟

أميركا تواجه أزمة في عناصر التربة النادرة.. هل تستطيع تقليص هيمنة الصين عليها؟

تتصاعد أهمية المعادن النادرة التي لا يمكن الاستغناء عن عناصرها في العديد من الصناعات الرئيسية للانتقال إلى ثورة الطاقة المستدامة؛ من توربينات الرياح إلى السيارات الكهربائية، وتدخل عناصر التربة النادرة في التكنولوجيا العسكرية الحديثة، مثل أنظمة الرادار والذخائر الموجهة بدقة؛ لذلك فإن الشركات حول العالم بحاجة مستمرة للمزيد من تلك العناصر للعمل على التقنيات المستقبلية، مع استمرار التقدم التكنولوجي في هذه المجالات.

ويقول تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنترست” (National interest) الأميركية إن الحكومة الصينية خصصت موارد مالية وسياسية هائلة للسيطرة على سوق عناصر التربة النادرة العالمية؛ وهو ما أسفر عن مكاسب كبيرة للاقتصاد الصيني الذي يسيطر الآن على 85% من سوق معالجة التربة النادرة العالمية. وطورت شركات التكرير الصينية التكنولوجيا والمهارات اللازمة لتنقية التربة النادرة بسعر أقل بكثير من الولايات المتحدة ودول أخرى، وذلك بفضل الدعم المالي والمؤسسي الذي استمر عقودا.

وتسعى الصين للاستفادة من احتكارها هذه العناصر النادرة لتحقيق أهداف سياستها الخارجية، لذلك تواجه بكين منافسة محتدمة من الغرب، في مسعى للحد من تحكمها في تصدير المعادن الأرضية النادرة، من خلال إبرام العديد من الصفقات الدولية في الآونة الأخيرة.

وذكر تقرير لموقع “كوارتز” (Quartz) الأميركي أن الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا واليابان تتعاون لإنتاج معادن أرضية نادرة.

ومع إدراك خطورة تبعيتها للصين في مجال المعادن النادرة، بادرت الولايات المتحدة لتكثيف عملية استخراج تلك المعادن داخل البلاد، كما أن دخول منافسين جدد للسوق مع تزايد الطلب؛ أديا إلى تراجع هيمنة الصين على الإنتاج من 90 إلى 70%.

خطوات طويلة
وأوضح تقرير المجلة الأميركية أن الرئيس السابق دونالد ترامب وقّع أمرا تنفيذيا لزيادة الإنتاج المحلي لعناصر التربة النادرة للتكنولوجيا العسكرية، كما لاحظت إدارة الرئيس الحالي جو بايدن في تقييمها السنوي للتهديدات لعام 2023 أن هيمنة الصين في سوق المعادن الحرجة يمكن أن تشكل خطرا كبيرا على قطاعي التصنيع والمستهلكين في الولايات المتحدة والغرب.

ومنحت وزارة الدفاع الأميركية 10 ملايين دولار لشركة “إم بي ماتيريالز” التي تدير أحد مناجم التربة النادرة في أميركا، كما وقع الرئيس الأميركي جو بايدن الأمر التنفيذي رقم (14051) لضمان وجود مخزون كاف من التربة النادرة لأغراض الأمن القومي، ومع ذلك فإن هذه السياسات غير كافية لمعالجة الهيمنة الحالية للصين.

وأشار التقرير إلى أن الإطار الزمني لاستثمارات بايدن الحالية في التعدين والاستخراج سيستغرق وقتا طويلا حتى يتحقق، حيث وجدت دراسة من 2010 إلى 2019 أن مناجم التربة النادرة استغرقت أكثر من 16 عاما من الاكتشاف الأولي إلى الإنتاج، موضحا أن العملية تستغرق هذا الوقت الطويل لأنه يستغرق عادة 12 عاما لإجراء دراسات الجدوى لمواقع التعدين المحتملة، وتليها 4 سنوات من البناء؛ ويعني النقص المُلِح في عناصر التربة النادرة أن الولايات المتحدة لا تستطيع الاعتماد على فتح مناجم جديدة ورؤية المشاكل الحالية تختفي على الفور.

وستكون إدارة بايدن أمام ضرورة التعرف على عناصر التربة النادرة التي تحتاجها وإعطاء الأولوية لها لضمان الأمن القومي، حيث إنه ليست كل العناصر النادرة متساوية؛ فبعض عناصر التربة النادرة -مثل الإيتريوم- ضرورية للذخائر، بينما يكون البعض الآخر -مثل النيوديميوم- أكثر فائدة في تشغيل المركبات الكهربائية.

وبالنظر إلى الإطار الزمني وشدة النقص، فإن إدارة بايدن تحتاج إلى إعطاء الأولوية لهذا البحث، وذلك من خلال فهم نوع بعض التربة النادرة وكميتها، ووضع سياسة التربة النادرة المثلى للأمن الاقتصادي والوطني للولايات المتحدة.

هيمنة صينية قوية
ولا شك أن عناصر التربة النادرة تدفع الاقتصاد العالمي، حيث ستكون الدول التي تتحكم في قدرات تكرير عناصر التربة النادرة قادرة على تحديد القدرات البيئية والاقتصادية والعسكرية المستقبلية لبلدها وحلفائها.

وفي حين تعمل أطراف صينية فاعلة في قطاع المعادن النادرة على ترسيخ أقدامها في الأسواق العالمية، تحرز دول أخرى تقدما بطيئا في إعادة بناء سلاسل التوريد للمعادن النادرة من أجل غاية وحيدة؛ وهي تخفيف قبضة الصين على هذه المعادن النفيسة.

فلا تزال الصين تتمتع بمزايا كبيرة بالنظر إلى اتساع صناعتها، فإلى جانب قيامها بتعدين المواد الخام الخاصة بها، فإنها تهيمن على كل المراحل الأخرى في السلسلة الصناعية الطويلة لإنتاج تربة نادرة عالية النقاء.

ويتمثل أحد الحلول بالنسبة للغرب من أجل التنافس مع الصين في تطوير التقنيات التي تتطلب عددا أقل من العناصر الأرضية النادرة، لتقليص أي اعتماد على الصين بشكل أفضل.

المصدر : مواقع إلكترونية