فتحت الحرب الروسية الأوكرانية مجالا واسعا لاستخدام الأسلحة والمعدات الحديثة و الثقيلة ومنظمات الصواريخ الموجهة ومنظومات الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة والدبابات والمدرعات في كافة أنواعها وخواصها الهجومية والدفاعية وأعطت مساحة واسعة باختيارها في حرب لا زالت مستمرة منذ عام ونيف ، وسلطت الأضواء على الإمكانية الكبيرة والدعم المالي الذي تنفقه الدول الكبرى على مشاريع وبرامج التسليح وتوسيع دائرة الاختبارات في المجال العسكري لتحقيق الأهداف السياسية والأمنية وتنفيذ المشاريع الميدانية والحفاظ على المصالح العليا لهذه البلدان.
جاءت هذه الحرب لتؤكد هذه المعايير المهمة لمفاهيم الردع والمواجهة العسكرية ولتوضيح ميدان العمل المتوازي للولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية الداعمة الرئيس الأوكراني زلينسكي والحفاظ على التوازن العسكري في مواجهة الجيش الروسي باستمرار تدفق الأسلحة والمعدات المتطورة التي تزود بها المؤسسة العسكرية الأوكرانية في مقابل التقدم العسكري والتقني والتكنولوجي الذي شاهدناه في الرد الروسي على جميع أشكال الدعم العسكري وهي بذلك أعطت صورة واضحة للحرب بالانابة التي تجري في الميدان وبشكل غير مباشر.
تعمقت حقيقة مواقف الدول التي تتمتع بعلاقات مشتركة بين روسيا وأوكرانيا وظهر على الساحة السياسية قيام عدد من الدول بتزويد كلا الطرفين بما تحتاجه عملية إدارة زخم المعارك المستمرة ، وكان من الدول التي ساهمت بهذا الدور إيران بتزويدها لروسيا بالطائرات المسيرة والتي أثبتت فعاليتها في معالجة واستهداف الأهداف الأرضية العسكرية والأمنية في الميدان الأوكراني وهذا ما كان سببا وجيها في تسليط الأضواء على طبيعة وحجم التعاون بين طهران وموسكو والحديث عن نوعية وفعالية الطائرات المسيرة ودورها في الحرب الروسية الأوكرانية.
جاء الاهتمام الأمريكي على لسان القائد السابق للقوات الأمريكية والمدير التنفيذي الحالي لمعهد الأمن القومي في جامعة جنوب فلوريدا (كنيث ماكنزي) في حديثه بالندوة الموسعة التي عقدت في واشنطن التي أكد فيها على تصاعد فعالية الطائرات المسيرة الإيرانية وتفوقفها وانعدام حالة التكافؤ العسكري في منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما يجعلنا أن نشير إلى أن البرنامج الخاص بهذه الطائرات يستخدم في الدول التي ليس لها القدرة على استخدام الطائرات المقاتلة الحديثة كونها تتمكن من تحقيق فعاليتها في أي هجوم ارضي على أهداف معينة وهذا ما تفعله إيران وتعمل عليه في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وبطرق وأساليب متطورة وحققت نتائج في عملية تنويع التطور التقني في أنظمة هذه الطائرات بزيادة فعاليتها وزنة حمولتها وساعات طيرانها ووصولها إلى أهدافها مع تحسين أجهزة الراديو والمعرفة بالبرمجيات ووحدات القياس وأجهزة الحاسوب فيها وهذه الإمكانية منحت النظام الايراني مرونة كبيرة وقدرة على التعامل مع الأهداف الأرضية دون الحاجة للتقنيات الحديثة.
جعلت العقوبات الاقتصادية التي طالت مؤسسات النظام الإيراني أن يفكر في توسيع إنتاج الطائرات المسيرة ولكافة أنواعها ويحتفظ بخزين كبير منها ومن الصواريخ البالستية في عملية تعويض واضح لعدم امكانيته في إسعاف متطلبات تحسين المؤسسة العسكرية الإيرانية واحتياجاتها بسبب ضعف الإيرادات المالية نتيجة العقوبات الاقتصادية الأمريكية ومنع تصدير النفط وعدم قدرة الحكومة الإيرانية على دفع مستحقات المعدات والأسلحة التي يحتاجها الجيش الإيراني، فسعت إلى عملية التعويض بامتلاك هذا المخزون من الطائرات المسيرة وحققت تفوقا عسكرية في منطقة الشرق الأوسط وأصبح لديها القدرة على التعامل مع إخطار قد تستهدف أمنها القومي الوطني وأصبح اهتمامها بهذا الجانب يفوق حرصها على معاودة الحوار حول البرنامج النووي الإيراني.
يشير مركز أبحاث التسليح أثناء الصراعات إلى أن الطائرات المستخدمة في أوكرانيا هي من أصل ايراني وان المكونات التقنية الغربية في الأنظمة الإيرانية والتي تعد أكثر من 500 مكون من بين أكثر من 200 نوع مختلف يحمل العلامات التجارية لأكثر من 70 شركة غير ايرانية وأكثر من 80% منها مسجلة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما جعل الإدارة الأمريكية تبحث في إنشاء بنية إقليمية متكاملة من الدفاعات الجوية الصاروخية وتبادل المعلومات الاستخبارية لتكوين صورة عن حقيقة العمليات في المجال الجوي الإقليمي والسعي لتحقيق نهج جماعي مشترك للدفاع الجوي في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي ولكن هذه الإجراءات أصبحت غير مكتملة الفعالية بعد التطورات والتحالفات السياسية التي شهدتها المنطقة خاصة بعد الإتفاق السعودي الايراني وعودة النظام السوري للجامعة العربية، كما وان القيود التي تمنع وصول المعدات الفنية والتقنية لإيران لا تخضع لمعايير معينة وتشهد رقابة ضعيفة بسبب تنوعها وصعوبة متابعة توزيعها.
أمام هذه المحاولات الأمريكية اتخذت القيادة الإيرانية مفهوم السياسة الرمادية التي تعتمد الوقوف بين السلم والحرب من أجل خدمة أهدافها وإدارة المخاطر دون الدخول في مواجهة عسكرية والابتعاد عن مفهوم الحروب التقليدية وتابعت أساليب الغموض والمراوغة والعمل التدرجي في مواجهة أي عقبة عسكرية وأمنية وابتعدت عن المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل وخلق حالة من الغموض بشأن أهدافها ونواياها .
هذه السياسة والأساليب تعتمد على عناصر رئيسية يمتلكها النظام الإيراني منها وجود المليشيات المسلحة التي تتلقى الدعم من الحرس الثوري الإيراني وتعمل على ساحات واسعة في عواصم عربية، وكذلك امتلاكها للصواريخ البالستية والطائرات المسيرة وهي الميزة الإستراتيجية في تنفيذ السياسة الإيرانية والتي تعمل بفعالية مؤثرة في التصدي لأساليب المواجهة الأمريكية وأخيرا الاستخدام النوعي والتقني للفضاء السيبراني الذي تجيده إيران .
ان التعاون العسكري مع روسيا يندرج ضمن هذه السياسيات الإيرانية التي تسعى إلى تحديث مؤسساتها العسكرية بتزويد موسكو بالطائرات المسيرة لقاء قيام القيادة الروسية بالعمل على تفعيل برنامج تزويد طهران بطائرات(سو 35) المقاتلة الحديثة والغواصات البحرية التي تساهم في تعزيز الدور الأمني لإيران في منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز ونقل التكنلوجيا الروسية الخاصة بالمفاعلات النووية إليها وتعزيز فعالية برنامجها النووي لمواجهة أي حوارات قادمة والعمل على رفع العقوبات الاقتصادية عن النظام .
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية