سوء الإدارة وراء الارتباك المفاجئ في توزيع الخبز بتونس

سوء الإدارة وراء الارتباك المفاجئ في توزيع الخبز بتونس

تونس- لا شيء ينبئ بوجود أزمة خبز في تونس في ظل حرص الحكومة على شراء ما يلزم من الحبوب في الوقت اللازم، وما يبدو من حين إلى آخر على أنه أزمة هو ناجم عن سوء إدارة يمنع من توزيع الكميات المطلوبة على المخابز في الوقت اللازم وبشكل منظم.

يأتي هذا في وقت يتهم فيه الرئيس التونسي قيس سعيّد “لوبيات وأطرافا” (لم يسمّها) بالوقوف وراء أزمة نقص الخبز ومواد غذائية أساسية أخرى من داخل الإدارة، أي أن التعطيل مقصود ويحتاج إلى تدخل حكومي أكثر شدة كي لا تتحول قضية الخبز إلى ورقة للمزايدة.

وشكت بعض المحافظات التونسية منذ أيام من فقدان الخبز الذي يشكل مادة أساسية في وجباتهم اليومية، بسبب النقص الحاد في مادة الدقيق، الأمر الذي أربك عمل العديد من المخابز، واضطر العشرات من التونسيين إلى الانتظار في طوابير طويلة أمام المخابز.

وترى أوساط سياسية تونسية أن المبالغة في الحديث عن فقدان الخبز لا تعبر عن حقيقة الأمر، وأن هناك جهات تريد الاستثمار في تخويف التونسيين في المستقبل انطلاقا من المسائل الحيوية التي تهمّهم، مشيرة إلى أن الحكومة تدخلت في ملفات كثيرة وسوّتها منها ما تعلق بالسكر والقهوة والزيت، وبالتالي فإنها قادرة على تأمين الخبز، وهو الأهم في حياة التونسيين.

وشدد الرئيس التونسي في كلمته بمقر وزارة الزراعة على أن “خبز المواطن والمواد الأساسية يجب أن تتوفر، وهذا دور وزارة الفلاحة (الزراعة)، وديوان الحبوب (حكومي) وكل الإدارات المعنية في الدولة التي يجب أن تتصدى للمحتكرين والعابثين بقوت التّونسيين“.

وأضاف “الهدف من هذه الأزمات المتعاقبة تأجيج المجتمع لغايات سياسية واضحة، وعلى الشعب والمخلصين للوطن الانتباه إلى ذلك”، وفق تعبيره.

وأكد سعيّد على أن “المسؤولين في الإدارات التونسية يجب أن ينضبطوا لمبدأ الحياد ومبدأ المصلحة العامة، لا أن يخدموا جهات أخرى وأحزابا لا تظهر في الصورة، لكنها تقف وراء كل هذا، ونحن نعرفهم بالأسماء ولن نسكت عن تجويع الشعب التونسي“.

وأشار إلى أن “مسارات التوزيع التي من المفترض أن تكون واضحة، لا تسير على النحو الصحيح، والنسبة الأكبر من مختلف السلع المؤثرة في السوق تُدار خارج المسالك الرسمية“.

من جهته، قال وزير الزراعة عبدالمنعم بلعاتي أثناء حديثه للرئيس التونسي خلال اللقاء “إن الجهود تتظافر بين الوزارة وديوان الحبوب، كي لا تتسرب الحبوب إلى مسالك التوزيع غير الرسمية ولا يتفاقم الوضع وتكون الأزمة أكثر حدّة”، وفق تعبيره.

ومنذ عام 2021، تراجع إنتاج الحبوب في تونس لأسباب مناخية، وانتقلت تداعياته بعد شهور قليلة إلى الأسواق المحلية، من حيث عدم توفر كميات مطمئنة من القمح الصلب المستخدم في إنتاج الخبز.

◙ جهات تريد الاستثمار في تخويف التونسيين في المستقبل انطلاقا من المسائل الحيوية التي تهمّهم

ووجدت الحكومة أن الحل يكمن في اللجوء إلى الاستيراد، ولكن حتى هذا الأمر اعترضته عراقيل بسبب الأزمة المالية التي تمر بها البلاد.

ويقول مراقبون إن سوء الإدارة هو العنصر الواضح الذي يقف وراء أزمة الخبز الأخيرة، لكن من دون استبعاد محاولات استثمارها سياسيا وتوظيفها لإرباك الحكومة خاصة من الأحزاب السياسية التي كان لها دور في حكومات ما قبل 25 يوليو 2021.

وقال الناشط السياسي نبيل الرابحي لـ”العرب” إن “أزمة الخبز هي أزم مركبة ولا تخلو من حسابات سياسية، باعتبار أن مسار 25 يوليو تحالف ضده كل من له مصلحة على غرار المعارضة وحركة النهضة، وهو مسار منعهم من كل الامتيازات السابقة“.

وأثار تزامن المؤتمر الصحفي لهيئة الدفاع عن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، الموقوف على ذمة قضايا مختلفة، مع الجدل حول صعوبة توفير الخبز في بعض المحافظات، تساؤلات حول التوقيت، وهل أن النهضة سعت لجلب الاهتمام والإيحاء بوجود أزمة أم أن الأمر مجرد صدفة.

واعتبرت أوساط سياسية تونسية أن حركة النهضة باتت على الهامش ولم يبق لها من فرص للظهور سوى عقد مؤتمرات صحفية تطل بها على الإعلام لتسجيل الحضور، معتبرة أن النهضة سواء سعت لاستثمار التوقيت الذي يرتبط بجدل الخبز أم لا، فإنها باتت على الهامش وأصبح تأثيرها محدودا ومصيرها مرتبطا بالملفات المثارة حولها، في وقت يهتم فيه التونسيون بأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.

وأكدت هذه الأوساط أن الوضع في تونس قد تجاوز مرحلة ما قبل 25 يوليو 2021 ولم تعد النقاشات السياسية والاجتماعية تهتم بالأحزاب خاصة بعد استكمال بناء المؤسسات بانتخابات برلمان جديد والتوجه لحل الأزمات التي خلفتها المرحلة السابقة، ومن بينها الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس.

ولم يخف المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة رياض الشعيبي الثلاثاء قلقه من أن تذهب السلطات في سيناريو لحظر حركة النهضة ومنع أحزاب أخرى من النشاط خاصة تلك التي تنضوي تحت جبهة الخلاص المعارضة، وهو المسار الذي يزعج حركة النهضة وقد يكون دفعها لعقد المؤتمر الصحفي وإعادة تسويق خطاب المظلومية.

وقال المحلل السياسي المنذر ثابت إن “من الطبيعي جدا أن تستثمر النهضة في أيّ ثغرة وتحاول تحشيد الشارع وتأليبه، ولن تتوقف عن ذلك، وهذا أمر متوقع، لكن الشارع الآن غير معني أصلا بالمسألة السياسية وهو منكبّ على مشاغله وهمومه وينتظر إجراءات اقتصادية“.

وأكّد ثابت لـ”العرب” أن “الحركة الآن في صراع حياة أو موت ضد نظام اتخذ كل القرارات من أجل شطب كل ما سبق“.

لكن نبيل الرابحي استبعد أن يكون تزامن المؤتمر الصحفي وموضوع الخبز مقصودا، مشيرا إلى أن المؤتمر كان مبرمجا منذ أيام، وربما من قبيل الصدفة حصل هذا التزامن.

وتابع الرابحي “لا نستغرب أن تكون الإدارة مفخخة الآن، وأزمة الخبز سبقتها أحداث معرض الكتاب وأحداث جربة الإجرامية، وأحداث الشغب والعنف في مباراة الترجي الرياضي وشبيبة القبائل، وصولا إلى إيقاف طلاّب بسبب أغنية الأسبوع الماضي”، مطالبا السلطات بـ”ضرورة توضيح ما يجري“.

العرب