تونس- تتخوف السلطات التونسية من أن تمضي الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا، في إستراتيجية ترحيل المهاجرين غير النظاميين وبينهم الآلاف من التونسيين، في الوقت الذي تعاني فيه تونس من وضع اقتصادي حرج يحتاج إلى دعم من فرنسا وإيطاليا بدل اتخاذ خطوات مربكة مثل التمسك بعمليات الترحيل.
وتأتي هذه التخوفات بعد أن قال القنصل العام لفرنسا في تونس دومينيك ماس إن سلطات الهجرة في بلاده أصدرت عشرة آلاف طلب ترحيل لتونسيين مقيمين بصفة غير شرعية على الأراضي الفرنسية خلال سنة 2022.
ويقول مراقبون إن فرنسا تحتاج إلى أن تتفهم الوضع الذي تعيشه تونس اقتصاديا وماليا في ظل تتالي موجات اللاجئين القادمين من جنوب الصحراء، وإنه بدلا من دفعها إلى استقبال الآلاف من الشبان الذين هاجروا سرا كان الأولى قبل ذلك مساعدتها خلال هذه الفترة على لعب دورها في التصدي للهجرة غير النظامية بين التونسيين وخاصة بالحصول على تمويل لمشاريع تكون قادرة على تشغيل آلاف الشباب من خريجي الجامعات.
◙ فرنسا تمنح وحدها حوالي 70 في المئة من طلبات تأشيرات شنغن التي يتقدم بها التونسيون إلى سفارات دول الاتحاد الأوروبي
ويرى المراقبون أنه لا يمكن الفصل بين مسار ترحيل الآلاف من الشباب الذي تلوح به فرنسا وبين الدور الذي تلعبه تونس في التصدي لموجات الهجرة، سواء من داخل تونس أو من دول جنوب الصحراء، مشيرين إلى أن ترحيل التونسيين سيعني إفشالا لدور الحكومة التونسية في مواجهة الهجرة غير النظامية، وستجد نفسها مجبرة على استيعاب العائدين من أبنائها بدل لعب الدور الذي تريده أوروبا من تونس في حماية غرب المتوسط.
وأكّد ماس خلال حديث لإذاعة موزاييك المحلية أنّ الهاجس الأمني في مسألة الهجرة يبقى قائما في دراسة طلبات التأشيرة الواردة إلى القنصلية العامة لفرنسا بتونس.
وتطالب تونس بمقاربة جديدة في مواجهة موجات الهجرة، ومن ضمنها المهاجرون التونسيون غير النظاميين، تقوم على التشجيع على الهجرة بشكل نظامي وضمن اتفاقيات وتسهيلات. لكن فرنسا لا تتحمس لمثل هذا المسار وتدفع نحو الترحيل بالتوازي مع التشدد في منح التأشيرات.
وأكد الرئيس التونسي قيس سعيد في تصريحات سابقة على أن “السياسات التقليدية لإدارة ظاهرة الهجرة غير النظامية أثبتت محدوديتها”، داعيا إلى مقاربة مشتركة “تمكن من التشجيع على الهجرة النظامية وفق آليات تضمن حقوق المهاجرين”.
وقال الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر “في الواقع لم تنقطع رحلات الترحيل القسري للمهاجرين التونسيين من إيطاليا ودول أخرى في أوروبا -مثل فرنسا- إلى تونس منذ سنوات”.
وحذر بن عمر في تصريحات سابقة، أدلى بها لـ”العرب”، السلطات التونسية من الرضوخ لضغوط قال إن الأوروبيين بصدد القيام بها، في محاولة لاستغلال الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تشهدها تونس حاليا.
ولطالما عبّرت روما وباريس عن استعدادهما لمساعدة تونس في المفاوضات الشاقة التي تستعد لخوضها مع صندوق النقد الدولي، للحصول على تمويل جديد في ذروة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، في مسعى لتشجيعها على لعب دور فعال في التصدي لموجات اللاجئين.
وأعلنت الخارجية الفرنسية الخميس أن الوزيرة كاترين كولونا ستلتقي نظيرها التونسي نبيل عمار الثلاثاء المقبل في باريس، معتبرة اللقاء “فرصة لإظهار” دعم فرنسا لتونس.
وقالت المتحدثة باسم الوزارة آن – كلير ليجاندر خلال مؤتمر صحفي إن كولونا وعمار أجريا محادثات عبر الهاتف لكن “هذا سيكون أول لقاء ثنائي بينهما”.
وأضافت “ستتاح لنا الفرصة لإظهار والتأكيد مجددا على دعمنا لتونس والشعب التونسي”، مشيرة إلى أن الوزيرين “سيتناولان عن كثب كل جوانب التعاون الفرنسي – التونسي”.
وفي مارس الماضي دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني في بروكسل إلى دعم تونس التي تواجه أزمة مالية خطرة من أجل تخفيف ضغط الهجرة.
وأشار ماكرون خلال مؤتمر صحفي إثر قمة أوروبية إلى “أن التوتر السياسي الكبير جدا في تونس والأزمة الاقتصادية والاجتماعية المستعرة في ظل غياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي (عوامل) مقلقة للغاية”، فيما قالت ميلوني “إذا لم نتعامل مع هذه المشاكل بشكل مناسب، فسيتهدّدنا خطر إثارة موجة هجرة غير مسبوقة”.
وبالتوازي مع الدعوة إلى تأجيل مسألة الترحيل إلى ظرف تكون فيه الأوضاع أفضل، يطالب التونسيون الحكومة الفرنسية بتسهيل مسألة التأشيرات أمام الشباب التونسيين، خاصة أصحاب الشهادات العلمية المطلوبة في فرنسا.
وإثر سؤال يتعلّق بمسألة فرض التأشيرات على تنقّل الأشخاص من تونس إلى فرنسا، شدّد القنصل العام لفرنسا بتونس على أنّ هذا الأمر مسألة سيادية كما هو الشأن بالنسبة إلى تونس، مؤكدا “لدينا شرعية لحماية حدودنا”.
ويجد التونسيون صعوبة بالغة في سعيهم لتحصيل موعد على المنصة الرقمية لشركة “تي أل أس”، الوسيط المكلف بتلقي طلبات التأشيرة، ما تسبب في تعطيل سفر فئات واسعة للعلاج أو العمل أو السياحة.
◙ على فرنسا أن تتفهم وضع تونس اقتصاديا وماليا، وترحيل الآلاف سيعني إفشالا لدور تونس في التصدي لموجات اللاجئين
وتمنح فرنسا وحدها حوالي 70 في المئة من طلبات تأشيرات شنغن التي يتقدم بها التونسيون إلى سفارات دول الاتحاد الأوروبي، وفق بيانات القنصلية الفرنسية في تونس.
ولكن مع احتداد أزمة الحصول على مواعيد التأشيرة على المنصة الرقمية المخصصة لذلك منذ عدة أشهر، اتهمت وسائل إعلام محلية الشركة والقنصلية بوضع قيود بطريقة ممنهجة.
وفي سبتمبر 2021 بدأت السلطات الفرنسية تتخذ إجراءات مشددة لمنع دخول الأجانب، ولو من بوابة التأشيرات القانونية، خاصة من دول شمال أفريقيا.
وكانت فرنسا قد قررت تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين والمغاربة بنسبة 50 في المئة والتونسيين بنسبة 30 في المئة، مبررة ذلك برفض سلطات بلدانهم إعادة رعاياها من المهاجرين الذين صدرت بحقهم أحكام بالسجن، بعدما تم الإعلان عن الترحيل من الأراضي الفرنسية.
العرب