القاهرة توحي بعدم قدرتها على دفع مستحقات واردات القمح بالدولار

القاهرة توحي بعدم قدرتها على دفع مستحقات واردات القمح بالدولار

القاهرة- يبدو أن تأخر مصر في الوفاء بدفع مستحقات مشترياتها الكبيرة من القمح لفترات تصل إلى أشهر ينطوي على رسالة إلى المجتمع الدولي وبعض الدول العربية يفيد مضمونها بمدى احتدام أزمة شح العملات الصعبة في البلاد، وربما تترتب على ذلك زيادة جديدة في أسعار الخبز خلال الفترة المقبلة.

وقال مسؤول مصري وتجار الخميس إن مصر تؤخر دفع مستحقات مشترياتها الكبيرة من القمح لفترات تصل إلى أشهر في بعض الأحيان، في وقت تشهد فيه البلاد نقصا في العملة الصعبة.

وتعد مصر من بين أكبر مستوردي القمح في العالم وتوجه مشتريات القمح لتوفير الخبز المدعوم بصورة كبيرة.

وأوضح وزير التموين المصري علي المصيلحي لرويترز أن الهيئة الحكومية المسؤولة عن شراء الحبوب تؤخر فتح خطابات اعتماد لدفع مستحقات واردات القمح لتخفيف الضغوط المالية الناجمة عن نقص العملة الأجنبية.

ويتزامن ذلك مع إعلان الحكومة الخميس عن زيادة دعم السلع التموينية ورغيف الخبز ليصل إلى نحو 4 مليارات دولار في مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية المقبلة مقارنة بمبلغ 2.9 مليار دولار، بسعر الدولار في البنوك حاليًا، في موازنة العام المالي الحالي.

ويمكن أن تجبر أزمة نقص الدولار في مصر على عدم الوفاء بمتطلبات رئيسية غذائية للشعب وعلى رأسها رغيف الخبز، وهذا يكشف عن أن السلطات لم تصل إلى حل حقيقي لأزمة العملة الأجنبية في البلاد على الرغم من تصريح وزير المالية محمد معيط بأن مصر ستجمع نحو ملياري دولار خلال شهر يونيو المقبل من بيع بعض الشركات، لكن لم تُتخذ أي خطوات متقدمة في هذا الملف.

وكشفت مصادر لـ”العرب” أن الإشارة إلى عدم وفاء مصر بدفع مستحقات وارداتها من القمح توحي للشارع المصري بأن البلاد تشهد وضعًا اقتصاديا صعبا والحكومة تبذل جهودًا كبيرة للتغلب على الأزمة، وعلى الشعب أن يتحمل أيضًا هذا الوضع الذي يُحتم رفع الدعم بشكل أكبر عن بعض السلع الأساسية مثل الخبز والقمح.

كما تحمل رسالة إلى الخارج وخاصة البلدان الخليجية التي عليها أن تراعي الظروف الصعبة والضغوط التي تعيشها مصر، وينبغي أن تكون سخية وتساعدها بطريقة تتواءم مع هذه المرحلة سواء بالمنح أو بشراء الأصول بقيمها العادلة دون تعنت اقتصادي في تقييم بعض الأصول.

وحال استمرار المصاعب المصرية أو عدم استقرار الأوضاع في البلاد ستكون لذلك تداعيات إقليمية ودولية ربما لا تتحملها المنطقة، خاصة أن المشكلة تتعلق بسلعة لا يمكن للمصريين الاستغناء عنها وهي الخبز “رغيف العيش”.

وتواجه مصر خطرًا جديدًا خلال الفترة الراهنة، بعد أن هددت روسيا بالانسحاب من اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية عبر موانئ البحر الأسود والتي تم مدها شهرين إضافيين الأسبوع الماضي، حيث وقعتها موسكو العام الماضي بوساطة الأمم المتحدة وتركيا، بحجة عدم الوفاء بمطالبها الخاصة بتسهيل صادرات القمح والأسمدة الروسية بموجب الاتفاقية.

وحصلت مصر -أكبر مستورد للقمح في العالم- من أوكرانيا قبل الحرب على أكثر من 20 في المئة من واردات القمح، مما دفع الحكومة إلى البحث عن موردين جدد بعد أن أغلقت روسيا موانئ البلاد. وفي حال انهيار اتفاقية الحبوب، فإن صدمة العرض الناتجة ستؤدي إلى زيادة أسعار القمح العالمية، ما قد يرفع فاتورة واردات مصر في وقت تواجه فيه البلاد ضغوطا كبيرة تتعلق بالوضع الخارجي.

وقال أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة القاهرة كريم العمدة إن تصريح وزير التموين يلمّح إلى إمكانية استيراد قمح من الخارج مقابل عملات محلية أخرى، وإن الحكومة المصرية تفاوض روسيا والهند للحصول على شحنات القمح من دون اللجوء إلى الضغط على الدولار، وإن ما يساعد على ذلك وجود احتياطي من القمح يكفي لاستهلاك خمسة أشهر.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن القاهرة بدأت منذ الشهر الماضي في استلام القمح من المزارعين المصريين وليس لديها حاليّا أزمة شح أو ندرة الخبز، وتهدف إلى التأكيد على أنها ستؤجل بعض صفقات الاستيراد لعدة أشهر وليس إلغاءها تماما، وتعول على انخفاض أسعاره في الفترة المقبلة بما يدعم إستراتيجية التقشف التي تتبناها الحكومة في الكثير من تصوراتها الاقتصادية.

العرب