مجلس التعاون الخليجي.. 34 عاماً من التحديات والإنجازات

مجلس التعاون الخليجي.. 34 عاماً من التحديات والإنجازات

download

مع انطلاق الدورة الـ “36” للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، اليوم الأربعاء، تزداد التحديات الخليجية للزمن في سبيل تحقيق إنجازات أخرى، لكن التحدي الأهم هذا يأتي أمنياً؛ نظراً لما تمر به المنطقة من ظروف صعبة، تتمترس خلالها الكثير من دول المنطقة والعالم، بالإضافة إلى الحركات والمليشيات المسلحة.

دول مجلس التعاون الخليجي التي استطاعت تحقيق العديد من الإنجازات خلال مسيرة المجلس في العقود الثلاثة الماضية رغم التحديات التي تعصف بالمنطقة والعالم، تعيش وسط منطقة وصفها وزير خارجية السعودية عادل الجبير بأنها “شهدت وما تزال العديد من التحديات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، إضافة إلى تنامي ظاهرة الإرهاب التي تعصف بالمنطقة والعالم”.

كما ذكر أن “مجلس التعاون تمكن في ظل هذه التحديات من المحافظة على مستويات التنمية لدوله وشعوبه وتعزيز أطر التعاون المشترك فيما بين الدول الأعضاء في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية كافة وغيرها من المجالات”.

وأوضح أن اجتماع الأربعاء “يهدف إلى تحقيق التكامل الاقتصادي وتعزيز التعاون المشترك وتوحيد الرؤى والمواقف حيال القضايا السياسية، وذلك لغرض تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار لدول المجلس وشعوبه والمساهمة في تحقيق أمن المنطقة والعالم”.

اجتماع اليوم يعيد الذاكرة إلى 34 عاماً مرت على الإعلان عن إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي تمَّ خلال اجتماع قادة دول الخليج الست (السعودية، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، قطر، البحرين، عُمان) في العاصمة الإماراتية أبوظبي خلال يومي (25-26) مايو/ أيار 1981.

حيث أُطلق على ذاك الاجتماع “قمة التأسيس”؛ حيث تم خلاله التوقيع على النظام الأساسي للمجلس، والذي هدف إلى تحقيق التعاون بين دول الخليج الست وتنمية علاقاتها، وتحقيق التنسيق والتكامل والترابط والصلات القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات.

– دوافع التأسيس

سيطرت على تأسيس مجلس التعاون عدة دوافع وأسباب، أهمها التحديات التي تواجهها المنطقة العربية منذ فترة السبعينات، فضلاً عن توفر بيئة مناسبة ومشابهة للدول الست، كانت تحفزها على التكامل التعاون والتنسيق فيما بينها بالمجالات المختلفة.

وفقاً لتحليلات نشرها د. عبد الله بن عبد الله العبيد، وزير التربية والتعليم السعودي الأسبق في 2007، فإنه “وقفت بعض الاعتبارات المحلية والإقليمية والدولية وراء إنشاء مجلس التعاون، ومن أهم هذه الاعتبارات: “الثورة الإسلامية” وتطور الأوضاع الداخلية الإيرانية، الحرب العراقية-الإيرانية، تماثل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بين دول المجلس، فكرة الأمن الجماعي الإقليمي، دخول منطقة الخليج في إطار الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي”.

ويضيف: “ومن هذه الاعتبارات أيضاً التغيرات التي حدثت على الصعيد الدولي، وخاصة في مجال العلاقات الاقتصادية العالمية، التي نتجت عن انتقال السيادة النفطية من شركات ودول الاستهلاك الكبرى إلى المنتجين أنفسهم؛ وانقسام العالم العربي بشدة إزاء خطوات السلام المصري-الإسرائيلي؛ والصراع في أفغانستان والآثار السلبية الناتجة عن الاحتلال السوفييتي التي يمكن أن تنعكس على منطقة الخليج”.

يرى الباحث أنه “قد فُرض على مجلس التعاون الخليجي أن يضع قضية الأمن والدفاع في مقدمة أولوياته، مع أن البيان الأول للمجلس الأعلى لمجلس التعاون، الذي صدر في أبوظبي في مايو/ أيار 1981، لم يتحدث عن الأمن بصورة مباشرة”.

من أهم الخلاصات التي خلصت إليها ورقة العبيد أنَّ هاجس الأمن لم يمنع دول مجلس التعاون الخليجي من التركيز على الجوانب المختلفة للتعاون فيما بينها، اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، سعياً إلى تحقيق هدف أساسي وهو قيام الوحدة فيما بينها.

كما أنه وعلى الرغم من تأكيد دول المجلس أن أمن الخليج يضمنه أبناؤه، فقد ميزت هذه الدول بين أمن دول الخليج العربية والأمن الإيراني، ما نتج عنه وقوفها إلى جانب العراق في حربه ضد إيران خلال عقد ثمانينات القرن الماضي، كما أكدت دول المجلس أن الأمن الخليجي هو جزء من الأمن القومي العربي، وليس منفصلاً عنه، كما حاولت إيران أن تروج لذلك.

ومع ذلك، لم تُشِر ديباجة النظام الأساسي لمجلس التعاون، الذي وقَّعه قادة الدول الست في 25 مايو/ أيار 1981 إلى البُعد الأمني، وإنما أشارت إلى عوامل قيام المجلس بالقول: “إدراكاً منها لما يربط بينها من علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، وإيماناً بالمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها، ورغبة في تحقيق التنسيق والتكامل فيما بينها بما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية، واستكمالاً لما بدأته من جهود في مختلف المجالات الحيوية التي تهم شعوبها وتحقق طموحاتها نحو مستقبل أفضل وصولاً إلى وحدة هدفها، وتمشياً مع ميثاق جامعة الدول العربية الداعي إلى تحقيق تقارب أوثق وروابط أقوى، وتوجيهاً لجهودها إلى ما فيه دعم وخدمة القضايا العربية والإسلامية، وافقت فيما بينها على إنشاء هذا المجلس”، وفي هذا الإطار حدد النظام الأساسي أهداف مجلس التعاون الأساسية فيما يأتي:

– تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها.

– تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات.

– وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين، بما في ذلك الشؤون الاقتصادية والمالية، والشؤون التجارية والجمارك والمواصلات، والشؤون التعليمية والثقافية، والشؤون الاجتماعية والصحية، والشؤون الإعلامية والسياحية، والشؤون التشريعية والإدارية.

– دفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية، وإنشاء مراكز بحوث علمية، وإقامة مشاريع مشتركة، وتشجيع تعاون القطاع الخاص.

العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبد العزيز، أشار إلى أن “إقامة مجلس التعاون لدول الخليج العربية يمثل الاستجابة العملية لمطلب وضرورة إقليمية أمْلتها متطلبات العصر، فضلاً عن توفر عنصر التجانس ومقومات التقارب بين دوله الست”.

وهو ما ذهبت إليه أيضاً الدكتورة “بهية الجشي”، النائب الثاني لرئيس مجلس الشورى البحريني؛ من أن “تشكيل مجلس التعاون لدول الخليج العربي كان أمراً حتميّاً، نظراً لامتلاك المنطقة الكثير من المقوِّمات المشتركة، والروابط الدينية والثقافية، إلى جانب تشابهها في الخصائص السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وصلات القربى التي تجمع العائلات الخليجية تبعاً للروابط بسبب التصاهر والتزاوج والنظام القبلي”.

في حين رأى السفير “عبد الله بشارة”، الأمين العام الأول لمجلس التعاون، أن “فكرة تأسيس المجلس جاءت من استياء تولَّد لدى قادة الخليج من الأساليب غير المعتادة وغير الأخلاقية، التي اتبعتها بعض العواصم لتأمين الموافقة الخليجية على البرنامج الذي وضعته بغداد ضد مصر، إضافة إلى نجاح الثورة الإيرانية، وما رافقها من صخب ثوري شعاراتي، موجَّه ضد دول الخليج، وانفجار الحرب العراقية-الإيرانية في سبتمبر/ أيلول 1980، والوضع المتوتر بين سلطنة عُمان واليمن الجنوبي، والتبدلات التي شهدتها الساحة الدولية، على إثر غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان، والتهديد الذي رافقه لاستقرار باكستان”، وفق ما نقل مركز الجزيرة للدراسات.

– انضمام دول جديدة

اليوم تطرح تساؤلات عديدة في الشارعين الأردني واليمني حول ضمهما لمجلس التعاون الخليجي، ازدادت حدتها بعد التصريحات المتتابعة التي أطلقتها بعض النخب الخليجية في الآونة الأخيرة، لإعادة دراسة ملف ضم الأردن لمجلس التعاون الخليجي، لحاجة دول الخليج إلى الشراكة الاستراتيجية مع عمان في الملفات العسكرية والأمنية، مقابل مساعدة الأردن اقتصادياً كي يخرج من أزمته الراهنة، لا سيما فيما يخص موضوع اللاجئين السوريين على أراضيه، إذ تشير معظم الدراسات إلى أن نسبتهم ستصبح بحلول شهر يونيو/ حزيران من العام المقبل 45% من نسبة السكان.

وفيما يخص اليمن، فقد دفعت تحركات الحوثيين وإخلالهم بالأمن وتجاوزهم على الشرعية الدستورية، للحديث مجدداً حول إمكانية ضم اليمن لدول المجلس، وصرح بذلك رسمياً المتحدث الرسمي باسم الحكومة راجح بادي، الذي تطلع من خلال خطة يمنية للانضمام لمجلس التعاون الخليجي، كما طالب وزير التخطيط والتعاون الدولي اليمني محمد الميتمي دول الخليج، بالضم الكامل والفوري لبلاده إلى مجلس التعاون الخليجي؛ وقال في تصريحات لوسائل إعلام عربية في وقت سابق: إن “هذه الخطوة ستشكل ركيزة انتشال اليمن من وضعه الكارثي”.

– النتائج

أبرز النتائج التي حققتها دول الخليج، بدأت تبرز ميدانياً في كل من اليمن وسوريا، إذ اتخذت السعودية برفقة دول مجلس التعاون، قراراً جريئاً بشن عملية ضد مليشيا الحوثيين في اليمن أسمتها “عاصفة الحزم”، وأتبعتها بعملية أخرى أطلقت عليها “إعادة الأمل”، وتتضمن شقاً سياسياً لإعادة الشرعية اليمنية إلى مفاصل الدولة المتهالكة.

أما في سوريا، فلا بد من التطرق إلى آخر ما اعترف به زعيم مليشيا حزب الله، حسن نصر الله، في وقت سابق، بقوله: إنه “انتهى الخلاف السعودي القطري التركي، والكل الآن في المعركة ضدنا”، معلناً ما أسماه “التعبئة العامة”.

ويرى مراقبون أن دول الخليج إلى جانب تركيا، تقوم بدور مهم غير معلن في سوريا بالفترة الأخيرة، وأطلق البعض عليها “عاصفة حزم في سوريا”، وظهرت نتائجها بعد بدء الضربات ضد الحوثيين في اليمن، وتزامن معها تقدم لفصائل المعارضة السورية في مواقع محورية مهمة، ومنها معارك القلمون وجسر الشغور.

وفي خضم ذلك، تواصل دول الخليج التعاون مع التحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة” الذي يسيطر على مساحات واسعة من سوريا والعراق، وأعلنت مراراً أنها قامت بعمليات قصف ضد مواقع التنظيم للحد من وجوده.

ومع هذه النتائج، بدأ يبرز الجانب الأمني من تشكيل مجلس التعاون الخليجي، الذي لم يكن واضحاً بداية تشكيله قبل 34 عاماً، فيرى مراقبون أن هذا التشكيل كان يجهز لهذه اللحظات الحاسمة من مرحلة الضعف والتدهور في المنطقة العربية، وأهمها التمدد الإيراني في المنطقة.

خالد عمر

موقع أونلاين