تتزايد قناعة المحللين بأن بلدان الخليج العربي أمام فرص واعدة لحيازة حصة كبيرة من الهيدروجين في السوق العالمية خلال سنوات، بالنظر إلى تركيزها على الاستثمار في هذا المورد النظيف وتحقيق أعلى المكاسب الممكنة بفضل المقومات التي تتمتع بها.
دبي – تضع دول الخليج العربي حاليًا نصب عينيها الهيدروجين الأخضر في إطار رغبتها المعلنة في جعل اقتصاداتها صديقة للبيئة بعد أن حقّقت أرباحًا هائلة من الوقود الأحفوري على مدى عقود.
وينظر إلى دول المنطقة على أنها مركز جيد لإنتاج الطاقة الخضراء بسبب انخفاض تكاليف توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية فيها، مما يضمن مستقبل أمن الطاقة في المنطقة وموقعها في القطاع كأحد المصادر الرئيسية للمشترين من حول العالم.
وتستثمر السعودية والإمارات وسلطنة عمان كثيرا في هذا الوقود، في الوقت الذي تبحث فيه عن مصادر عائدات بديلة عن النفط والغاز.
وتعمل حكومات المنطقة على إطلاق العديد من المزارع الشمسية في الأعوام القادمة مع ارتفاع معدل الإشعاع الشمسي في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ومن المتوقع أن يمثل هذا المصدر نحو 15 في المئة من مزيج الطاقة في دول الخليج بحلول نهاية هذا العقد.
ويتطلع الشرق الأوسط إلى التغلب على منافسيه الرئيسيين، وهما السوقين الأوروبية والآسيوية، بالسيطرة على سوق الهيدروجين الأخضر.
ويقول الخبير كريم الجندي من معهد تشاتام هاوس للدراسات، الذي يتخذ من لندن مقرًا له، إن “دول الخليج تطمح إلى ريادة سوق الهيدروجين العالمية”.
ويضيف لوكالة فرانس برس “تنظر هذه البلدان إلى الهيدروجين الأخضر على أنه أساسي لأنه يسمح لها بالبقاء كقوى كبرى في مجال الطاقة، والاحتفاظ بنفوذها مع تراجع الطلب على الوقود الأحفوري”.
وعلى عكس الهيدروجين الذي يتمّ إنتاجه من الوقود الأحفوري الملوّث ولا يزال مستخدمًا على نطاق واسع، يتمّ إنتاج الهيدروجين الأخضر من المياه باستخدام الطاقات المتجددة على غرار الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية.
إلا أنّ هذا الوقود النظيف الذي يمثّل حاليًا أقلّ من واحد في المئة من مجمل إنتاج الهيدروجين، ليس قابلا للحياة بعد تجاريًا ويحتاج إلى زيادة هائلة في مصادر الطاقة المتجددة، وهي عملية قد تستغرق سنوات.
وفي حين أن الوقود الأحفوري ينتج غازات الدفيئة، لا ينبعث من الهيدروجين الأخضر سوى بخار المياه. ويتمّ الترويج لاستخدامه في القطاعات الأكثر تلويثًا مثل النقل والشحن وصناعة الصلب.
وبفضل رأس مالها الاستثماري الهائل تقوم السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم، ببناء أكبر محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم في مدينة نيوم المستقبلية الضخمة شمال غرب البلاد التي ستبلغ كلفتها 500 مليار دولار.
وستضمّ المحطة التي بلغت كلفتها 8.4 مليار دولار طاقة الرياح والطاقة الشمسية لإنتاج ما يصل إلى 600 طن من الهيدروجين الأخضر في اليوم بحلول أواخر عام 2026، بحسب السلطات.
وفي يوليو الماضي أقرّت الإمارات إستراتيجية للهيدروجين تهدف إلى إنتاج 1.4 مليون طن من الهيدروجين سنويا بحلول عام 2031، ما سيجعلها واحدة من أكبر الدول العشر المنتجة لهذا الوقود البيئي.
وترى حنان بالعلا، نائب رئيس شركة أدنوك الإماراتية النفطية العملاقة، أن “الهيدروجين سيكون وقودًا أساسيًا للانتقال إلى الطاقة” النظيفة، واصفةً إيّاه بأنه “امتداد طبيعي” للشركة.
وتقول بالعلا، المسؤولة عن الطاقات الجديدة وتقنية التقاط الكربون وتخزينه واستخدامه في أدنوك، لفرانس برس إن “الإمارات في وضع جيّد للاستفادة منه”.
غير أنّ سلطنة عُمان، التي تحلّ في مرتبة متأخرة لجهة إنتاج الوقود الأحفوري مقارنة بجيرانها، تبدو مستعدةً لقيادة سباق الهيدروجين النظيف في الخليج.
ومن المتوقع أن تصبح مسقط بحلول نهاية العقد الحالي سادس أكبر مصدّر للهيدروجين الأخضر في العالم والأوّل في الشرق الأوسط، بحسب ما جاء في تقرير لوكالة الطاقة الدولية نُشر في يونيو الماضي.
وتطمح السلطنة إلى إنتاج ما لا يقلّ عن مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا بحلول عام 2030، وما يصل إلى 8.5 مليون طن بحلول 2050، “ما سيكون أكبر من مجمل الطلب الحالي على الهيدروجين في أوروبا”، وفق الوكالة.
وبحسب شركة ديلويت للتدقيق المالي العملاقة فإن دول الشرق الأوسط، وفي المقام الأول دول الخليج، ستقود تجارة الهيدروجين عالميًا على المدى القصير، عبر تصدير نصف إنتاجها المحلّي بحلول 2030.
وتشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن دول الخليج تعتزم تصدير مليون طن من الهيدروجين منخفض الانبعاثات بعد سبع سنوات من الآن.
ويُتوقع أن تصبح دول شمال أفريقيا وأستراليا الأكثر قدرةً على الإنتاج بحلول عام 2050، رغم أن دول الخليج العربي ستبقى “رائدة في التصدير”، بحسب ما جاء في تقرير للشركة صدر في يونيو الماضي.
ولم يحل الاستثمار في الهيدروجين الأخضر دون توسيع مشاريع النفط والغاز، إذ لدى كل من الإمارات والسعودية خطط لتطوير صناعاتهما الهيدروكربونية.
ويتوقع خبراء أن تحتاج دول الخليج الى سنوات لتتمكن من إنتاج الهيدروجين الأخضر بكلفة منافسة للوقود الأحفوري.
وفي حين أن كلفة الطاقة المتجددة انخفضت بفضل التقدّم التكنولوجي، إلا أنه لا يمكن بعد إنتاج الهيدروجين الأخضر بشكل مربح.
وتقول الباحثة المشاركة في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية عائشة السريحي إن “دول الخليج ستركّز على زيادة مبيعات الهيدروكربونات إلى أقصى حدّ ولأطول فترة ممكنة”.
وتضيف “سيستغرق الأمر سنوات من التجارب والأخطاء حتى يصبح الهيدروجين الأخضر سلعة يتمّ تداولها تجارياً”، مشيرةً إلى أنّه “يمكن أن يكون الوقود الجديد للمستقبل” ما إن تنضج التكنولوجيا وتنخفض التكاليف.
ولا يزال الطلب على الهيدروجين أيضًا غير واضح، لكن دول الخليج تزوّد منذ زمن دولا آسيوية تعتمد على الاستيراد لتأمين حاجتها إلى الطاقة مثل اليابان وكوريا الجنوبية اللتين تخططان لاستخدام الهيدروجين الأخضر في إستراتيجياتهما لإزالة الكربون.
ويحذّر وزير التغير المناخي والبيئة الإماراتي عبدالله النعيمي من أنّ “البنية التحتية الحالية لنقل الهيدروجين ليست كافية وستتطلب استثمارات ضخمة لتعديلها”.
ويقول لفرانس برس “الوقت اللازم لرفع التحديات التي يواجهها الهيدروجين (الأخضر) طويل جدًا”.
العرب