استبعاد شمخاني… استقالة ام تصفية سياسية ؟

استبعاد شمخاني… استقالة ام تصفية سياسية ؟

تشتد الخلافات في هيكلية النظام الإيراني وتتوسع دائرة الصراعات للسيطرة على مقاليد الحكم والتهئ لمرحلة سياسية قادمة بعد وفاة المرشد الأعلى علي خامنئي والتي تتسم بفرض هيمنة ونفوذ الجيل الثاني من اتباع النظام الذي حكم إيران منذ أربعة عقود من الزمن والذي تهمين عليه الآن القيادات العسكرية والأمنية في الحرس الثوري الإيراني والتي تمكنت من النفوذ السياسي والسيطرة على المنظومة الاقتصادية والتحكم بثروات البلاد واختيار القيادات القريبة منها وجعلها في مقدمة أصحاب القرار والنفوذ لتكون لديها الهيمنة الواسعة والسطوة الكبيرة للحفاظ على مكتسباتها ومكانتها وأدواتها الفاعلة .
من هنا تأتي استقالة الادميرال علي شمخاني امين عام المجلس الأعلى للامن القومي الايراني على خلفية الأحداث والوقائع التي أدت إلى إعدام(علي رضا أكبري ) في شهر كانون الثاني 2023 بتهمة التجسس لصالح وكالة الاستخبارات البريطانية والذي كان من الشخصيات الأمنية التي كان لها حضورها الفعال في الحرس الثوري وعمل نائبا لشمخاني عندما كان وزيرا للدفاع إضافة لحمله الجنسية البريطانية وبهذا استخدم من قبل البريطانيين لمدة عشر سنوات في الحصول على معلومات تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني والمواقع المهمة في منشأتي بوردو ونطنز مقابل مبالغ مالية قدرت ب (2) مليون دولار وحسب المعلومات التي سربتها صحيفة نيويورك تايمز في الرابع من أيار 2023 .
جاءت هذه الحادثة لتشكل منطلقا رئيسيا لإبعاد علي شمخاني عن موقعه الأمني والسياسي المهم وبعد نجاحه الذي حظي بمباركة خامنئي بتوقيع الاتفاق مع المملكة العربية السعودية وإعادة العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة والانفتاح على باقي دول الخليج العربي وحل الأزمات السياسية التي رافقت المشهد السياسي العراقي والتي ابعد عنها وزير الخارجية حسين امير عبد اللهيان مما أثار حفيظة التيار المحافظ في النظام الإيراني ورأوا في قضية التجسس فرصة كبيرة لإقناع خامنئي بعدم إمكانية بقاء شمخاني في موقعه وتحمله مسؤولية عدم متابعة تحركات وخفايا علاقة علي رضا مع بريطانيا كونه يعمل ضمن دائرة الأمن القومي الايراني، ومعروف أن شمخاني المولود في مدينة الاهواز عام 1955 ومن أصول عربية انه ساهم في تأسيس الحرس الثوري في محافظة خوزستان وأصبح وزيرا للمؤسسة العسكرية في حكومة مير حسين موسوي عام (1988_1989) ثم عين وزيرا للدفاع في فترة حكم الرئيس محمد خاتمي (1995_2000) وعضوا في المجلس الاستراتيجي للقوات المسلحه الإيرانية ثم امينا للمجلس الأعلى للأمن القومي منذ عام 2013 .
هذه المواقع المهمة حصيلة ثقة المرشد الأعلى علي خامنئي به معتبرا إياه من أهم القيادات السياسية القريبة اليه وانه يمثل آخر رجالات الجيل الأول وهذه الصفة جعلته محل أنظار العديد من قيادات الحرس الثوري والتي يختلف معها في إدارة مؤسسات الحكم في إيران ولديه آراء تبتعد عن طبيعة دور الهيمنة الذي تسعى إليه هذه القيادات للاستحواذ التام على البلاد وطبيعة المواقف التي توافقت مع المصالح التي يسعى إليها الرئيس ابراهيم رئيسي وقائد الحرس الثوري وبعض القيادات في التيار المحافظ والتي لم يتفق معها على صعيد السياسات الخارجية والداخلية وهناك امتعاض من دوره في إعادة العلاقات العربية الإيرانية، ولهذا سعوا جميعا لإبعاده إضافة إلى انتقاده الأسلوب التي واجهت بها حكومة رئيسي الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في منتصف شهر أيلول عام 2022 بعد مقتل الشابة الكردية (اميني ) وطالب بإجراءات فعالة لإزالة الأزمات الداخلية دون اللجوء ال أساليب الترهيب في مواجهة المنتفضين، كما وان لديه آراء سياسية بالتوجه الفعال للصين أكثر من روسيا وهذا يخالف رأي قيادات الحرس الثوري.
مجموعة هذه العوامل تؤكد حقيقة الصراعات السياسية التي يعيشها النظام الإيراني والدور الكبير للحرس الثوري في سياسة الدولة وأبعادها لشخصية نافذة من الذين ساهموا في تأسيس هيكلية النظام السياسية والعسكرية والأمنية ولكنها بدأت ترى فيه انه لا يتوافق وتوجهات الجيل الثاني الذي يسعى في نقل مهام الحرس الثوري من الدفاع وحماية النظام إلى الشراكة والسيطرة على مفاصل الدولة وخاصة في المجالات الاقتصادية وهذا ما سبق وأن حصل مع قيادات من الجيل الأول مثل (محسن رضائي) قائد الحرس الثوري السابق و(يحيى رحيم صفوي) الذي أصبح مستشارا في مكتب خامنئي.
ان أهمية المجلس الأعلى للامن القومي الايراني انه يحدد سياسة الدفاع والأمن القومي للبلاد وينسق الأنشطة السياسية والاستخبارية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية المتعلق بالسياسات العامة للدفاع والأمن القومي واستغلال الموارد المادية والفكرية للبلاد لمواجهة التهديدات الخارجية والداخلية ،ولهذه المهام وقع الاختيار من قبل القيادات الأمنية القريبة من المرشد الأعلى والعاملة في الحرس الثوري بتاريخ 23 أيار 2023 على (علي أكبر احمديان) مواليد 1961 من مدينة كرمان حاصل على الدكتوراه في الإدارة الإستراتيجية من جامعة الدفاع الوطني ومن الجيل الثاني بديلا عن علي شمخاني، وسبق لأحمديان وأن شغل منصب رئاسة أركان القوة البحرية في الحرس الثوري (1997_2000) ثم عمل في رئاسة هيئة الأركان المشتركة(2000_2006) وشغل منصب رئاسة المركز الاستراتيجي عام 2006 وعضو مجمع تشخيص النظام ، وتم اختياره ضمن خطة المرشد علي خامنئي لتحقيق الخطوة الثانية لاستمرار وبقاء سياسة النظام وتحقيق الأبعاد السياسية والتوجهات الأمنية لقيادات عسكرية وسياسية مؤثرة في هيكلية النظام الإيراني لإبعاد جميع القوى السياسية الإصلاحية والمعتدلة والتي تختلف معها في الآراء حول قيادة الدولة في هذه المرحلة وهو ما يحقق تفوق سياسي فرضته هذه إلارادات وابعدت شمخاني وتأثيراته على القرار السياسي وأرائه في الانفتاح على الصين والغرب وفتح مسارات للعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وتعزيز دور إيران الإقليمي وتوسيع دائرة علاقتها مع الاقطار العربية واعتماد سياسة تصفير الخلافات وهذا ما يتعارض مع سياسة التيار المحافظ الذي لا يزال يعتمد سياسة الرؤوس الحامية والدعوة إلى استنفار الإمكانيات الإيرانية وعدم الخضوع لأي إملاءات دولية وإقليمية.

وحدة الدراسات الايرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة