يسعى النظام السوري لإظهار تجاوبه مع المطالب العربية والدولية بالعمل على مكافحة الاتجار بالمخدرات على الأراضي السورية، إنتاجاً وتهريباً، وشنّت قواته الأمنية مداهمات في العديد من المناطق واعتقلت أشخاصاً قالت إنهم متورّطون في تجارة المخدرات، فيما شكك مراقبون في جدية هذه التحركات، متهمين النظام بأنه الراعي الأول لإنتاج وتجارة المخدرات داخل سورية وخارجها.
فبعد مقتل تاجر المخدرات مرعي رويشد الرمثان وكل أفراد عائلته في 8 مايو/ أيار الحالي، خلال غارة جوية يُعتقد أنها أردنية، والذي كان يتحصّن بين أفراد عشيرته في قرية الشعاب بريف السويداء، ثارت تساؤلات عن مصير تجّار المخدرات الآخرين المرتبطين بأجهزة النظام الأمنية و”حزب الله” اللبناني في الجنوب السوري، وسط تواري العديد منهم عن الأنظار وهروب آخرين خارج المنطقة. وتزامن ذلك مع إعلان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في 8 مايو أيضاً أن بلاده اتفقت مع النظام السوري على تشكيل “فريق أمني سياسي” لمواجهة تهريب المخدرات عبر الحدود.
وفي 16 مايو الحالي وصلت رسائل نصية إلى هواتف عدد من المتهمين بتجارة وتهريب المخدرات في محافظتي درعا والسويداء تدعوهم إلى تسليم أنفسهم لحرس الحدود الأردني، وتحذرهم من مصير مشابه لمصير مرعي الرمثان.
وبيّنت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” أنه بعد مقتل الرمثان غادر بعض تجار المخدرات قريتي الشعاب وخربة عواد باتجاه مدينة السويداء أو نحو البادية السورية، بينما اتجه شريكا الرمثان فارس صيموعة، من قرية عرمان، وناصر السعدي، من بلدة صلخد، إلى جهة مجهولة، مرجّحة أن تكون دمشق أو لبنان.
أكدت مصادر محلية مغادرة بعض تجار المخدرات قريتي الشعاب وخربة عواد
غير أن مصدراً مطلعاً من محافظة السويداء، فضّل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، أكد لـ”العربي الجديد” أن قرية خربة عواد لا تُعدّ مركزاً لتهريب المخدرات، وهي عبارة عن ممرّ يسلكه ويبقى فيه بعض المهربين لفترة محدودة في طريقهم إلى الحدود مقابل عمولات مادية، مستبعداً مغادرة كل من صيموعة والسعدي مناطقهما، ويظن أنهما متواريان عن الأنظار فقط.
ولفت المصدر إلى أن حركة بيع المخدرات داخل السويداء لم تتوقف، لكنها شهدت تجميداً باتجاه الحدود مع الأردن، وسط تواري كبار المهربين عن الأنظار في هذه المرحلة. واستبعد المصدر حصول قصف بالطيران داخل محافظة السويداء، متوقعاً أنه في حال حصول تصفيات لتجار المخدرات فسيكون من خلال عمليات اغتيال أو عمليات يتولّاها الأمن العسكري السوري نفسه، والذي يعتبر المشرف على حركة المهربين ويمنحهم بطاقات أمنية من أجل تسهيل مرورهم عبر الحواجز.
من جهته، قال الناشط معروف سليمان من ريف محافظة السويداء، لـ”العربي الجديد”، إن النظام السوري بعد مقتل الرمثان أرسل تعزيزات إلى المخافر الحدودية مع الأردن بغية إعطاء انطباع بأنه متعاون في موضوع مكافحة تهريب المخدرات. وأشار سليمان إلى أن بعض تلك المخافر تتعاون مع مهربي المخدرات مقابل عمولات نقدية، في وقت تفتقر جميعها إلى الإمكانات المطلوبة لضبط الحدود، وخاصة المناظير الليلية.
مع العلم أن المداهمات التي نفذها الأمن العسكري تمت بتوجيهات من قائد مجموعة متهم بتجارة وتهريب المخدرات، هو عماد أبو زريق، وهو من الأسماء الواردة على لوائح العقوبات الأميركية والأوروبية التي صدرت أخيراً حول مكافحة تجارة المخدرات في سورية.
محمد الجرار: القضاء على تجارة المخدرات يستوجب قراراً حاسماً من النظام
وقال المتحدث باسم “تجمع أحرار حوران” أيمن أبو محمود، لـ”العربي الجديد”، إن آلية نقل المخدرات في الجنوب السوري تتم عبر شبكات تنقل الشحنات إلى مراكز تخزين مؤقتة قرب الحدود مع الأردن، إضافة إلى مراكز تخزين بعيدة نسبياً عن الحدود مثل مجمع الغزالي السياحي الواقع في بلدة قرفا على الطريق الدولي دمشق – عمّان. ولفت إلى أنه في هذه المنطقة يوجد أحد أهم مكابس حبوب الكبتاغون، والذي تسيطر عليه المخابرات الجوية منذ أواخر العام الماضي، قبل أن تنضم إليها قوات تابعة لـ”الفرقة الرابعة” و”حزب الله”. وأشار إلى وجود عشرات المكابس الأخرى اليدوية في محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، لكن إنتاجها لا يكفي لتفسير الكميات الضخمة التي يعلن الأردن عن ضبطها، ما يدل على أن بعض الشحنات تأتي جاهزة من خارج مناطق الجنوب السوري.
حمص وشرقي سورية سوق لتجارة المخدرات
ولا تقتصر حملات النظام بشأن المخدرات على الجنوب السوري، بل شملت مناطق أخرى في البلاد تنشط فيها تجارة المخدرات. وذكر ناشطون قبل أيام قليلة أن قوات النظام دفعت بتعزيزات عسكرية إلى محيط مدينة تلبيسة شمالي محافظة حمص، ودعمت بعض الحواجز العسكرية في محيط المنطقة. وذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، الأربعاء الماضي، أن قوات النظام أقامت حاجزاً جديداً على مفرق بيت الري شرقي مدينة تلبيسة، كما حصّنت حاجز مفرق قرية الزعفرانة شمال المدينة، وذلك بعد اجتماع اللجنة الأمنية الممثلة للنظام السوري في المحافظة مع وجهاء المنطقة، لبحث وقف حالة الفلتان الأمني وتجارة المخدرات بمدينة تلبيسة على وجه الخصوص، وريف حمص الشمالي بشكل عام.
وذكر الناشط محمد الشمالي لـ”العربي الجديد” أن منطقة ريف حمص الشمالي، وخاصة تلبيسة، تحولت إلى سوق نشطة لتجارة المخدرات والسلاح، بفضل مجموعات مسلحة كانت خلال الصراع المسلح مع المعارضة على صلة مع أجهزة الأمن و”حزب الله”، ثم حوّلت نشاطها بعد توقف العمليات العسكرية إلى تجارة المخدرات والخطف والسرقة، مستفيدة من التسهيلات التي تتلقاها من الأجهزة الأمنية.
كذلك شهدت محافظة دير الزور شرقي البلاد اعتقالات لبعض المتورطين في تجارة المخدرات. ووفق شبكات محلية، اعتقل قسم مكافحة المخدرات التابع للنظام بعض مروّجي وتجار المخدرات العاملين في صفوف المليشيات الموالية للنظام السوري، بينهم عنصران من مليشيا القاطرجي في مدينة الميادين، وآخرون من الدفاع الوطني، مشيرة إلى أن عناصر المليشيات الموالية للنظام تروج المخدرات التي تحصل عليها من المليشيات الإيرانية في المنطقة.
النظام السوري غير جاد بمكافحة المخدرات
من جهته، اعتبر الصحافي محمد الجرار، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن القضاء على تجارة المخدرات، إنتاجاً وتهريباً، لا يمكن أن يتم إلا بقرار واضح وحاسم من جانب أعلى المستويات في النظام السوري. ولفت إلى أن تورط أجهزة رسمية في هذه التجارة والتساهل الرسمي معها فسحا المجال لانخراط أشخاص ومجموعات أخرى محلية، يعملون لحسابهم الخاص، ويكتفون بالتنسيق مع أحد الأجهزة الأمنية والتفاهم معها على دفع العمولات التي قد تذهب أحياناً إلى جيوب ضباط الأمن بدل خزينة النظام. واستبعد الجرار توصل النظام في دمشق إلى مثل هذه القناعة في الوقت الحاضر، بالنظر إلى المداخيل العالية التي تدرها هذه التجارة في ظل شح الموارد الأخرى، لافتاً إلى أن قراراً بهذا الشأن ليس كله بيد النظام، لأن “حزب الله” اللبناني هو شريك رئيسي في هذه التجارة.
ولفت الجرار إلى أن المخدرات انتشرت في المنطقة الجنوبية من سورية بشكل كبير بعد سيطرة النظام على المنطقة عام 2018، إذ لم تسجل أية عملية تهريب للمخدرات عبر الحدود مع الأردن خلال سيطرة فصائل المعارضة على المنطقة قبل ذلك العام.
العربي الجديد