اللاجئون السوريون يترقبون نتائج الانتخابات أكثر من الأتراك أنفسهم

اللاجئون السوريون يترقبون نتائج الانتخابات أكثر من الأتراك أنفسهم

الحملة الانتخابية التركية في دورها الأول والثاني بدا وكأن شعارها الأول هو التمهيد لطرد السوريين، وكأن ذلك سوف يرفع العبء عن الاقتصاد التركي ويفتح الأبواب أمام أنقرة نحو التعافي، في وقت لا يمثل الوجود السوري سوى عنصر واحد من عناصر كثيرة تفسر الأزمة.

إسطنبول- يترقب اللاجئون السوريون نتائج الانتخابات التركية بقلق شديد على مصيرهم في ظل تلويح بطردهم في حال فاز مرشح المعارضة كمال قليجدار أوغلو وتجهيز الرئيس رجب طيب أردوغان خططا لطردهم على مراحل تحت عناوين فضفاضة ومتناقضة. في كل الأحوال يبدو السوريون أكثر انتظارا وقلقا من نتائج هذه الانتخابات من الأتراك أنفسهم.

وعلى غرار العديد من السوريين في تركيا، يتطلع غيث سمير بقلق إلى نتيجة جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية اليوم الأحد، ويشعر بالخوف إزاء احتمال فوز مرشح المعارضة الذي يتعهد بترحيل المهاجرين إلى أوطانهم في أسرع وقت.

وفر سمير من الحرب الأهلية في سوريا عام 2012 وهو الآن واحد من بين أكثر من 3.4 مليون سوري يعيشون في تركيا، حيث أدت المشكلات الاقتصادية إلى زيادة مشاعر العداء للمهاجرين التي امتد أثرها إلى الانتخابات الرئاسية.

وقال سمير، الذي حصل على الجنسية التركية قبل عامين ويعتزم التصويت في انتخابات الأحد لصالح الرئيس رجب طيب أردوغان، “وعود المعارضة تخيفني وتغضبني أيضا، تخيفني لأنها تسبب المزيد من كراهية المواطنين الأتراك تجاهي وتجاه أطفالي وعائلتي“.

وبينما يتمتع أردوغان بفرصة جيدة للفوز في جولة الإعادة بعد إخفاقه في تحقيق فوز مباشر في الجولة الأولى قبل أسبوعين، يتبنى منافسه كمال قليجدار أوغلو خطابا مناهضا للمهاجرين في محاولة لتغيير مسار السباق الانتخابي.

وتعاون قليجدار أوغلو مع حزب قومي من اليمين المتطرف ووعد بإعادة جميع المهاجرين إلى أوطانهم في غضون عام مع انتشار ملصقات تحمل صوره في أنحاء المدن التركية مع تعهد بترحيل السوريين.

ورغم أن أردوغان كان أكثر ترحيبا بالسوريين والمهاجرين الآخرين في تركيا، التي تضم خمسة ملايين لاجئ وهو أكبر عدد من اللاجئين حول العالم، فإنه اتخذ أيضا خطوات لتسريع عودة المهاجرين السوريين إلى وطنهم.

وبالنسبة إلى السوريين، فقد أدت الانتخابات والتحول المناهض للمهاجرين في السياسة التركية إلى إثارة حالة جديدة من الضبابية بشأن مستقبلهم، مما دفع الكثيرين إلى التساؤل عما إذا كان سيتعين عليهم معاودة الكرة وبدء حياة جديدة مرة أخرى بعد فرارهم من حرب دامية في وطنهم.

وقال سمير (38 عاما) إن عددا من أصدقائه وأقاربه أجّلوا خططهم المستقبلية لما بعد الانتخابات حتى تتضح الأمور لدرجة أن أخاه ينتظر نتيجة الانتخابات ليقرر ما إذا كان سيستبدل “جهاز محضر الطعام” المتعطل.

وأضاف “أغلب السوريين باتوا يشعرون وكأن حياتهم كلها متوقفة على نتائج الانتخابات”. وعلى الرغم من أنه يحمل الجنسية التركية، قال سمير إنه وضع “خططا بديلة في حال حدوث أي شيء“.

ويفكر سمير في الانتقال مع زوجته وطفليه الصغيرين إلى بلد قد يكون مواتيا أكثر لأحوال السوريين، مثل مصر أو إقليم كردستان العراق.

وعندما أعلن قليجدار أوغلو الأربعاء عن توصله إلى اتفاق مع أوميت أوزداغ، رئيس حزب الظفر المنتمي لليمين المتطرف، لدعمه في جولة الإعادة، قال أوزداغ إن الوعد الذي قطعته المعارضة على نفسها بترحيل المهاجرين سوف يرفع “العبء” عن الاقتصاد ويمنع تركيا من أن تتحول إلى “أرض للمهاجرين“.

ومن خلال الاعتماد على الخطاب المعادي للأجانب الذي يتهم اللاجئين الأفغان والسوريين بالسرقة والتحرش الجنسي وجرائم أخرى، قال أوزداغ إن ترحيل المهاجرين سيجعل “الشوارع آمنة مرة أخرى“.

ويشعر السوريون على وجه خاص بالقلق بسبب هذه النبرة وملصقات قليجدار أوغلو الجديدة المناهضة للمهاجرين التي تتدلى من أعمدة الإنارة وعلى الأنفاق.

وتساءل أحمد، وهو سوري يبلغ من العمر 40 عاما ويحمل الجنسية التركية أيضا، “هل في شخص عنده ذرة واحدة فقط من الإنسانية بيقبل تتعلق لافتات على جدران المدارس والشوارع المكتظة تتوعد بترحيل السوريين؟”.

وعبر أحمد، الذي رفض ذكر اسم عائلته خوفا من ملاحقته، عن قلقه من تأثير هذه اللافتات على الأطفال السوريين الذين يستطيعون قراءة التركية، ووصفها بأنها “أقذر كلام وأبشع خطاب كراهية“.

وتوقفت معظم المعارك الرئيسية في سوريا منذ سنوات، حيث تسيطر تركيا على جيوب عبر الحدود تدعم فيها المعارضة السورية في صراعها مع الرئيس بشار الأسد. وتكتظ هذه المناطق بالفعل بالسوريين النازحين من أجزاء أخرى من سوريا.

وظروف الحياة عبر الحدود صعبة للغاية، مع تدمير البنية التحتية وانهيار الاقتصاد والتهديد المستمر بإمكانية اندلاع الحرب فجأة مرة أخرى. ويخشى سكان هذه المناطق التي تسيطر عليها المعارضة من تعرضهم لأعمال انتقامية إذا استعادت الحكومة السيطرة عليها.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن أنقرة تسعى لإعادة اللاجئين السوريين إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام أيضا بشكل آمن، وليس فقط إلى المناطق الآمنة في الشمال السوري.

وفي مقابلة مع قناة محلية مساء الجمعة، لفت جاويش أوغلو إلى عودة نحو553 ألف سوري إلى المناطق التي طهرتها تركيا من الإرهاب شمال سوريا.

وأضاف “نريد إعادة السوريين إلى الأماكن التي يسيطر عليها النظام أيضا وليس فقط المناطق الآمنة“. ولفت إلى تناول الموضوع مع النظام في إطار المسار الرباعي الذي يضم روسيا وإيران أيضا.

ومنذ 2011، كانت تركيا الوجهة الأبرز للفارين من الحرب الدائرة في سوريا، وبحسب أحدث حصيلة رسمية فإن تعداد اللاجئين السوريين في تركيا يقترب من أربعة ملايين، في حين يعتقد أن العدد الحقيقي يتجاوز ذلك.

ونظرا إلى أن مصيرهم تحول إلى قضية سياسية ذات أهمية متزايدة، لا يزال معظم السوريين يشعرون بعدم الارتياح حتى لو تغلب أردوغان على قليجدار أوغلو في انتخابات الإعادة، مشيرين إلى خطط حكومة أردوغان لبناء مشاريع إسكان جديدة على الحدود لتسريع عملية ترحيلهم.

وعلى غرار القادة الآخرين في المنطقة، يعمل أردوغان أيضا على حل الخلافات مع الرئيس السوري بشار الأسد، مما يزيد من احتمال حدوث تقارب قد يقلق العديد من السوريين في تركيا.

بينما يتمتع أردوغان بفرصة جيدة للفوز في جولة الإعادة يتبنى منافسه كمال قليجدار أوغلو خطابا مناهضا للمهاجرين

وقال سعد عبدالقادر، الذي يعيش في تركيا منذ عام 2015، “لن يكون هناك استقرار في سوريا طالما بقي الأسد ومن معه في السلطة”، مشيرا إلى أنه يفكر في السفر إلى أوروبا بحثا عن الأمان.

وروى حادث سرقة تعرض له صديقه قائلا “منذ فترة قريبة تعرض أحد الأصدقاء في ولاية كلس التركية لسرقة محل الألبسة الذي يملكه ولم يستطع التقدم بأيّ شكوى للشرطة لخوفه من أن يتعرض للاعتداء عليه وعلى عائلته“.

وقال عمر كادكوي، وهو سوري يعمل في مركز الأبحاث الاقتصادية “تي.إي.بي.إيه.في” ومقره أنقرة، إن السوريين ما زالوا يواجهون البؤس والخوف من وطنهم الذي سينظر إليه أطفالهم على أنه أرض أجنبية.

وعن العودة الطوعية إلى سوريا، قال “إنه ليس قرارا سهلا”، مضيفا أن الأطفال السوريين في تركيا “تم تشكيلهم بكل ما هو تركي. سوريا بالنسبة إليهم قصة تُحكى قبل النوم“.

العرب