ليس هناك غداء مجاني، بحسب مثل إنجليزي. ولا شيء في السياسة يأتي مجاناً، كما تؤكد الوقائع والتجارب.
تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية عام 2011 كانت له أسباب وخلفه أهداف في ظروف الأزمة السياسية بين النظام والمعارضين. وهي أزمة قادت إلى تظاهرات تطالب بالإصلاح والانفتاح ثم بإسقاط النظام، تحولت حرباً انخرطت فيها قوى عربية وإقليمية ودولية.
وعودة سوريا إلى الجامعة عام 2023 لها أسباب وخلفها أهداف في ظروف إقليمية متغيرة وداخلية، من مشاهدها صمود النظام وضعف المعارضين وهزيمة التيارات المتطرفة ضمن موجة الإسلام السياسي الإرهابي وتقاسم البلد بين خمسة جيوش خارجية، لكن النظام عاد ومعه حمولته التي تحتاج إلى تخفيف: فالأزمة التي سبقت الحرب مستمرة، والدمار الذي صنعته الحرب لا يزال بلا إعادة إعمار.
لا حل للنازحين في الداخل واللاجئين إلى الخارج وهم نصف السكان. أميركا تحمي “قوات سوريا الديمقراطية” شرق الفرات حيث ثلث مساحة سوريا وأكثر أراضيها خصباً. تركيا تحتل شمال سوريا مباشرة وعبر ميليشيات تابعة لها، و”هيئة تحرير الشام” أو “جبهة النصرة” التي يقودها أبومحمد الجولاني تقيم دويلة في إدلب. النفوذ الإيراني يتعاظم مباشرة وعبر فصائل تابعة لطهران، ويتمدد على ما بقي من الخريطة للنظام، كذلك النفوذ الروسي، وإسرائيل تقصف من الجو.
أكثر من ذلك، فإن المساحة العربية التي توسعت من حول النظام لا تزال ضمن حصار الغرب الأميركي والأوروبي وحلفائه. قمة الدول الصناعية السبع في هيروشيما أعلنت بوضوح استمرار العقوبات والامتناع عن المساهمة في إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، “إن لم تنته معاناة السوريين بتسوية سياسية على أساس القرار الدولي 2254”. والوصول إلى هذه الأهداف بالنسبة إلى العالم العربي هو المطلوب بالحوار في مرحلة ما بعد عودة سوريا إلى الجامعة. وهو يتقدم حتى على ما يقال عن قلق عربي حيال النفوذ الإيراني وحرص على الدور العربي المهم لسوريا.
مدرك أن الوضع الذي تستمر فيه الأزمة السياسية ليس قابلاً للاستدامة. فلا الحرب انتهت، وإن قلت معاركها الأساسية مع احتمالات العودة إلى القتال الواسع، ولا صمود النظام بدعم روسي وإيراني وضعف المعارضين يحجبان خسارة كثير من “الاستقلالية” التي كان النظام يتمتع بها، وكان المعارضون في البدء من ضمنها.
وإذا كانت “القاعدة” و”دولة الخلافة” الداعشية خسرتا تحويل سوريا إلى “قندهار عربية”، فإن النافذين اليوم حولوها إلى “كولومبيا عربية”. أليس في طليعة المطالب العربية من دمشق ضرب معامل “الكبتاغون” ومنع تهريب حبوبه المخدرة إلى الدول العربية؟ وإذا كان الروس على تفاهم مع إسرائيل يسمح لها بشن غارات على المواقع الإيرانية في سوريا، فما الذي يمنع طهران التي ترفع شعار “إزالة إسرائيل” من الرد على الغارات؟
عودة سوريا إلى الجامعة هي بداية مسار في ظروف ملائمة، لا نهاية مسار في ظروف تبدلت. والاتفاق السعودي – الإيراني الذي جاء برعاية الصين وضمانها أوجد مناخاً من البحث عن الاستقرار و”صفر خلافات” بما يفرمل مطالبة العرب لدمشق بالتخفف من النفوذ الإيراني من دون أن يتوقف الغرب عن المطالبة، لكن التوازن بين الدورين العربي والإيراني والدور الروسي في سوريا ليس مسألة سهلة، وخصوصاً إذا بقيت الأزمة السورية بلا تسوية سياسية. والدور الأميركي في حماية الكرد ليس بسيطاً، وإن كان عدد الجنود الأميركيين قليلاً. والانفتاح السوري – التركي برعاية روسيا والصين يبقى محدوداً بوجود الاحتلال التركي للشمال السوري. ومن الصعب تجاهل سيناريو المحور (السوري – الروسي – الإيراني – الصيني) المفترض.
اندبندت عربي