أنقرة – دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاثنين إلى “الوحدة والتضامن” عقب فوزه بفارق ضئيل في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية التي مددت حكمه المستمر منذ عقدين حتى العام 2028، وهو ما يشير إلى الانقسام الحاد في البلاد وعدم رضا نحو نصف المجتمع عن سياساته التي توصف بالدكتاتورية.
وخاطب أردوغان مؤيديه الذين احتشدوا أمام القصر الرئاسي قائلاً “سنترك الخلافات السياسية جانباً وندعو إلى الوحدة والتضامن”، مؤكداً “ندعو إلى ذلك من كل قلبنا”.
وتأتي دعوة أردوغان بعد انتخابات شهدت تنافساً حاداً وأفضت إلى فوزه على زعيم المعارضة العلماني كمال كليتشدار أوغلو بفارق أربع نقاط مئوية في أول انتخابات إعادة رئاسية في تاريخ تركيا.
وبعد فرز 99.43 بالمئة من صناديق الاقتراع في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، حصل أردوغان على 52.14 بالمئة من الأصوات، مقابل 47.86 بالمئة لمرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، وفق ما أعلنت الهيئة العليا للانتخابات التركية.
وتقاذف أردوغان ومنافسه الاتهامات خلال حملاتهما وخاصة حول “دعم الإرهاب” ونشر الأضاليل.
واعتبر أردوغان أن هذه الانتخابات هي “الأهم” في تاريخ تركيا الحديث وأن أحداً لم يخسر، مضيفاً “الفائز في هذه الانتخابات هي تركيا والديمقراطية وشعبنا بكل أطيافه”.
وتعرض الرئيس التركي الأطول عهداً إلى اختبار غير مسبوق، ويُنظر إلى هذه الانتخابات على نطاق واسع على أنها الأكثر أهمية في تاريخ الجمهورية منذ إعلانها قبل قرن.
وشكل كليتشدار أوغلو تحالفاً قوياً جمع حلفاء سابقين لأردوغان وقوميين علمانيين ومحافظين. ونجح في 14 مايو في الوصول إلى الدورة الثانية لأول مرة في تاريخ الانتخابات الرئاسية في تركيا.
لكن كليتشدار أوغلو لم يقر رسمياً بالهزيمة أثناء تلاوته بياناً مقتضباً أمام الصحافيين في أنقرة وقال إنها “أكثر انتخابات غير عادلة منذ سنوات” في مواجهة الرئيس الحالي وأضاف “النتائج أظهرت رغبة الناس في تغيير الحكومة الاستبدادية”.
وتابع “إنني حزين للغاية في مواجهة الصعوبات التي تنتظر البلد”.
ولم تساهم تداعيات الزلزال المدمر في فبراير والذي أودى بما لا يقل عن 50 ألف قتيل وشرد ثلاثة ملايين شخص، في تراجع شعبية أردوغان الذي تصدر نتائج الانتخابات في المحافظات المتضررة التي تعهد إعادة إعمارها بسرعة.
أما حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ الذي يتزعمه أردوغان، فقد خسر مقاعد في البرلمان لكنه احتفظ بالغالبية مع حلفائه.
من جهته، عانى كمال كليتشدار أوغلو هزيمة رغم محاولته استقطاب مزيد من الناخبين في حملته للدورة الثانية من الانتخابات.
فقد غير الموظف الحكومي السابق تركيزه من الحديث على الوحدة الاجتماعية والحريات إلى الحديث أكثر عن الحاجة إلى إخراج المهاجرين من البلد ومكافحة الإرهاب.
واستهدف بذلك استقطاب ناخبي اليمين القومي الذين حققوا مكاسب في الانتخابات البرلمانية.
لكن شكك محللون في نجاح مناورة كليتشدار أوغلو، إذ إن تحالفه غير الرسمي مع حزب مؤيد لقضايا الأكراد يصوره أردوغان على أنه جناح لحزب العمال الكردستاني المحظور، تركه عرضة لاتهامات بالعمل مع “إرهابيين”.
كما لم تكن مغازلته لليمين التركي المتشدد مجدية بسبب التأييد الذي تلقاه أردوغان من المرشح القومي المتطرف سنان أوغان الذي احتل المركز الثالث في الدورة الأولى للانتخابات قبل أسبوعين.
وقال أردوغان في الخطاب الذي ألقاه بعد فوزه في جولة الإعادة إن التضخم هو القضية الأكثر إلحاحاً للبلاد، مضيفاً أنه سيتراجع في أعقاب خفض سعر الفائدة إلى 8.5 في المئة من 19 في المئة قبل عامين.
وقال أردوغان لأنصاره في قصره بأنقرة “نشيد اقتصاداً يركز على الاستثمار والتوظيف مع فريق إدارة مالية يتمتع بسمعة دولية”.
من جانب آخر، أشار الرئيس إلى أن إطلاق سراح صلاح الدين دمرداش، الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد غير ممكن في ظل حكمه.
ودمرداش مسجون منذ 2016 في انتظار محاكمته بتهم مرتبطة بالإرهاب ينفي ارتكابها.
وبدا بعض أنصار المعارضة مهزومين بالفعل بعد خروجهم من مراكز الاقتراع.
وقال بيرم علي يوس في أحد الأحياء المناهضة لأردوغان في اسطنبول “اليوم ليس مثل المرة الماضية. لقد كنت أكثر حماسة حينها”.
وأضاف “تبدو النتيجة أكثر وضوحًا الآن. لكني مع ذلك أدليت بصوتي”.
ويحظى رجب طيب أردوغان بدعم واسع لدى الشرائح الأكثر فقرا وتلك الريفية من المجتمع التركي بسبب تشجيعه للحريات الدينية وتحديث المدن التي كانت متداعية في دواخل الأناضول.
وقال الناخب محمد أمين أياز لوكالة فرانس برس في أنقرة “كان من المهم بالنسبة لي الحفاظ على ما تحقق مدى السنوات العشرين الماضية في تركيا”.
وأضاف الرجل البالغ 64 عاما “تركيا ليست كما كانت في الماضي. هناك تركيا جديدة اليوم”.
لقي أردوغان انتقادات بسبب حملات القمع التي مارسها على جزء من المعارضة وتبنيه سياسة خارجية مثيرة للجدل.
ويقيم علاقات شخصية جيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم تتأثر بالحرب على أوكرانيا.
ويستفيد الاقتصاد التركي المضطرب من تأجيل سداد واردات الطاقة الروسية، الأمر الذي ساعد أردوغان على الإنفاق بسخاء على تعهدات حملته هذا العام.
كما أخّر عضوية فنلندا في حلف شمال الأطلسي (ناتو) ولا يزال يرفض قبول انضمام السويد إلى التحالف الدفاعي الذي تقوده الولايات المتحدة.
وفي ردود الفعل الدولية، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن إعادة انتخاب أردوغان تظهر دعم الأتراك “لجهودكم في تعزيز سيادة الدولة واتباع سياسة خارجية مستقلة”.
وهنّأ الرئيس الأميركي جو بايدن أردوغان على إعادة انتخابه قائلا “أتطلع إلى مواصلة العمل معا بصفتنا حليفين في الناتو بشأن القضايا الثنائية والتحديات العالمية المشتركة”.
وأبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تطلعه إلى “المضي قدما” في رفع التحديات العالمية المشتركة، فيما أمل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي “تعزيز الشراكة الاستراتيجية” مع تركيا.
أما الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فقد أشاد بـ”انتصار أردوغان الكبير والمستحق”.
وهنأ ألكسندر لوكاشينكو، رئيس روسيا البيضاء وأحد أقوى حلفاء بوتين، أردوغان بفوزه في الانتخابات وأشاد بالرئيس التركي الذي نجح في الحفاظ على استقرار بلاده بعد زلازل مدمرة في فبراير، وقال في بيان أصدره مكتبه الصحافي “أرى أنك شخصية سياسية قوية وقديرة وصديق جيد لروسيا البيضاء”، وأضاف “لدينا مصالح متماثلة في خفض التصعيد على الساحة الدولية ودعم الأمن الغذائي والحل السلمي للنزاعات”.
وكان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان ورئيسا إيران والجزائر وأمير قطر من بين القادة الذين قدموا التهنئة له في الشرق الأوسط.
كما هنأه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في بيان. وتلقى كذلك التهنئة من عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية ومحمد شياع السوداني رئيس الوزراء العراقي.
وبدوره، هنأ رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أردوغان بفوزه في جولة الإعادة.
وأكد سوناك مجدداً على العلاقة القوية بين المملكة المتحدة وتركيا كشريكين اقتصاديين وحليفين في حلف شمال الأطلسي، وفقاً لما ورد في بيان أصدرته الحكومة.
كما هنأ رئيسا المفوضية والمجلس الأوروبيين والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مساء الأحد أردوغان على إعادة انتخابه.
وأعربت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال عبر تويتر عن رغبتهما في “مواصلة تطوير العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا”.
من جانبه، قال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ في تغريدة “أتطلع إلى مواصلة عملنا والتحضير لقمة الناتو في فيلنيوس في يوليو”.
لم توافق تركيا والمجر على عضوية السويد في الحلف العسكري، وسيكون الموضوع مدرجاً على جدول أعمال القمة. والعلاقات معقدة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، لكن الأخيرة تظل شريكاً أساسياً للتكتل، لا سيما في ما يتعلق بالهجرة.
تركيا مرشحة رسمياً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن مفاوضات الانضمام التي بدأت عام 2005 متوقفة منذ عدة سنوات.
في هذا الصدد، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في رسالة إلى الرئيس أردوغان إن التكتل “مستعد للتعامل مع تركيا من أجل المضي نحو علاقة بناءة من أجل ازدهارنا واستقرارنا المشتركين على أساس الالتزامات بحقوق الإنسان وسيادة القانون والقانون الدولي والاستقرار الإقليمي، لصالح جميع مواطنينا”.
العرب