منطقي تماماً لرجل دولة مثل رجب طيب اردوغان، الرئيس التركي الحالي والمنتخب مؤخراً لولاية رئاسية ثانية تمتد 5 سنوات، أن يحظى بالكثير من الإعجاب لدى المناصرين والخصوم على حد سواء، داخل تركيا وفي الجوار الإقليمي والعالم شرقاً وغرباً، فسجلّه خلال 21 سنة في ترؤس الحكومة ورئاسة الجمهورية حافل وغني ومتميز، أياً كان الرأي في نهجه وأفكاره وخياراته.
ليس أقل منطقاً أن يستدر أردوغان الحسد، الإيجابي والسلبي على حد سواء هنا أيضاً، ومن رجال السياسة في تركيا وفي الخارج أيضاً، لأسباب متعددة تبدأ من مسارات صعوده السياسي في قلب الشارع الشعبي ولا تنتهي عند التحديات والعراقيل الكثيرة التي واجهها أو تمكن من تذليلها، بما في ذلك السجن وحظر العمل السياسي والانقلاب العسكري. ولعل في رأس نقاط الحسد، التي تثير الاستغراب كذلك، أن 9 من أصل 11 ولاية داخل مناطق الزلزال الكارثي الأخير اختارت التصويت لأردوغان، رغم أن الأعراف الانتخابية التقليدية في سياقات كهذه كانت تقتضي العزوف عنه أو محاسبته عن طريق التصويت لمنافسه.
وقد تكون هذه وجهة أخرى لتثمين فوز أردوغان في هذه الدورة التاريخية من الانتخابات الرئاسية التركية، وذلك من خلال استشراف المستقبل واستحقاقات ما بعد الانتصار وسلسلة المشكلات والمصاعب التي واجهت البلاد، وتظل مطروحة وتتصدر برامج عمل الرئيس التركي والحكومة وأطراف «تحالف الشعب». ومن مفارقات ولاية أردوغان الجديدة أن الاقتصاد، الذي كان امتياز إدارته حتى العام 2016، بات اليوم أحد أبرز الملفات الملحّة التي تستدعي علاجات بنيوية في ميادين حاسمة مثل معدلات التضخم التي اقتربت من 44٪ قبيل الانتخابات، وانخفاض العملة الوطنية إلى مستوى يزيد عن 20 ليرة تركية مقابل الدولار الأمريكي، وارتفاع معدل البطالة إلى أكثر من 10٪ خلال الأشهر الأخيرة.
كذلك فإن مواطني مناطق الزلزال ينتظرون الكثير العاجل من أردوغان وحكومته، وإذا كانوا قد جددوا الثقة به مؤخراً عبر صناديق الاقتراع، فإن جداول أعمال الحكومة المقبلة يتوجب أن تحفل بإجابات عملية واضحة حول مسائل عديدة معقدة تتصل بالمضي أبعد وأنجع وأسرع في إيواء المنكوبين، وإعادة إعمار أحياء بأكملها في قرى وبلدات ومراكز عمران متضررة تمتد على نطاق عريض.
كذلك أحسن أردوغان صنعاً، كما كان منتظراً منه في الواقع، حين شدد في خطاب الفوز على الوحدة الوطنية وعزم إدارته وحلفائه على ترك خلافات الحملة الانتخابية وراء الظهر والتطلّع إلى التعاون والعمل المشترك. ذلك لأن انقسامات المجتمع التركي سياسياً ومناطقياً وعقائدياً واضحة وضاغطة وتزداد تجذراً، خاصة وأنها ليست بين أحزاب الحكم مقابل أحزاب المعارضة، فهذه الأخيرة تعاني بدورها من خلافات شتى ولم يكن اتحادها الأخير حول الطاولة السداسية سوى إجراء تكتيكي مؤقت اقتضته ضرورات منافسة أردوغان و«العدالة والتنمية» وبقية أحزاب «تحالف الشعب».
وإلى جانب هذه وسواها من الملفات، بصدد الصناعة العسكرية ومعدلات الإنتاجية والسياسة الخارجية وتطوير موقع تركيا كقوة جيو – سياسية إقليمية ومتوسطية وعالمية، فإن مواجهة استحقاقات المستقبل هي خير تكريم لتركيا وشعبها ونظامها الديمقراطي.
القدس العربي