تسريع إعادة العلاقات المصرية – التركية بعد فوز أردوغان: تطبيع لأجل التطبيع

تسريع إعادة العلاقات المصرية – التركية بعد فوز أردوغان: تطبيع لأجل التطبيع

القاهرة- اختارت القاهرة أن يكون تطبيع العلاقات مع أنقرة بعد إجراء الانتخابات الرئاسية، معتقدةً أن الرئيس رجب طيب أردوغان قد لا يحالفه الحظ في الفوز بها، وأرادت أن تدخر هذه الورقة لبدء صفحة جديدة مع الرئيس المحتمل القادم من صفوف المعارضة كمال قليجدار أوغلو، وعندما خاب تقديرها السياسي ونجح أردوغان سارعت إلى تصحيح موقفها بالحديث عن عودة فورية للعلاقات الدبلوماسية.

ويمكن أن تؤثر العودة المتأخرة للعلاقات، مقارنة بما حققته تركيا من تقارب مع كل من السعودية والإمارات، على سقف المطالب المصرية التي من المزمع التقدّم بها إلى أنقرة التي كانت قبل الانتخابات بحاجة إلى التطبيع السريع مع القاهرة لاستكمال حلقة مهمة في سجل بدا مرهقا للدولة التركية على الصعيد الإقليمي.

ويمكن أن يفضي تمهّل القاهرة، أو حذرها أو تجاوبها بنسبة معينة مع أنقرة، إلى التأثير على تحقيق أهدافها كاملة في بعض القضايا مع النظام التركي الذي كان متجاوبا بدرجة كبيرة مع نظيره المصري من أجل بدْء صفحة جديدة معه قبل الانتخابات.

◙ العودة المتأخرة للعلاقات، مقارنة بما حققته تركيا من تقارب مع السعودية والإمارات، قد تؤثر على المطالب المصرية

وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن القاهرة تداركت الأمر وصورت عودة علاقاتها مع تركيا كما لو أنها من الضروري أن تتزامن مع الفترة الرئاسية الجديدة، دون تجاهل رؤيتها أن حظوظ أردوغان في تكرار الفوز لم تكن مضمونة، وفضلت أن تكون العودة تالية للخسارة أو الفوز تلْيًا مباشرا، ما يفسر السرعة التي أُعلن بها القرار عقب مكالمة هاتفية أجراها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع نظيره التركي.

وأكدت المصادر ذاتها أن إرسال الرئيس السيسي برقية تهنئة عاجلة بعد إعلان فوز أردوغان (الأحد) والقيام باتصال هاتفي معه في اليوم التالي والإفصاح عن عودة العلاقات الدبلوماسية…، كل ذلك يوحي بأن القاهرة حلّت كافة المشكلات العالقة التي عطلت إعلان العودة قبل الانتخابات، وهو ما لم يحدث، لأن أنقرة انشغلت في الأسابيع الماضية بإجراء الانتخابات ولم يُعلن عن عقد لقاءات بين الجانبين خلالها.

وكشف بيان للرئاسة المصرية الاثنين عن أن الرئيسين السيسي وأردوغان اتفقا على “البدء الفوري في ترفيع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وتبادل السفراء”.

جاءت هذه الخطوة كنتيجة للعديد من المحادثات والمشاورات والجولات التي جرت بين مسؤولين في البلدين، تمت فيها تسوية الكثير من الملفات الخلافية، وكانت الممانعة أو التمهل في التطبيع من جانب القاهرة أكثر مما كانا من ناحية أنقرة، حيث أرادت الأولى التوصل إلى صيغة تنهي بها القضايا الشائكة وتعظم مكاسبها، وانتابها شعور بأن تركيا – أردوغان مضطرة إلى التجاوب معها.

وبدا التردد أو التأخير من قبل مصر ظاهرا، بينما أوحت تصريحات المسؤولين في تركيا بأن كل شيء تمت تصفيته (تقريبا)، ما يفسح المجال لإمكانية قلب المعادلة حاليا من زاوية المطالب والاستجابة، فلم تعد تركيا مضطرة إلى تقديم تنازلات تتسق مع أولويات القاهرة أو تلبي طموحاتها بالطريقة التي تريدها في بعض الملفات.

واتفقت مصر وتركيا خلال زيارة قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى أنقرة في أبريل الماضي على إطار زمني محدد للارتقاء بالعلاقات الدبلوماسية، لم يعلن عن تفاصيله، والتحضير لعقد قمة بين الرئيسين السيسي وأردوغان بعد الانتخابات تدشن عودة العلاقات رسميا، لكن ذلك جاء عبر اتصال هاتفي، ما يشي بالاستعجال.

وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قام بزيارة إلى القاهرة في مارس الماضي وعقد محادثات مع شكري للمضي قدماً في تعزيز العلاقات بين البلدين.

ويقول متابعون إن الغبطة التي انتابت جماعة الإخوان عقب فوز أردوغان تؤكد أن السياسة التي تعامل بها معهم واعتمدت على تحييدهم وتقويض دورهم نسبيا يمكن أن تطرأ عليها تغييرات تصب في صالحهم، ما يزعج القاهرة التي ارتاحت لعدم توفير رعاية شاملة أو احتضان كامل لهم، ما يعيدهم إلى الواجهة مرة أخرى مع إدخال تعديلات على آلية توظيفهم سياسيا دون ضجة.

ويضيف هؤلاء المتابعون أن الأزمة الليبية التي شهدت تهدئة مصرية – تركية مؤخرا قد تشهد تغييرات أيضا، ربما لا تصل إلى حد عودة الصدام بين البلدين، لكن أنقرة ستتحرر من بعض القيود التي راعتها لأجل عدم توتير العلاقات مع القاهرة، وهو ما ينطبق على ملف شرق البحر المتوسط والغاز وما يحويه من ألغام اقتصادية.

ولذلك ستكون صيغة المحادثات والتفاهمات حول هذه النوعية من القضايا في المرحلة المقبلة مختلفة عما كانت عليه قبل الانتخابات، فقد تحرر أردوغان من أحد القيود التي دفعته إلى الحرص على الانفتاح سريعا على مصر، معتقدا أن تصفير المشاكل الإقليمية سيفيده في تخفيض انتقادات المعارضة وينزع منها ورقة كان يمكن أن تؤرقه.

◙ القاهرة تداركت الأمر وصورت عودة علاقاتها مع تركيا كما لو أنها من الضروري أن تتزامن مع الفترة الرئاسية الجديدة

ولا يعني التحرر انقلابا جوهريا في هذه السياسة أو تخليا عنها، بل هو محاولة لإعادة ترتيب أوراقه بالشكل الذي يجعله يتفاوض من موقع قوة، وليس من موقع ضعف كما كان قبل الانتخابات، ما يفسر سرعة موافقة القاهرة على عودة العلاقات الدبلوماسية دون أن تحدث تطورات ملموسة سوى محدد إجراء الانتخابات.

وقد يكون تأخير القاهرة لهذه العودة ترك غصة في حلق أردوغان، حيث فهم أن القاهرة أرادت مغازلة خصومه وحرمانه من ورقة اعتقدت أنها تمثل إضافة له وتغضب المعارضة التي بدت حظوظ فوزها قبل الانتخابات وافرة.

وكرجل عُرف بالبراغماتية لن يفوّت أردوغان فرصة الحصول على تنازلات من القاهرة، أو على الأقل محاولة الحد من سقف مطالبها، وهو يعلم أن قدرتها على الرفض تراجعت، بينما زادت قدرته على تطوير علاقاته الإقليمية مع قوى أخرى.

وحيال توازن القوى السياسية الذي بدأ يميل إلى صالح تركيا ستصبح مصر غير متمسكة بما كانت تطالب به سابقا وستبدي مرونة كبيرة تساعد على عدم عودة أنقرة كعنصر إزعاج لها في وقت تشهد فيه البلاد تحديات داخلية وخارجية حرجة.

وتخشى دوائر مصرية أن يستغل أردوغان الحالة الحرجة، سياسيا واقتصاديا، ويحول ما يملكه من أوراق إلى مناورات بدلا من الضغوط التي اعتاد ممارستها على مصر، ويساومها في الأشهر المقبلة بعد أن كان يفاوضها في الأشهر الماضية.

العرب