باريس- أبدت فرنسا استعدادها لمساعدة تونس على الخروج من وضعها الاقتصادي الصعب، لكنها لم تكشف إلى حد الآن عن صيغة هذه المساعدة وهل ستكون بشكل مباشر أم عن طريق الاتحاد الأوروبي؟ وسط تساؤلات في تونس عن سر التردد الفرنسي، في وقت لوح فيه وزير الخارجية التونسي نبيل عمار بأن بلاده لن تكون حارسا لأوروبا في موضوع اللاجئين.
يأتي هذا فيما تُقرّ أوساط سياسية تونسية بأنّ إثارة فرنسا لموضوع “الحقوق والحريات”، على هامش الزيارة التي قام بها نبيل عمار إلى باريس، في غير محلها، وأن فرنسا تتعامل مع تونس بأنصاف المواقف، وأنها تتعامل مع مشكلة هامشية بدلا من المشكلة الرئيسية، أي دعم تونس اقتصاديا وماليا لمساعدتها على التصدّي لموجات اللاجئين التي تضغط على أوروبا.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان، إثر لقاء جمع بين وزير الخارجية التونسي نبيل عمّار ونظيرته الفرنسية كاترين كولونا الثلاثاء في باريس، إن “الاجتماع فرصة للتذكير بتعلّق فرنسا بالحقوق والحريات العامة في جميع أنحاء العالم”.
وتعتقد أوساط سياسية تونسية أن هذا البيان قد جاء في غير وقته، مشيرة إلى أن فرنسا وإيطاليا تحاولان إيجاد سبل لمواجهة موجات اللاجئين ووجدتا أن الحل هو دعم تونس ومساعدتها على مواجهة هذه الهجرات غير النظامية، وأنه بدلا من الإعلان عن دعم واضح مالت فرنسا إلى توظيف ورقة حقوق الإنسان في الضغط على السلطات التونسية، وهو ما يعدّ موقفا غير مدروس.
وتعرف باريس قبل غيرها حساسية الانتقادات في موضوع حقوق الإنسان وتقاطعها مع مفهوم السيادة عند الرئيس التونسي قيس سعيد الذي يرفض رفضا باتّا أي تدخل خارجي على هذا المستوى.
وردت وزارة الخارجية التونسية بسرعة الأربعاء وقالت إن الاجتماع بين وزير الخارجية التونسي ونظيرته الفرنسية “لم يتناول” مسألة “الحقوق والحريات”، نافية محتوى البيان الفرنسي.
ونقلت الخارجية التونسية في بيان عن نبيل عمّار قوله “يظلّ التحدّي الرئيسي الذي تواجهه تونس هو النهوض بالاقتصاد”، و”من شأن الرسائل والمواقف السلبية زيادة تعقيد الظروف الاجتماعية والاقتصادية في البلاد”.
وحرص عمار خلال لقاءاته في باريس وقبلها في جولاته الأوروبية على التأكيد على معادلة الدعم مقابل لعب دور فعال في التصدي للهجرة غير النظامية، في وقت تتكاثر فيه محاولات الآلاف من اللاجئين القادمين من جنوب الصحراء للعبور إلى أوروبا.
ويشير كلام نبيل عمار إلى معطى أساسي، وهو أن تونس لا تطلب دعما دون مقابل، وأن المقابل موجود وتدفعه تونس يوميا بالتصدي لموجات اللاجئين ومنع وصولهم إلى أوروبا، وخاصة إيطاليا وفرنسا، وهو ما يفرض منطقيا أن توفي باريس مثل غيرها من دول الاتحاد الأوروبي بالتزاماتها تجاه تونس.
وتعبّر أوروبا عن قلقها إزاء عدم إحراز تقدّم وانهيار محتمل للاقتصاد التونسي يمكن أن يزيد من تدفق المهاجرين نحو الشواطئ الأوروبية.
وتسجّل تونس -التي تبعد بعض سواحلها أقل من 150 كيلومترًا عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية- بانتظام محاولات المهاجرين، الذين غالبيتهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء، للوصول إلى السواحل الإيطالية.
وقال عمار إن مسألة الهجرة غير النظامية يجب حلها في إطار نظرة شاملة وعبر التطرق إلى جميع النقاط المتعلقة بها.
وأكد وزير الخارجية التونسي في مقابلة أجرتها قناة فرانس 24 الأربعاء أن تونس لن تقبل أن تكون حارسا لأوروبا أو جدارا يمنع الهجرة إلى هذه القارة، داعيا إلى إيجاد حلول لموجات الهجرة غير النظامية بالشراكة مع كل الأطراف.
ويرى مراقبون تونسيون أن موقف نبيل عمار عقلاني ومهم لتفهم أوروبا أن العلاقة مبنية على الندية والشراكة وتبادل المصالح وليس على التبعية.
وقال رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبدالكبير إن تونس ترفض المقاربة الأوروبية القائمة على لعب دور “خدمة الطوارئ”، أي جعلها تتدخل لإطفاء الحريق من دون تفاهمات واضحة.
وأضاف عبدالكبير في تصريح لـ”العرب” أنه “ليس أمام تونس إلا هذا الموقف، لأن غير ذلك سيحيلها إلى مشاكل تجميع المهاجرين وفتح المخيمات أمامهم، وهذا الموقف لن يقبله الشعب التونسي”.
وقالت نجاة الزموري، عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، “رفض وزير الخارجية أن تكون تونس حرسا للحدود، هو موقف يحسب للدولة التونسية، وتونس مطالبة بإيجاد حلول، لأننا نخشى أن يكون هناك رد قاس من الاتحاد الأوروبي على مستوى الشراكة مع تونس”.
◙ تصريحات نبيل عمار تؤكد أن تونس لا تطلب دعما دون مقابل، والمقابل موجود وتدفعه يوميا بالتصدي لموجات اللاجئين
وأكدت في تصريح لـ”العرب” أن “الموقف لا يكفي، ولا بد من تفعيله، خصوصا في ظل الوضع المالي الدقيق والأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحادة في البلاد”.
وطالبت الزموري أوروبا بـ”ضرورة إيجاد حلول للمهاجرين الذين يصلون إلى أراضيها، فضلا عن تحمل مسؤوليتها تجاه الدول الأفريقية بتقديم مساعدات اقتصادية ومشاريع استثمارية لتحسين منوال التنمية وتجاوز مشاكل البطالة”.
وتتخوف السلطات التونسية من أن تمضي الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا، في إستراتيجية ترحيل المهاجرين غير النظاميين، ومن بينهم الآلاف من التونسيين، في الوقت الذي تعاني فيه تونس من وضع اقتصادي حرج يحتاج إلى دعم من فرنسا وإيطاليا بدل اتخاذ خطوات مربكة مثل التمسك بعمليات الترحيل.
وتأتي هذه التخوفات بعد أن قال القنصل العام لفرنسا في تونس دومينيك ماس في تصريحات لإذاعة محلية تونسية إن سلطات الهجرة في بلاده أصدرت عشرة آلاف طلب ترحيل لتونسيين مقيمين بصفة غير شرعية على الأراضي الفرنسية خلال سنة 2022.
وفي مارس الماضي دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني في بروكسل إلى دعم تونس التي تواجه أزمة مالية خطرة من أجل تخفيف ضغط الهجرة.
وأشار ماكرون خلال مؤتمر صحفي إثر قمة أوروبية إلى “أن التوتر السياسي الكبير جدا في تونس والأزمة الاقتصادية والاجتماعية المستعرة في ظل غياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي (عوامل) مقلقة للغاية”، فيما قالت ميلوني “إذا لم نتعامل مع هذه المشاكل بشكل مناسب، فسيتهدّدنا خطر إثارة موجة هجرة غير مسبوقة”.
العرب