مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات) في العراق، المقررة في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، يزداد التوتر بين جناحي حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” الحاكم في مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق، وتحديداً بين بافل الطالباني، نجل مؤسس الحزب جلال الطالباني، ولاهور شيخ جنكي (ابن شقيق جلال الطالباني).
وجنكي كان الرئيس المشترك في الحزب قبل طرده، إلى جانب عدد من قيادات “الاتحاد الوطني”، في العام 2021، إثر خلافات حادة بين الطرفين تتعلق بقيادة الحزب. ويزداد التوتر بين الرجلين، مع سعيهما اليوم للسيطرة على أصوات الأكراد في السليمانية وضواحيها خلال الانتخابات المحلية.
ناجي هورامي: جنكي يسعى للسيطرة على الحزب عبر نتائج الانتخابات وعزل بافل نهائياً
وكان الحزب يدار منذ وفاة جلال الطالباني في 2017 بالشراكة بين بافل الطالباني، مدعوماً بوالدته هيرو إبراهيم أحمد (زوجة جلال الطالباني)، ولاهور شيخ جنكي، ابن شقيق الطالباني والقيادي الفاعل بالحزب. لكن في مطلع أغسطس/ آب 2021، قاد بافل الطالباني انقلاباً على لاهور شيخ جنكي وجرده من عدة مناصب، وأقصى عدداً من المحسوبين عليه، وأبرزهم قيادات أمنية حساسة في السليمانية.
وشهدت السليمانية، خلال العامين الماضيين، عدة مواجهات مسلحة بين قطبي الحزب، بعد تصاعد حدة الخلافات، التي تفجرت بإجراء تغييرات في المناصب الهامة بالمحافظة، تحديداً منصبي رئاسة “مؤسسة المعلومات”، ومؤسسة “مكافحة الإرهاب” في السليمانية، لكنها استمرت حتى سيطر بافل الطالباني على رئاسة الحزب وحده.
إعادة جنكي للرئاسة المشتركة لـ”الاتحاد”
إلا أن قراراً قضائياً أعاد لاهور شيخ جنكي إلى الرئاسة المشتركة للحزب، وهو ما لم يقبل به لغاية الآن بافل الطالباني، المدعوم إيرانياً، والذي يستمر باتهام واشنطن وأربيل بدعم خصمه في السليمانية، وهذا ما تسبب باتساع رقعة الخلافات.
بافل الطالباني في السليمانية، أكتوبر 2021(فريق فرج محمود/الأناضول)
تقارير عربية
قرار قضائي يؤجج الأزمة السياسية في إقليم كردستان
ويشكل “الاتحاد الوطني الكردستاني” ثقلاً واسعاً في إقليم كردستان وبغداد، لكن الانقسام بين نفوذ بافل ولاهور قد يؤدي إلى انتهاء الحزب، في الوقت الذي يتمدد فيه الحزب “الديمقراطي الكردستاني” في مناطق داخل معاقل “الاتحاد الوطني” التقليدية، وهي السليمانية وكركوك وحلبجة.
وظهرت نتائج ذلك بتراجع عدد مقاعد الحزب في الانتخابات البرلمانية الأخيرة من 20 إلى 15 مقعداً في البرلمان العراقي، ما ينذر باحتمال انهيار جديد في الانتخابات المحلية والانتخابات الخاصة ببرلمان الإقليم، التي من المتوقع أن تجرى في نوفمبر المقبل.
ويتمتع لاهور شيخ جنكي بشعبية واسعة بين الشباب، وكانت له أصوات مؤيدة داخل “الاتحاد الوطني”، وما زال يمتلك قاعدة كبيرة قد تؤثر على حجم أصوات الحزب في الانتخابات المقبلة.
جنكي يستعد لدخول الانتخابات المحلية
وقالت مصادر سياسية من حزب الاتحاد الوطني، لـ”العربي الجديد”، إن “شيخ جنكي يستعد لدخول الانتخابات المحلية في المحافظات العراقية التي تضم شرائح الأكراد، بالتحالف مع قوى مدنية، من ضمنها حركة أمارجي التي يتزعمها القيادي السابق في تيار الحكمة قصي محبوبة، إضافة إلى حركة سياسية كردية يقودها وزير الإعمار والإسكان الحالي بنكين ريكاني”.
وأضافت أن “شيخ جنكي يستعد أيضاً لحصد أكبر عدد من أعضاء مجلس نواب كردستان، من خلال إعادة تفعيل اتحادات الطلبة والصحافيين والعمال، التي كان بافل قد عطلها خلال الفترات الماضية، من أجل الإطاحة بالأخير واستعادة مكانته الطبيعية”.
وتحدث عضو فاعل في الحزب لـ”العربي الجديد”، طالباً عدم ذكر اسمه، عن أن “بافل الطالباني انتبه أخيراً إلى وضع الحزب وتراجع شعبيته، ما دفعه إلى بدء سلسلة اجتماعات مع المقربين من شيخ جنكي، وشخصيات أخرى فاعلة في الحزب، وفي الشارع الكردي بالسليمانية، في خطوة تهدف لتعويض خسائره على المستوى الحزبي والشعبي قبل الانتخابات”.
لاوان سليم: الصراع بين بافل الطالباني ولاهور شيخ جنكي يمكن اختصاره بأنه صراع على تركة جلال الطالباني
وأوضح أن “شيخ جنكي يسعى لتشكيل تكتل سياسي يضم مجموعة من أحزاب المعارضة في السليمانية لخوض منافسات الانتخابات في برلمان إقليم كردستان. كما باشر التنسيق مع قيادات في الاتحاد الوطني، أبرزهم رئيس الجمهورية السابق برهم صالح”.
من جهته، أشار ناجي هورامي، وهو سياسي قريب من عائلة الطالباني، إلى أن “الصراع في السليمانية بدأ بعد وفاة جلال الطالباني مباشرة، لكنه ما زال متنامياً. وتفاقم هذا الصراع مع الإقالات التي حصلت لقياديين وسياسيين في الحزب. كما أن التحالفات السياسية بين قطبي الحزب مع أطراف من خارج السليمانية أدت إلى تعقيد المشهد أكثر”.
لاهور يحاول عزل بافل نهائياً
وأوضح هورامي، لـ”العربي الجديد”، أن “المرحلة المقبلة قد تكون متوترة أيضاً، خصوصاً أن لاهور شيخ جنكي يرفض العودة إلى رئاسة الحزب بالاشتراك مع بافل، ويسعى إلى السيطرة على الحزب عبر نتائج الانتخابات وعزل بافل نهائياً”.
وأضاف هورامي أن “بافل الطالباني يعمل على محاصرة لاهور سياسياً من خلال منع التحالف مع جهات سياسية عراقية قوية، لأن الأخير على تفاهم مع كيانات عراقية مهمة، من بينها التيار الصدري وعمار الحكيم وحيدر العبادي، إضافة إلى أحزاب عربية سنية، ويتمتع بعلاقات طيبة مع الأحزاب والقوى السياسية الجديدة والناشطين في بغداد”.
ولفت إلى أن “الاتحاد الوطني يشهد تشظياً كبيراً في السليمانية، وسيتسع هذا التشظي خلال الأشهر المقبلة، لأن قطبي الحزب يريدان خوض الانتخابات تحت عنوان الحزب الواحد، وهذه مشكلة قد تؤدي إلى إرباك حقيقي في الوضع السياسي للحزب”.
صراع على تركة جلال الطالباني
أما الناشط السياسي الكردي لاوان سليم فقد بيَّن أن “الصراع بين بافل الطالباني ولاهور شيخ جنكي، يمكن اختصاره بأنه صراع على تركة جلال الطالباني، والشعب الكردي في السليمانية يعرف جيداً أن الوريث الحقيقي هو شيخ لاهور، الذي كان مساعداً ورفيقاً للطالباني الأب، فيما بافل الطالباني وأخوه قوباد كانا يقيمان في أوروبا بتلك الفترة. حتى أنهما حين عادا إلى السليمانية بعد وفاة والدهما، كانا لا يفقهان الكثير عن الوضع الكردي الداخلي”.
وبرأي سليم، في حديث مع “العربي الجديد”، فإن “غالبية الشعب الكردي في السليمانية تقف إلى جانب لاهور شيخ جنكي، لكن هذا لا يظهر بسبب السلاح المنتشر في المدينة”.
ولفت سليم إلى أن “هناك غضباً متنامياً من أكراد السليمانية تجاه بافل الطالباني، الذي صار يتأثر بالخطاب الإيراني والتشدد الديني الذي تباركه الجماعات المسلحة “الولائية” التي يتحالف معها بافل، وتحديداً “عصائب أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي، الذي يعد أبرز حلفاء بافل الطالباني”.
وأضاف أن “قوباد الطالباني ليست لديه تأثيرات قوية كما هو الحال مع بافل، لكنه يمارس نشاطات سياسية عميقة، لأنه يطمح أن يكون رئيساً لجمهورية العراق خلال الحكومات المقبلة، خصوصاً أن أحزاباً شيعية أعلنت أنها لا تمانع هذا التوجه”.
وأُسّس حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني”، في الأول من يونيو/ حزيران 1975 في دمشق، على يد عدد من الناشطين والسياسيين الأكراد، بينهم جلال الطالباني وفؤاد معصوم وعادل مراد. ويعرّف الحزب نفسه بأنه “حزب اشتراكي ديمقراطي لشعب كردستان العراق”.
العربي الجديد