نشرت مجلة “فورين أفيرز” في الشهر الماضي مقالة بعنوان “واقع الدولة الواحدة في إسرائيل: حان الوقت للتخلي عن حل الدولتين” وطلبت من عدة خبراء إرسال ردود فعلهم. ترد ما يلي مساهمة روبرت ساتلوف التي ظهرت في العدد الجديد.
لا بد من تهنئة مجلة “فورين أفيرز” على نشرها هذه المقالة المتحيزة بامتياز، التي كتبها مايكل بارنيت وناثان براون ومارك لينش وشبلي تلحمي، لأنها تكشف النقاب عن الحجة الأكاديمية الزائفة التي يقدمها كاتبوها ليظهروا أن المقالة ليست أكثر من مجرد دعوة سياسية.
لماذا تُعتبر هذه المقالة دعوة سياسية وليس مقالة أكاديمية؟ لأنها، في حرصها على تسويق شعار “واقع الدولة الواحدة”، لا تأتي على ذكر الحدود المحكمة القائمة بين إسرائيل وغزة التي تسيطر عليها حماس، والمناطق الحضرية التي تسيطر عليها السلطات الفلسطينية في الضفة الغربية. فليس من المستحيل فحسب على أي شخص، أإسرائيليًا كان أو فلسطينيًا أو مواطنًا من دولة أخرى، اجتياز طول وعرض هذه الدولة الواحدة المفترضة، بل من الخطير جدًا لأي كان أن يحاول مثل هذا الفعل. وتتجنب المقالة لإثبات قضيتها ذكر الحقائق غير الملائمة، مثل التقدم المثير للإعجاب الذي أحرزه العرب الإسرائيليون داخل المجتمع الإسرائيلي في العقود الأخيرة ورفض استعمال عبارة “الفصل العنصري” من قبل الكثير من الشخصيات العربية البارزة على جانبي “الخط الأخضر”، بما في ذلك عضو الكنيست منصور عباس، والناشط الحقوقي باسم عيد، وناشط السلام محمد الدجاني. كما أن المقالة تستخف بالديمقراطية في دولة إسرائيل، وهي أقدم من ديموقراطيات نصف دول الاتحاد الأوروبي تقريبًا، وتشير بشكل عابر ليس إلا إلى الحيوية الملحوظة للمجتمع المدني في البلد، والتي أكدتها الاحتجاجات الضخمة التي بدأت في أوائل عام 2023 في كل أنحاء إسرائيل ضد الإصلاحات القضائية المقترحة. ولم تشر المقالة، حتى إشارة واحدة، إلى صواريخ حزب الله أو حماس، أو إلى قنبلة إيران النووية المحتملة، وتترك القارئ، الذي يعتبره كاتبو المقالة جاهلًا، يتساءل عما إذا كان جيران إسرائيل هم بلدان مثل أندورا وليختنشتاين وسويسرا.
وتتكلم المقالة كثيرًا عن تراجع دبلوماسية السلام بعد فشل قمة كامب ديفيد في عام 2000، بما في ذلك توجه إسرائيل نحو اليمين السياسي ردًا على التفجيرات الانتحارية التي نفذت أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية، والتأثير الواضح لهذه التطورات على المواقف الأمريكية تجاه إسرائيل. إلا أننا إذا دققنا في المقالة نجد أنها لا تعني نفسها بالقضية الفلسطينية على الإطلاق. ففي الحكاية الطويلة التي يرويها كاتبوها، يظهر الفلسطينيون على المسرح السياسي في مشهد قصير وسريع كأناس لا يتحملون مسؤولية قراراتهم أو مصائرهم.
إن الهدف الحقيقي من هذه المقالة هو استهداف وجود إسرائيل كدولة يهودية، لم تحددها الأحداث في فلسطين فحسب، التي كانت تسيطر عليها بريطانيا في العقود الأولى من القرن العشرين، بل كذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي وافقت عليه في تشرين الثاني/نوفمبر 1947 أغلبية كبيرة من دول العالم المستقلة، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. فقد كتب أصحاب المقالة في المقطع الأكثر دلالة وكشفًا أن “التزام إسرائيل بالليبرالية كان دائمًا هشًا”. كما قالوا إن “إسرائيل كدولة يهودية، تعزز شكلًا من أشكال القومية الإثنية بدلًا من القومية المدنية”. وتصب هذه الحجة بسهولة في إطار النصيحة السياسية القائلة بأن “ممارسة الولايات المتحدة لسياسة أفضل ستحقق المساواة وستمنح المواطنة وحقوق الإنسان لجميع اليهود والفلسطينيين الذين يعيشون داخل الدولة الواحدة التي تهيمن عليها إسرائيل”.
إذا وضعنا جانبًا الغضب من سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين، والتي تكثر الانتقادات بشأنها، سيصبح هدف المقالة واضحًا للعيان، ألا وهو تصوير إسرائيل نفسها كدولة غير شرعية، دولة ولدت بالخطيئة الاستعمارية ونشأت حتى النضج كدولة عرقية قومية غير ليبرالية لا تستحق الإدانة فحسب، بل الاستبدال. وبقدر ما يحاول كاتبو المقالة أن يُلبسوا خيارهم البديل ثوب الحقوق المدنية، لا مفر من اعتبار حلهم الذي يلغي الدولة اليهودية الوحيدة في العالم دعوة حمقاء.
ولحسن الحظ، لا يدعم الشعب الأمريكي، الذي ينتخب باستمرار رؤساء وأعضاء مجلس شيوخ وممثلين من كلا الحزبين يدعمون وجود دولة يهودية مزدهرة، فكرة تدمير إسرائيل. ويبدو أن كاتبو المقالة مغتاظون جدًا من الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي يفخر بتسمية نفسه صهيونيًا ويبدو “ملتزمًا تمامًا بالوضع الراهن”، الذي يتضمن دعم الولايات المتحدة لدولة يهودية قوية ولحل تفاوضي محتمل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وتجدر الإشارة هنا إلى أن “صفقة القرن” التي طرحها سلفه الجمهوري، على الرغم من عيوبها من نواح كثيرة، تدعو إلى إنشاء دولة فلسطينية، إلى جانب دولة إسرائيل، في معظم الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967.
وكانت كل من واشنطن وموسكو قد رفضت، من 75 عامًا، وجهات النظر التي عبرت عنها المقالة، كما رفضها عدد من الدول العربية التي تعيش الآن في سلام مع إسرائيل، الأمر الذي لم يكن من الممكن تصوره في السابق. بالإضافة إلى ذلك، سيتم رفض هذه الأفكار من قبل بايدن والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وهما زعيمان لا يتفقان على الكثير. كل هذا يدل على مدى هامشية أفكار المقالة. ومع ذلك، فإنها لا تزال تثير القلق. ففي نهاية الأمر، هؤلاء الكتاب يدرسون في أهم جامعات أمريكا.
ولا يمكن الإنكار أنهم على حق في أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تضم بعض المتطرفين ذوي الأفكار المفعمة بالكراهية، وأن المجتمع الإسرائيلي لا يزال يتصارع مع قضايا الهوية الأساسية، وأن الإسرائيليين مثلهم مثل الفلسطينيين يعانون من شح القيادة الفعالة. ولكن كما يعلم الأميركيون جيدًا، هاتان القضيتان الأخيرتان ليستا فريدتين من نوعهما في الشرق الأوسط، ومن المرجح أن تتطور الحلول لهما على مدى السنوات. أما بالنسبة إلى القضية الأولى، فبعد 37 حكومة إسرائيلية في 75 عامًا، تبدو سخرية “مارك توين” من أحوال الطقس في منطقة “نيو إنجلاند” الأمريكية تشبيهًا مناسبًا لهذا الوضع: إذا كنت لا تحب حكومة الائتلاف الإسرائيلية، فانتظر بضعة أشهر. ولكن يبدو أن كاتبي المقالة يملكون تشخيصًا وعلاجًا مختلفَين تمامًا. من وجهة نظرهم، الدولة اليهودية نفسها هي المشكلة، والتخلص منها هو الحل. دعونا نسمي اقتراحهم بمسماه الحقيقي: الحل الذي يدعو إلى إنهاء إسرائيل.
روبرت ساتلوف
معهد واشنطن