الرياض/الخرطوم – دعت الرياض وواشنطن طرفي النزاع في السودان للعودة إلى طاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار جديد، قبل يومين من زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى السعودية، في وقت يواصل الجيش التصعيد العسكري مستهدفا بطائراته الحربية المباني الآهلة بالسكان، دون الاكتراث بحجم الكارثة الإنسانية، بينما تمكنت قوات الدعم السريع من إسقاط طائرة هاجمت مواقعها.
واستيقظ سكان الخرطوم على أصوات سقوط قنابل وتبادل نيران أسلحة ثقيلة مع دخول الحرب أسبوعها الثامن، فيما ذكرت وسائل إعلام محلية أن إقليم دارفور المتاخم لتشاد هو أيضا مسرح قتال عنيف بين الفصائل المتحاربة.
وبحسب بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية “واس” الأحد، ما زال وفدا القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع “موجودين في مدينة جدة، رغم تعليق المحادثات وانتهاء وقف إطلاق النار لمدة خمسة أيام”.
وقال البيان إنّ “الميسرَيْن (السعودية والولايات المتحدة) على استعداد لاستئناف المحادثات الرسمية”، كما يدعوان “الطرفين إلى اتفاق على وقف إطلاق نار جديد، وتنفيذه بشكلٍ فعال بهدف بناء وقف دائم للعمليات العسكرية”.
وجاءت الدعوة السعودية-الأميركية غداة قصف جوي ومدفعي هز الخرطوم السبت بغياب أي أفق للتهدئة في نزاع يواصل حصد الضحايا الذين أعلن الهلال الأحمر السوداني دفن 180 منهم من دون التعرف على هوياتهم.
وقالت قوات الدعم السريع في بيان نشرته عبر صفحاتها على فيبسوك وتويتر إن طيران الجيش شن غارات على مواقع تابعة له في منطقة بحري التابعة للعاصمة، مشيرا إلى أنه أسقط طائرة “ميغ” للجيش السوداني.
وزادت حدة المعارك في الأيام الماضية بعدما لاقت الهدنة الموقتة التي أبرمت بوساطة سعودية-أميركية بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، مصير سابقاتها بانهيارها بشكل كامل.
ومنذ اندلاع النزاع في 15 أبريل، لم يفِ الجانبان بتعهدات متكررة بهدنة ميدانية تتيح للمدنيين الخروج من مناطق القتال أو توفير ممرات آمنة لإدخال مساعدات إغاثية.
وقتل أكثر من 1800 شخص منذ اندلاع المعارك منتصف أبريل، وفق مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها.
الا أن مسعفين ووكالات إغاثة ومنظمات دولية حذّروا مرارا من أن الأرقام الفعلية للضحايا أعلى بكثير، نظرا لوجود جثث في مناطق يصعب الوصول إليها، أو لعدم قدرة بعض المصابين على بلوغ المراكز الطبية للعلاج.
وكان الجيش أعلن الأربعاء تعليق مشاركته في محادثات جدة واتهم قوات الدعم بعدم الإيفاء بالتزاماتها باحترام الهدنة والانسحاب من المستشفيات والمنازل. وأعقب ذلك تأكيد الوسيطين السعودي والأميركي تعليق المحادثات رسميا.
تبدأ زيارة بلينكن إلى المملكة في السادس من يونيو وتنتهي في الثامن منه.
وكانت الولايات المتحدة أبدت استعدادها لاستئناف المحادثات في جدة مع قادة المعسكرين المتحاربين في السودان في حال توافرت نيات “جدية” على صعيد الالتزام بوقف النار.
والخميس، أعلن البيت الابيض أن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات اقتصادية جديدة وقيودا على التأشيرات “بحق الاطراف الذي يمارسون العنف” في السودان، وذلك بعد انسحاب الجيش من المفاوضات الأخيرة مع قوات الدعم السريع واتهامه بقصف منطقة سوق قديم في العاصمة.
وباتت ظروف الحياة صعبة في العاصمة حيث قطعت المياه عن أحياء بأكملها ولا تتوافر الكهرباء سوى لبضع ساعات في الأسبوع، فيما توقفت ثلاثة أرباع المستشفيات في مناطق القتال عن العمل ويعاني السكان لتوفير المواد الغذائية.
والوضع مروع بشكل خاص في إقليم غرب دارفور الذي يقطنه نحو ربع سكان السودان ولم يتعافَ من حرب مدمرة استمرت عقدين وخلفت مئات الآلاف من القتلى وأكثر من مليوني نازح.
وقتل مئات من المدنيين وأضرمت النيران في القرى والأسواق ونُهبت منشآت الإغاثة مما دفع عشرات الآلاف إلى البحث عن ملاذ في تشاد المجاورة.
وفي مقابل الوساطة السعودية-الأميركية ومباحثات جدة، تعمل أطراف أخرى على محاولة ايجاد حلّ للأزمة، مثل الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) المؤلفة من ثماني دول بينها كينيا التي استضافت السبت مستشار قائد قوات الدعم يوسف عزت.
وأكد الرئيس الكيني وليام روتو بعد استقباله عزت التزام بلاده “الوقف العاجل للأعمال الحربية في السودان”.
من جهتها، أشارت قوات الدعم في بيان الى أن الزيارة تأتي “في إطار جولة تشمل عدداً من الدول الشقيقة والصديقة لشرح تطورات الأوضاع في السودان”.
وقال البيان إن “عزت قدم شرحاً وافياً للرئيس وليم روتو حول أسباب الحرب والأوضاع الراهنة بالبلاد وتمليك كافة المعلومات الحقيقية بشأن دوافعها والمتورطين في إشعالها”.
وأكد عزت دعم قوات الدعم السريع لمنبر جدة بمبادرة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وتطويره بما يحقق الوقف الدائم لإطلاق النار وبدء التفاوض السياسي. وفق البيان.
ولفت البيان إلى أن اللقاء بحث أيضاً الدور الأفريقي وإمكانية تركيز كل الجهود الإقليمية والدولية للحل السياسي، مشيراً إلى أن رؤية قوات الدعم السريع تشدد على ضرورة أن تعالج أسباب الحرب من جذورها بما يعيد السودان للمسار الديمقراطي بمشاركة واسعة للسودانيين في تشكيل مستقبل البلاد.
وأعلنت قوى “الحرية والتغيير” (الائتلاف الحاكم السابق) بالسودان، الأحد، إرسالها خطابات إلى 5 دول مجاورة للبلاد، ناشدتهم فيها بتسريع إجراءات دخول اللاجئين السودانيين المتكدسين أمام الحدود المشتركة.
وقالت “الحرية والتغيير”، في بيان، إنها أرسلت خطابات لوزراء خارجية دول الجوار، مصر وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا، توجهت فيها بالشكر “على استقبالهم للسودانيين الذين نزحوا من جحيم الحرب عبر حدودهم البرية مع السودان”.
وأضافت أنها ناشدت في الخطابات بـ”تسهيل وتسريع إجراءات الدخول لتفادي المصاعب الإنسانية التي تواجه الأعداد الكبيرة من السودانيين المتكدسين أمام مراكز عبور الحدود المشتركة ومن بينهم أطفال ونساء ومرضى وكبار سن”.
وشددت على أن أهمية هذه القضية ضمن قضايا أخرى تتصل بالمعاناة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوداني على إثر الصراع المتواصل منذ 15 أبريل الماضي.
وأكدت “الحرية والتغيير” أنها لن تدخر جهدا “من أجل معالجة القضايا الإنسانية كأولوية عاجلة”.
وفي 24 مايو الماضي، أعلن المفوض الأممي السامي لشؤون للاجئين فيلبو غراندي، في تغريدة، “فرار أكثر من 300 ألف شخص من السودان إلى البلدان المجاورة”.
وذكرت الأمم المتحدة بتقرير نشرته في 17 مايو الماضي، أن “نحو 25 مليون شخص يمثلون أكثر من نصف سكان السودان بحاجة للمساعدات الإنسانية”.
وذكرت قوى “الحرية والتغيير”، في بيانها اليوم الأحد أنها “تواصل الجهود لوقف الحرب والتوصل لحل سياسي مستدام يعبر به الشعب السوداني إلى وطن الحرية والسلام والعدالة والاستقرار والرخاء”.
وأتى ذلك في يوم أحيا السودانيون الذكرى الرابعة لفضّ اعتصام مطالِب بحكم مدني قرب المقر العام للجيش في الخرطوم في الثالث من يونيو 2019، قضى خلاله 128 شخصا على الأقل، بعد أشهر من انقلاب عسكري أطاح حكم الرئيس السابق عمر البشير.
واعتبرت السفارة الأميركية في الخرطوم في بيان نشرته عبر تويتر أن الذكرى تحلّ على السودانيين في وقت “تغرق بلادهم بمأساة سرقت بالفعل الكثير من الأرواح، ويجب أن تتوقف”.
واعتبرت السفارة التي أجلت طاقمها كغيرها من البعثات الأجنبية في المراحل الأولى من المعارك، أن استمرار القتال “يهدد شعب السودان باحتمال نزاع طويل الأمد ومعاناة واسعة الانتشار على يد القوات الأمنية التي تفترض مهامها أن تحمي مواطنيها لا أن تضعهم في خطر”.
وكان مجلس الأمن الدولي مدّد الجمعة لستة أشهر المهمة السياسية للأمم المتحدة على رغم اتهام البرهان للمبعوث فولكر بيرتيس بالإسهام في تأجيج النزاع والمطالبة باستبداله.
ووافق المجلس على تمديد تفويض “بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان” حتى الثالث من ديسمبر 2023. ويعكس اقتصار تمديد التفويض على هذه المدة القصيرة مدى دقة الأوضاع في البلاد.
وأكد الأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش “ثقته التامة” ببيرتيس.
العرب