قالت وزارة الدفاع الروسية إن القوات الأوكرانية بدأت عملية عسكرية كبيرة في منطقة دونيتسك على الجبهة الشرقية من معارك تدخل شهرها الـ16 منذ الاجتياح الروسي لمناطق واسعة من أوكرانيا، في حين أوصى بالصمت مقطع فيديو نشرته وزارة الدفاع الأوكرانية في إشارة إلى اعتماد التكتم على تفاصيل الأعمال القتالية.
وليس من الواضح حتى الساعة ما إذا كانت العملية التي تشير إليها المصادر الروسية هي المرحلة الأولى من الهجوم المضاد الشهير الذي لوّحت به أوكرانيا مراراً، وتضاربت التقديرات حول السيناريوهات التي سيتخذها والمناطق التي سوف يستهدف إرجاعها من قبضة الاحتلال الروسي. وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد أبلغ صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية بأن بلاده «جاهزة للقيام بهجوم مضاد» وتجنّب الإفصاح عن زمن العمليات أو نطاقها الميداني، لكنه ألحّ على حاجة كييف إلى مزيد من الأسلحة وخاصة منظومات الدفاع الجوي «باتريوت».
من جانبه أعرب مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان عن اليقين بأن الهجوم المضاد الذي تعتزم أوكرانيا الشروع فيه سيسفر عن استعادة مناطق هامة استراتيجياً، مشدداً على أن واشنطن سوف تساعد كييف على «تحقيق أكبر مقدار ممكن من التقدم في ساحة المعركة» بما يتيح لأوكرانيا فرصة أفضل على طاولة مفاوضات السلام المقبلة. وفي فنلندا، التي انضمت حديثاً إلى الحلف الأطلسي، أسهم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في ترجيح خيار الهجوم المضاد حين اعتبر أن أي وقف لإطلاق النار لن يكون مناسباً لأوكرانيا، وتعزيز كييف عسكرياً هو المدخل الوحيد نحو «سلام حقيقي».
وإذا كانت البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع الروسية تؤكد صد الهجوم الأوكراني المضاد في 5 قطاعات جنوب دونيتسك ضمن مقاطعة دونباس، فإن تصريحات يفغيني بريغوجين قائد مرتزقة «فاغنر» التي تقاتل في مدينة باخموت لا تعكس الكثير من علائم التفوق العسكري الروسي، بل تحذر من مخاطر تقدم القوات الأوكرانية ضمن اتجاهات عديدة في وقت واحد لقطع التواصل مع دونيتسك ولوغانسك المواليتين لموسكو. هذا إلى جانب التخبط الذي يعكسه التراشق اللفظي والإهانات بين بريغوجين وكل من سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي وفاليري غيراسيموف قائد القوات الروسية المشتركة في أوكرانيا.
وقد تسير هذه العناصر في صالح الهجوم المزعوم الذي يُنسب اليوم إلى الجيش الأوكراني، خاصة إذا وُضعت أيضاً في سياقات أعرض ذات صلة بالتعثر الواضح الذي باتت تتسم به المغامرة العسكرية الروسية في أوكرانيا من جهة أولى، واستمرار الدعم الأمريكي والأوروبي والأطلسي لأوكرانيا على أصعدة عديدة تشمل تدفق الأسلحة والمساعدات المادية واللوجستية والاستخباراتية من جهة ثانية.
ولكن من الصحيح كذلك أن المدنيين في سائر المناطق الأوكرانية هم أول الضحايا وأكثر من يدفع الأثمان الباهظة جراء هذه الحرب المستعرة، خاصة إذا تذرع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالهجوم الأوكراني المضاد فأدخل المزيد من الأسلحة الأكثر فتكاً وتدميراً، أو أسفر الاحتكاك مع الجوار إلى إشعال حرائق إضافية في منطقة صارت أقرب إلى برميل بارود في حاضنة نووية.
القدس العربي