تلقّفت طهران إعلان السعودية اتفاق مصالحة معها، وما تبعه من كشف الإمارات عن تعليق مشاركتها من «التحالف الأمني البحري» الذي تقوده أمريكا ويضم عشرات الدول لحماية أمن الخليج العربي، فأعلن الأدميرال شهرام إيراني، قائد القوات البحرية الإيراني عن إمكانية تشكيل تحالف بحري جديد بين إيران ودول الإقليم، مثل السعودية والإمارات وقطر والبحرين والعراق، وهو ما سيؤدي لسقوط مبرر وجود قوات أجنبية لحماية أمن الملاحة، كما يسهم، كما قال موقع «العالم» الإيراني، في «تهميش الكيان الصهيوني» واقترح الأدميرال أن يتوسع التحالف ليضم الصين وروسيا والهند وباكستان.
سارع تيموثي هوكينز، المتحدث باسم الأسطول الأمريكي الخامس و«القوات البحرية المشتركة» للرد على القائد الإيراني بالقول إن هكذا تحالف «أمر غير منطقي ويتحدى العقل» فإيران، حسب قوله، هي المسؤول الأول عن عدم الاستقرار الإقليمي، فكيف يمكن أن تشكل «تحالفا أمنيا بحريا لحماية المياه التي تهددها» مشيرا، في الوقت نفسه، إلى أن أبو ظبي، «تظل شريكا» في القوة رغم تعليقها المشاركة.
ساهم هذا التطوّر الآنف، بلا شك، في توجه وزير خارجية أمريكا، أنتوني بلينكن، إلى السعودية في يوم الثلاثاء الماضي، وهو يوم إعادة فتح السفارة الإيرانية في الرياض، في زيارة لثلاثة أيام، التقى فيها وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان لمدة ساعة و40 دقيقة في محادثات وصفها مسؤول أمريكي بـ«المنفتحة والصريحة».
كانت زبدة المقال فيما يخص الرد على إيران في بيان وزارة الخارجية الأمريكية حول الزيارة التأكيد على «الشراكة الأمنية بين البلدين قائمة على اهتمام مشترك بأمن منطقة الخليج ومنع أي قوة أجنبية أو إقليمية من تهديد المنطقة».
حسب وكالة رويترز للأنباء فإن زيارة بلينكن لم تحظ بتغطية تذكر في وسائل الإعلام التابعة للسعودية، حيث لم تنشر أخبار هذه الزيارة إلا في صفحات داخلية في صحيفتي «الوطن» و«عكاظ» فيما احتل خبر وصول نجم كرة القدم الفرنسي كريم بنزيمة إلى جدة أخبار الصفحات الأولى، في إشارة واضحة إلى أن التوتر ما زال عاليا، وأن الود ما زال مفقودا بين إدارتي البلدين.
يمكن اعتبار موضوع أمن ملاحة الخليج، والامتعاض من ضعف ردود فعل الولايات المتحدة الأمريكية حول حوادث اعتراض طهران لناقلات نفط وغيرها أحد أسباب التقارب مع إيران، وهو ما أضاف عنصرا جديدا إلى أسباب الغضب الأمريكي من الرياض، لكنّ القائمة في هذا الموضوع تطول، ومن ذلك قضايا أسعار النفط وحقوق الإنسان، وكذلك الضغوط الأمريكية المستمرة ليس لإقامة تطبيع مع إسرائيل فحسب، بل لاستدخالها ضمن معادلة الأمن البحري الخليجي.
يدرس مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون لتأسيس استراتيجية بحرية تتضمن حلفا يرد على «الإرهاب البحري في الشرق الأوسط» وهو مشروع يحتاج لتحقيقه حلفا إقليميا يضمن تحقيق المصالح الأمريكية، بما يخص الانتقال من القيادة الأوروبية، إلى القيادة الوسطى، في اتجاه الشرق الأقصى، مع احتمال مواجهة عسكرية كبرى مع الصين.
وترى صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن هناك فرصة مهمة لإسرائيل في هذا السياق، تسمح لها بأن تصبح «لاعبا مركزيا» في خلق هذا الحلف البحري الذي يقوده الأسطول الخامس، الذي توجد قيادته في البحرين، وضمن القضايا الكثيرة التي تذكرها المقالة تورد الجريدة هذه العبارة: «تفعيل حملات جوية وبرية من البحر» وهي جملة تخص على الأغلب، ضمن الأجواء العسكرية الراهنة في المنطقة، إيران.
يمكن فهم لماذا تعتبر واشنطن أن التحالف الإيراني ـ الخليجي «يتحدى العقل» لكن استنكافها عن حماية أمن الخليج رغم وجود قيادة أسطولها الخامس الجرار في البحرين، وترويجها لفكرة وجود إسرائيل ضمن ذلك التحالف البحري، وضغوطها الشديدة على السعودية للتطبيع «المجاني» في الوقت الذي يواجه فيه الفلسطينيون خططا هائلة لتدمير وجودهم المادي والثقافي، أمور «تتحدى العقل» والمنطق فعلا.
القدس العربي