إيران وسياسة الاستثمار والتهدئة

إيران وسياسة الاستثمار والتهدئة

بتاريخ 11 حزيران 2023 أعلن المرشد الأعلى علي خامنئي وخلال زيارته لمعرض الإنجازات النووية في العاصمة الإيرانية طهران(ان لا مشكلة في إبرام إتفاق نووي ولكن لا ينبغي المساس بالبنية التحتية للصناعات النووية الإيرانية ولا يجوز انتهاك قانون رفع العقوبات الاستراتيجي الذي أقره البرلمان الإيراني والحفاظ على التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إطار هذه الضمانات ) .
يأتي الحديث في سياق السياسة التي يتبعها النظام الإيراني في استثمار الجوانب الإيجابية التي أفضى إليها الاتفاق السعودي الايراني والعمل بموجب التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وطبيعة التحالفات السياسية والتجاذبات الإقليمية التي بدأت تأخذ مساراً واضحاً في الابتعاد عن أي مواجهات عسكرية واتباع سياسة التهدئة والحوار الدبلوماسي وتحقيق الغايات والأهداف التي تجتمع عليها جميع الأطراف الدولية والإقليمية وإتباع السبل الكفيلة بحل الأزمات والمنازعات التي طالما عانت منها المنطقة العربية ومحاولة إيجاد طرق ووسائل تساهم في تعزيز هذا المنحى الحديد والسلوك السياسي في الابتعاد عن سياسة الممانعة والتسويف والرؤوس الحامية الداعية إلى تصعيد المواقف وعدم الوقوف على مسارات تساعد على تهدئة الأوضاع وخل المعوقات .
تزامن هذا التصريح من أعلى سلطة سياسية في المشهد السياسي الإيراني ولديها القرار النهائي في رسم ملامح العلاقات الخارجية والسياسة الدولية مع الزيارة التي قام بها سلطان عمان (هيثم بن طارق) إلى إيران في 28 من أيار 2023 ولقائه مع علي خامنئي لحلحة الجمود القائم في مفاوضات البرنامج النووي الإيراني وبعد اللقاء الذي تم في مسقط من قبل القيادة العمانية بالمبعوث الأمريكي للمنطقة(بريت ماكفورك) في شهر أيار من هذا العام وبحث مسألة التواصل الدبلوماسي مع النظام الإيراني وفتح باب الحوار في مفاوضات جزئية أو مرحلية حول إيجاد أولويات لاتفاق قادم بشأن البرنامج النووي الإيراني.
ان تصريحات المرشد علي خامنئي رسالة واضحة للإدارة الأمريكية التي لا زالت تطالب بإطلاق سراح مواطنين امريكين محجوزين لدى السلطات الايرانية والتي تم بحثها أثناء اللقاء الذي تم بين المبعوث الأمريكي للملف الإيراني(روبرت مالي) والسفير الإيراني في الأمم المتحدة وهو أول لقاء بين الجانبين منذانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي عام 2018 ، كما وان استجابت إيران للتعاون مع الأطراف الدولية هي ثمرة زيارة رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية(رافائيل غروسي) لإيران بداية شهر آذار 2023 .
يشير المرشد الأعلى علي خامنئي إلى ضرورة تنفيذ شرط رفع العقوبات عن نظامه والذي أقره البرلمان الإيراني لكي تعمل الوكالة الوطنية الإيرانية للطاقة الذرية على تسليم تسجيلات كاميرات المراقبة في المنشآت النووية والتي هددت بمسحها اذا لم يتأخذ قرار برفع العقوبات الاقتصادية وبعد أن اقرت الوكالة الدولية إن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بلغ حتى الثالث عشر من أيار 2023 (4744) كغم وانه بالإمكان انتاج قنبلة نووية بإستخدام(114,1) كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إضافة إلى تقرير آخر للوكالة نشر في 22 أيار 2023 يشير إلى تشيد منشأة نووية تحت الأرض في جبال زاغروس وسط إيران مخصصة لتصنيع أجهزة الطرد المركزي وتخصيب اليورانيوم.
وبقراءة أكثر وضوحا للمعاني والمفاهيم التي جاءت في حديث علي خامنئي يمكن أن نؤشر المنهج القائم والمتبع من قبل القيادة الإيرانية التي بدأت تبتعد قليلا عن نهج التصعيد والابتعاد عن سياسة دفع الاثمان الباهضة التي ارتقت هيكلية النظام الإيراني ومؤسساته السياسية والاقتصادية والأمنية بالعديد من الأزمات التي يواجهها المجتمع الإيراني ومنها الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت منتصف شهر أيلول 2022 ، ولهذا فإن النظام الإيراني يعمل جاهدا على التعامل الجدي والقبول بالحوار وعودة المفاوضات والاستعداد لتنفيذ شروط مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد أن أكد التقرير الاخير لها (بأن إيران لا زالت مستمرة في منع مفتشي الوكالة من مراقبة أجزاء من أنشطتها النووية في الوقت الذي تسارعت الإجراءات لإنتاج القنبلة النووية ) .
يبقى القرار السياسي الإيراني المؤشر الحقيقي لمدى صدق ونوايا النظام في تعامله مع الوكالة الدولية وحرصه على إعادة الحوار والجلوس إلى طاولة المفاوضات مع جميع الأطراف المعنية .

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية