أمريكا لا يمكنها التخلي عن تركيا.. وعليها تجنب إغضاب رئيسها وشكره على عدم تغيير سياسته

أمريكا لا يمكنها التخلي عن تركيا.. وعليها تجنب إغضاب رئيسها وشكره على عدم تغيير سياسته

نشر موقع “ذي هيل” مقال رأي لدونالد كيرك الصحافي الذي غطى قضايا الشرق الأوسط منذ ستين عاما ويتابع الشؤون الكورية الجنوبية حاليا، قال فيه إن الولايات المتحدة لا يمكنها إدارة ظهرها لتركيا.

 وقال فيه إن إعادة انتخاب رجب طيب أردوغان لولاية ثالثة مدتها خمس سنوات، ترسل تحذيرا واضحا للولايات المتحدة والناتو: كونوا حذرين في التعامل مع تركيا التي تتحرك بين الصداقة مع روسيا والدعم العالي لأوكرانيا في حربها مع روسيا.

وعلق أن انتصار أردوغان كان ضيقا بنسبة 52% مقارنة مع 48% لمنافسه كمال قليجدار أوغلو، ومن المتوقع أن يبني أردوغان سمعته كرجل قوي وفي الوقت نفسه خط طريقا محايدا بين روسيا والغرب. ففي ظل حماسته المنقطعة النظير لبناء تركيا كقوة وجسر بين الشرق والغرب والشرق الأوسط، فمن المخاطرة أن يتوقع منها أن تقدم دعما غير مشروط مطلوبا من الدول الحليفة في الناتو. وعلى الأمريكيين التعامل مع أردوغان برفق، وعدم إغضابه من خلال النقد الكثير لميوله الديكتاتورية وإظهار احترام لرغبته في اتباع الخط الوسط في دوامة من التيارات السياسية والدبلوماسية والعسكرية.

وقال الكاتب إن علاقة الأمريكيين مع تركيا معقدة جدا بوجود حوالي 5.000 جندي أمريكي وطائرات أمريكية و50 قنبلة نووية في القواعد العسكرية التركية. ويعود الاتفاق عندما كانت تركيا عضوا متحمسا بالناتو ولكنها في مركز المصاعب بين تركيا والولايات المتحدة. وتتراوح المشاكل من دعم واشنطن للمقاتلين الأكراد الذين يريدون دولة مستقلة في أجزاء من تركيا وسوريا إلى إصرار تركيا على شراء النظام الصاروخي أس- 400 الروسي والحصول على مقاتلات أف-16 من أمريكا. وأصبح أردوغان لاعبا محترفا في لعبة عدم الانحياز بين واشنطن وموسكو، وهو يلعب ورقة العلاقة مع فلاديمير بوتين والحفاظ على علاقة ودية مع الرئيس جو بايدن.

 وكان بوتين وبايدن حذرين في تهنئة أردوغان على انتصاره في وقت يتسم فيه أردوغان بالحذر عندما يتعلق الأمر بالناتو والخروج منه. والآن وقد أمن أردوغان خمس سنوات فمن المتوقع أن يصادق على انضمام السويد للناتو بعدما رفض نتيجة للسياسة السويدية المتساهلة مع الأكراد الذين يعتبرهم إرهابيين.

وتقع تركيا في موقع جغرافي مهم، فهي تحرس مدخل البحر الأسود وتسيطر على السفن التي تعبر إلى الموانئ الأوكرانية بما فيها شبه جزيرة القرم التي يحتلها الروس، ومن الحماقة ألا تحترم أي دولة في الناتو رغبة أردوغان في اللعب على الحبلين. ويجب على دول الناتو أن تكون ممتنة للجهود التي قامت بها تركيا في استئناف تصدير القمح الأوكراني الذي نفع اقتصاد عدد من دول العالم. وعليها ألا تنسى أن تركيا صدرت المسيرات والعربات المصفحة إلى أوكرانيا في الوقت الذي كانت تستورد فيه المنتجات الغذائية الروسية والسلع الأخرى مثل الفولاذ والحديد والذي تحتاجه روسيا لدعم اقتصادها المهتز.

ولن تكون تركيا صوتا متحمسا للسياسة الأمريكية بالمنطقة في وقت تتصادم فيه الولايات المتحدة مع إيران. ويقوم أردوغان بإعادة السياسة التركية إلى جذورها بالحصول على الدعم الإسلامي ومواجهة تاريخ تركيا الطويل في المجال الديمقراطي. وفي الوقت الذي انتقد فيه إسرائيل لمعاملتها الفلسطينيين فإنه أعاد العلاقات مع إسرائيل.

وكما في تعامله مع الناتو وواشنطن، يؤمن أردوغان بالتحركات المحسوبة التي تعطي تركيا ورقة مقايضة جيدة. كل هذا يضع أمريكا في وضع غير مريح، فقد كتب ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي أن واشنطن ليست متأكدة من قدرتها على استخدام قاعدة أنجرليك والدفاع عن مصالح الناتو. وقال “لأن السياسة الخارجية لأردوغان مرتبطة بإملاءات السياسة المحلية” فإن “استخدام القاعدة لخدمة المصالح الأمريكية لم يعد مضمونا. ويجب على الساسة الأمريكيين عدم السماح لأنفسهم الدخول في وضع يترك المصالح الأمريكية بيد المصالح المتغيرة للساسة الأتراك”.

وكان نقد كوك قاسيا: “فعلى خلاف الفترات الماضية، لم تعد واشنطن وأنقرة تشتركان بالتهديدات أو المصالح التي تجمعهما معا” و”أكثر من هذا فتوطيد أردوغان سلطته والقمع المرتبط به للصحافيين والأكاديميين ومنظمات المجتمع المدني والأقليات” هو ضد مفهوم الديمقراطية التي كرس الناتو نفسه لحمايتها. وقال إن واشنطن عليها ألا تتخلى بأي حال عن وحدات حماية الشعب الكردية أو واي بي جي والتي “أثبتت أنها قوة فاعلة في قتال تنظيم الدولة وتحقيق الاستقرار لشمال- شرق سوريا”.

ويعلق الكاتب أن الحرب الأوكرانية جعلت من الصعوبة على أمريكا تغيير توجهها من تركيا. والآن وقد تأكد بقاء أردوغان في السلطة فمن غير المناسب أن تقوم واشنطن بإغضاب حليف. وهناك إمكانية لبقاء تركيا وأمريكا حليفين وإن بطريقة مصطنعة، في وقت تلعب فيه تركيا كحاجز بين روسيا وأوكرانيا بل وبين الغرب وقوى متنوعة في الشرق الأوسط.

وبالنسبة لكوريا الجنوبية، فالتداعيات واضحة، وعلى الرئيس يون سوك- يول الداعم المتردد لأوكرانيا عسكريا تفهم موقف أردوغان المتردد نوعا ما. ففي الوقت الذي تستورد فيه كوريا الجنوبية كميات كبيرة من النفط من الشرق الأوسط، فلا داعي لانتقاد أردوغان بسبب انتظاره ومحافظته على العلاقات مع أطراف النزاع.

وربما شعر الأمريكيون بالخيبة لانتصار أردوغان في ولاية أخرى، ولكن عليهم الامتنان من أن تركيا لم تغير موقفها بشكل جذري. وطالما لم تطالب تركيا القوات الأمريكية بالمغادرة، فستتركهم أمريكا في مكانهم على أمل ألا يتغير الوضع الراهن. وحقيقة بقاء القنابل النووية الأمريكية مخزنة في تركيا تأكيد على أهمية العلاقة. ولا يمكن أن تفكر أمريكا في إعطاب العلاقات التركية- الأمريكية في وقت تدافع فيه عن تركيا بالنووي الذي تحتاجه لتذكير الرئيس الروسي بوتين بالمخاطر المتأصلة في الحرب النووية.

القدس العربي