السعودية لا تبدي تحمّسا لخطة فرنسية لتحريك الوضع في لبنان

السعودية لا تبدي تحمّسا لخطة فرنسية لتحريك الوضع في لبنان

بيروت/ باريس- حث البيان الذي صدر في ختام زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى فرنسا ولقائه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على “ضرورة وضع حد سريعا للفراغ السياسي المؤسساتي في لبنان”، من دون أي مقاربة تفصيلية لتحقيق ذلك، في موقف دبلوماسي وعام يظهر أن السعودية لا تبدي تحمّسًا لتحريك الوضع في لبنان.

يأتي هذا في وقت يعرف فيه السعوديون أن مواقف فرنسا في لبنان متقلبة، وأن تدخلاتها وخططها ظلت دون تأثير بالرغم مما كان يصاحبها من ضجيج إعلامي.

ويقول متابعون للشأن اللبناني إن السعودية التي خبرت لبنان طويلا تعرف أن أمر لبنان البلد بات معقدا وأن إيران ليست بصدد تقديم أيّ تنازل هناك، وأن المناخ في لبنان لا يشجّع على التدخل والوساطات وعلى أي شكل من أشكال المبادرة في ظل سيطرة حزب الله على المشهد.

◙ السعودية تتحرك بمنطق تحقيق المكاسب والانتصارات ولا تريد الدخول في معركة خاسرة في لبنان

وأضاف المتابعون أن المملكة خبرت الطبقة السياسية اللبنانية طويلا وقدمت الكثير من الدعم والاستثمارات وظلت تنفق بلا حساب في لبنان، لكن حزب الله ظل كما هو في انتشاره وسيطرته على البلاد، فيما تنقسم الطبقة السياسية اللبنانية بشأنه بين مستفيد وصامت.

وتعرف الرياض أن تدخلها لن يغير الكثير على أرض الواقع وسيكشف ضعفا سعوديا متراكما وهشاشة وضع حلفائها بالمقارنة مع سيطرة متزايدة لحزب الله، ما قد يجرها إلى مربع جديد من التوتر مع إيران، في وقت تسعى فيه المملكة إلى تبريد الجبهات مع خصمها الإقليمي من أجل التفرغ لقضايا مستقبلية أهم.

ولا يخفي السعوديون اقتناعهم بأن ملف لبنان لم يعد يعنيهم، خاصة في ظل تطبيع مختلف القوى اللبنانية مع سيطرة حزب الله على الوضع الداخلي، وصمتهم على تزايد النفوذ الإيراني وتحكّمه في مستقبل البلد منذ التسوية التي أدت إلى صعود ميشال عون إلى سدة الحكم، وبعد أن تأكد أن وصول عون إلى الرئاسة بدعم حزب الله لم يكن تسوية مرحلية، بل حصة سياسية لإيران؛ إذ صارت منذ ذلك الحين تتصرف على أساس أن الرئاسة لها ولحلفائها.

وليست هذه المرةَ الأولى التي تعرض فيها فرنسا على السعودية العمل معًا على حلحلة ملفات لبنان، لكن السعوديين تعاملوا بحذر مع هذه الدعوات وتجاوبوا معها بالحد الأدنى لاقتناعهم بأن مواقف فرنسا متقلبة، وأنها لم تفعل أي شيء منذ انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020.

وسبق أن قدمت فرنسا ما وصفته بالخطة (خطة متعددة الأبعاد تشمل المساعدة في التحقيقات حول انفجار مرفأ بيروت والمشاركة في إعادة إعمار المرفأ وتثبيت الحضور الفرنسي في المنطقة) لإخراج لبنان من وضعه الصعب، وسعت للضغط على الأطراف السياسية، ولوحت بعقوبات في وجه المعرقلين واستنجدت بالاتحاد الأوروبي للضغط، لكنها كانت تكتفي في كل مرة بمجرد التلويح، خاصة أنها لا تريد إغضاب إيران فيما لو اتهمت حزب الله بالعرقلة.

وتريد فرنسا أن تحافظ على نفوذها التاريخي في لبنان وتسعى لأن تبدو في صورة الجهة التي تحوز ثقة الجميع بمن في ذلك حزب الله ومن ورائه إيران، لكنها غير قادرة على تقديم المساعدات بالحجم الذي يطلبه اللبنانيون، ولذلك تسعى في كل مرة لإقناع الرياض بالعودة إلى لبنان كدولة مانحة.

في المقابل تغيرت السعودية كثيرا ولم تعد ترضى بلعب دور الذي يدفع الأموال والمساعدات السخية ويعود ريعها إلى جهات أخرى أيا كانت صديقة أو منافسة إقليميا، وهي وتتحرك بمنطق تحقيق المكاسب والانتصارات ولا تريد الدخول في معركة خاسرة في لبنان التي لديها معه تجارب طويلة وعريضة وتعرف تعقيداته وتشابكاته.

وعيّن الرئيس الفرنسي وزير الخارجية السابق جان – إيف لودريان مبعوثًا خاصًا إلى بيروت لمحاولة المساعدة على التوصل إلى مخرج من المأزق السياسي. ويُتوقع أن يزور السياسي المخضرم العاصمة اللبنانية قريبًا.

ويشير الباحث ديني بوشار، المستشار لشؤون الشرق الأوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، إلى أن الرياض قد “تلعب دورًا للتخفيف من حدّة موقف حزب الله وذلك من خلال إيران للتوصل إلى حلّ وسطي” بشأن الرئاسة في لبنان. ويضيف “المسألة هي معرفة ما إذا كانت مصالحة السعودية وإيران يمكن أن تساهم في تهدئة الساحة السياسية في لبنان”.

◙ السعودية التي خبرت لبنان طويلا تعرف أن أمر لبنان البلد بات معقدا وأن إيران ليست بصدد تقديم أيّ تنازل هناك

وأعلنت السعودية وإيران خلال مارس الماضي استئناف علاقاتهما الدبلوماسية، في اتفاق مفاجئ أُبرم برعاية الصين، ما بعث في النفوس أمل حلحلة العديد من الملفات الإقليمية.

وفي البيان المشترك ذكّر الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي بـ”تمسكهما المشترك بالأمن والاستقرار في الشرقين الأوسط والأدنى، وأعربا عن نيتهما مواصلة جهودهما المشتركة من أجل تهدئة دائمة للتوترات”. وعلى الصعيد الثنائي، يعتزم الجانبان “تطوير الشراكة بين البلدين وتعميقها”.

وأبدت باريس استعدادها أيضا “لمواكبة المملكة العربية السعودية في تعزيز قدراتها الدفاعية”. وذكّر ماكرون بـ”نية الشركات الفرنسية الاستمرار في مواكبة السعودية في تنفيذ رؤية 2030 الطموحة”.

وأبرز ماكرون “الخبرة المعترف بها للشركات الفرنسية، خصوصا على صعيد الانتقال في مجال الطاقة والنقل والصحة والتكنولوجيات الجديدة”.

واستقبل ماكرون الجمعة الأمير محمد بن سلمان في باريس. وبدأت المباحثات على مأدبة غداء وركّزت على العلاقات الثنائية وكذلك على “تحديات الاستقرار الإقليمي”، وفق ما أعلنته الرئاسة الفرنسية. وقال الإليزيه إن الرجلين سيتطرقان إلى “المسائل الدولية الكبرى، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على سائر دول العالم”.

وتنأى السعودية بنفسها إلى حدّ ما في الملف الأوكراني، وقد دعت إلى إنهاء الحرب.

وحضر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الشهر الماضي جانبا من قمة جامعة الدول العربية التي استضافتها المملكة في مدينة جدّة، في أول زيارة له إلى الشرق الأوسط منذ بدء الحرب. آنذاك وضع ماكرون طائرة حكومية فرنسية في خدمة زيلينسكي أقلّته إلى جدّة ثمّ إلى اليابان للمشاركة في قمة مجموعة السبع.

العرب