يتعرض النواب المستقلون في مجلس النواب العراقي، والإعلاميون المعارضون والناشطون، إلى حملة منظمة متواصلة لتضييق حرية الرأي عبر الملاحقات والاعتداءات والضغوط بهدف إسكاتهم ومنعهم من توجيه الانتقادات للحكومة وكشف قضايا فساد وانتهاكات تقوم بها أحزاب متنفذة.
وضمن سلسلة الاعتداءات والاستهدافات ضد النواب المستقلين في البرلمان العراقي، ممن انتخبهم الشعب للدفاع عن قضاياه العادلة ومواجهة أحزاب السلطة، فقد قامت مجاميع من الحشد الشعبي قبل أيام، بالاعتداء على مكتب النائب المستقل سجاد سالم في محافظة واسط وأغلقته، ردا على قيام النائب بتوجيه انتقادات إلى قيادات الحشد.
وكشف النائب المستقل سجاد سالم، في بيان «قامت مجاميع ترتدي الزي العسكري، وتنقلها عجلات عسكرية تحمل لوحات حكومية تابعة لهيئة الحشد الشعبي بالتظاهر أمام مكتبنا السابق في مدينة الكوت». وأضاف أن القوة قامت بالاعتداء على ضابط برتبة عميد وسببت له جروحاً، مشيرا إلى أن القوة غادرت المكان بعد أن كتبت عبارة على جدار المكتب «مغلق بأمر الحشد». وأوضح النائب «أن سبب استهداف مكتبه في واسط هو لتبليغه عن شخص ينتمي لفصيل مسلح كان يخطط لاغتيال شخصيات في المحافظة» متهماً القوات الأمنية بالتقصير في أداء واجباتها بهذا الخصوص. وشدد سالم «نجدد اعتراضنا تجاه الأطر المسلحة خارج الدولة وعدم شرعيتها وتعارضها مع الدستور والقوانين، فهي تعيق التطور السلمي في البلد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وتعيق التنمية والتداول السلمي للسلطة».
وكان النائب قد تعرض لهجمات من الحشد الشعبي بعد أن اعترض على تخصيص مبلغ نحو 100 مليار دينار للحشد في ميزانية 2023 التي جرت مناقشتها قبل أيام في البرلمان، كما توقع في لقاء متلفز تابعته «القدس العربي» بأن «صداما حتميا سيكون بين القوات الحكومية والحشد لأن الحشد يعمل خارج الدولة، وفي أي مجتمع تكون فيه قوة عسكرية تعمل خارج إطار الدولة لا بد ان تنتهي بالصدام» حسب قوله، محذرا من احتمال تكرار سيناريو الصراع العسكري السوداني، في العراق أيضا.
ومن جهة أخرى، أعلن النائب المستقل حسين السعبري، عن تعرض مكتبه لهجوم بقنبلة بعد تطرقه إلى ملف فساد في لقاء متلفز على إحدى القنوات المحلية. وقال السعبري، عبر «فيسبوك»: «بسبب أحد ملفات الفساد التي نعمل عليها تعرض مكتبنا لاعتداء جبان بقنبلة». وأضاف: «وصلت رسالتكم نحن ماضون ولن نتوقف والله المستعان».
وفي محافظة النجف جنوب بغداد، أعلن الناشط ابو زين العابدين الحسناوي، عن انطلاق وقفة احتجاجية، أمام مكتب مجلس النواب العراقي في المحافظة، على خلفية قيام رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بنقل النائب المستقل هادي السلامي إلى لجنة نيابية. والسلامي من النواب المستقلين واعتاد على الظهور في وسائل الإعلام وتوجيه الانتقادات لأداء الحكومة والبرلمان.
وما زال العراقيون يستذكرون بسخرية حادثة غير مسبوقة في برلمانات العالم، عندما وجه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي مؤخرا، قوة حماية البرلمان لطرد العشرات من النواب المستقلين المعترضين على قانون الانتخابات، واخراجهم بالقوة من قاعة البرلمان، ليتم بعدها تمرير القانون من دون اعتراضات حسب رغبة الأحزاب المتنفذة. وهو ما دعا حركة «امتداد» النيابية، إلى وصف تصرف رئيس مجلس النواب ضد النواب المستقلين بالمتناقض مع مبادئ الديمقراطية والقيم الأخلاقية، مشيرة إلى أنها ستلجأ إلى الطعن لدى المحكمة الاتحادية لقيام الحلبوسي بإخراج النواب المعترضين بالقوة من داخل القاعة. وذكرت الحركة في بيان، أنها «تستنكر الاعتداءات السافرة بحق ممثلي الشعب نواب حركة امتداد والقوى المعارضة الأخرى من الحركات الناشئة والنواب المستقلين الرافضين لتمرير قانون مجالس المحافظات بصيغته الحالية كونها تعد تحديا لإرادة الشعب».
إسكات الإعلام
وبهدف إسكات الأصوات المعارضة لأداء الحكومة والأحزاب الحاكمة، تلجأ السلطات إلى أسلوب آخر وهو الإجراءات والملاحقات الإدارية، وآخرها دعوة هيئة الإعلام والاتصالات العراقية (حكومية) قبل أيام، وسائل الإعلام المحلية إلى عدم استضافة المحللين السياسيين علاء النشوع وعمر عبد الستار محمود ومنعهما من الظهور الإعلامي على القنوات العراقية. وبررت الهيئة إجراءها، بأن «منع علاء النشوع من الظهور الإعلامي والاستضافة، بسبب ترويجه وتبنيه أفكار وآراء حزب البعث المحظور دستورياً وقانونيا» فيما اتهمت عمر عبد الستار بالظهور في «قناة صهيونية». واعتاد النائب السابق والخبير في العلاقات الدولية، عمر عبد الستار محمود، على الظهور في القنوات الإعلامية وتحليل الأوضاع الداخلية في العراق وتوجيه الانتقادات اللاذعة للعملية السياسية ورموزها.
ودفع تفاقم الانتهاكات ضد حرية الرأي في العراق، مركز «النخيل» للحقوق والحريات الصحافية (منظمة مستقلة) إلى التحذير من تفاقم القمع وتكميم الأفواه في إقليم كردستان والعراق، فيما رفض التحشيد الطائفي والمناطقي وعدها أساليب جديدة للتضييق على الحريات. وأضاف، أن «حرية الصحافة في العراق مرت طيلة عقدين بتحديات ومطبات عديدة ومحاولات مستمرة من أجل تطويع النصوص القانونية والتشريعية في التضييق على الصحافة وحرية التعبير، ولعل أبرزها ما يُطرح بشأن قانون جرائم المعلوماتية وقانون حرية التعبير وهما مشروعان غامضان يثيران المخاوف والقلق لدى الأوساط الصحافية والإعلامية وعموم الجمهور بشكل عام، فضلا عن تزايد الدعاوى القضائية خلال الأشهر القليلة الماضية». وأكد المركز أنه «حان الوقت لإنهاء حملات ملاحقة الصحافيين والناشطين والذي دفع الكثير منهم إلى ترك محل سكناهم والهجرة إلى خارج البلد أو إقليم كردستان العراق الذي يشهد هو الآخر تراجعا كبيرا في مستوى الحريات الصحافية وتزايد اعتقالات وسجن الصحافيين».
ومعروف بان العراق يحتل المرتبة الخامسة عالميا في مؤشر الإفلات من العقاب العالمي الصادر عن لجنة حماية الصحافيين، بعد الصومال وسوريا وجنوب السودان وأفغانستان.
سيف القضاء ضد الإعلاميين
وبالرغم من وعود حكومة محمد السوداني باتاحة مساحة كافية لحرية الرأي وإنهاء الملاحقات القانونية للإعلاميين والناشطين، فإن السلطات الحكومية ما زالت تلجأ إلى رفع الدعاوى القضائية ضد الإعلاميين والمعارضين بسبب انتقاداتهم لأداء الحكومة وتقصيرها في تقديم الخدمات الأساسية.
فقد رفع مكتب رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، دعوى قضائية ضد السياسي العراقي المعارض ليث شبر، فيما كشف مركز «النخيل» للحقوق والحريات الصحافية، عن قيام مكتب رئيس الوزراء برفع دعوى قضائية ثانية بحق الباحث السياسي محمد نعناع. وذكر المركز في بيان أن «نعناع أبلغ مركز النخيل، إنه امتثل أمام محكمة تحقيق الكرخ بعد تدوين أقواله، بناء على دعوى رفعها ضده مكتب رئيس مجلس الوزراء بجريمة القذف» مبينا أن المحكمة قررت إطلاق سراحه بكفالة مالية.
وقد أبدى المركز «استغرابه الشديد من استمرار هذه الدعاوى من قبل مكتب رئيس مجلس الوزراء في وقت ينبغي أن يكون نموذجا في دعم الصحافة والإعلام وحرية الرأي والتعبير» لافتا إلى أن هذه الدعوى تأتي في ظل إغلاق وتقييد عدد من حسابات وصفحات الإعلاميين والناشطين والمدونين على موقع الفيسبوك، وفقا للبيان.
وليس بعيدا عن هذا السياق، أقدم رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، على رفع شكوى قضائية ضد النائب السابق حيدر الملا، أمام محكمة تحقيق الكرخ بتهمة الإساءة إليه وإهانته. وكان الملا قد نشر، مطلع الأسبوع الماضي، عبر «تويتر» وثيقة ذكر فيها امتلاك الحلبوسي طائرة خاصة يستقلها في رحلاته، ووجه نداء إلى رئيس مجلس الوزراء ورئيس هيئة النزاهة قال فيه، إن «محاربة جائحة الفساد تستلزم معرفة الملايين التي ينفقها محمد الحلبوسي على مظاهر البذخ المبالغ فيها لإبراز سلطته وطائراته الخاصة في رحلاته».
وفي الإطار ذاته، قام محافظ البصرة أسعد العيداني، برفع دعوى قانونية ضد الإعلامي حيدر الحمداني الذي اعتاد كشف قضايا الفساد والانتهاكات في دوائر الدولة. وقامت السلطات الأمنية في البصرة بإلقاء القبض على الإعلامي حيدر الحمداني، وفق مذكرة قبض على خلفية دعوى قضائية أقامها محافظ البصرة عليه. ونظم صحافيون وإعلاميون وسياسيون حملة دعم على مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين بالإفراج عنه. وهو ما أسفر عن قيام السلطات الأمنية بإطلاق سراح الصحافي بكفالة 50 مليون دينار.
وفي محافظة النجف، أعلن المحافظ ماجد الوائلي، بانه سيرفع دعوى قضائية على مقدم أحد البرامج التلفزيونية. وقال مكتبه الإعلامي «إن مقدم برنامج (وقت إضافي) قد ذكر في برنامجه بتاريخ 8 حزيران/يونيو الجاري على قناة (العراقية الإخبارية) أن محافظ النجف يمتنع عن صرف مستحقات النادي بسبب اعتراضه على تشكيلة الهيئة الإدارية المؤقتة». وكان رئيس الهيئة المؤقتة للنادي هاتف شمران أبلغ المحافظ أن التدخل الحكومي بالقرارات الرياضية سيكون أثره سلبياً على الرياضة وقد يصل إلى العقوبات الدولية على المؤسسة الرياضية.
وفي السياق ذاته، تداولت وسائل إعلام محلية، أنباء عن اعتقال عضو حركة «امتداد» المعارضة حيدر الدليمي من منزله في منطقة الدورة بالعاصمة بغداد في 8 حزيران/يونيو الجاري بواسطة عجلات مدنية واقتياده إلى جهة مجهولة. وذكرت مصادر الحركة أن «عضو حركة امتداد حيدر الدليمي تبين وجوده لدى جهاز الأمن الوطني الذي نفذ أمر القاء قبض صادر من القضاء بحقه وفق المادة 433». وأضافت، أن «جهاز الأمن الوطني أبلغ حركة امتداد بعدم امكانية مقابلته لغاية امتثاله أمام القضاء» لافتا إلى ان «التهمة قد تتعلق بالقذف أقامها عضو في مجلس النواب». وأكدت أن «جهاز الأمن الوطني أبلغنا بالاطمئنان على صحة وسلامة الدليمي ويمكن زيارته بعد مقابلته من قبل القاضي».
ملاحقات نشطاء تشرين
أما عن أوضاع نشطاء حراك تشرين المطالب بالإصلاحات، فإن الانتهاكات لم تتوقف بحقهم وبأشكال مختلفة.
فقد قامت قوة أمنية باقتحام منزل سعد خضير شقيق الناشط أكرم عذاب في محافظة ميسان، وقتلته في المنزل. وقال بيان المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى، أنه «بعد الاستفسار من المحكمة المختصة في محافظة ميسان بخصوص جريمة قتل المجنى عليه سعد خضير عذاب في المحافظة، تبين أن قاضي التحقيق في العمارة أصدر قرارا بالتفتيش فقط عقب مطالعة قدمت له تتضمن معلومات خاصة بوجود مخدرات في دار المجنى عليه». وأضاف البيان، انه «بعد تنفيذ مذكرة التفتيش من قبل مفرزة الأمن الوطني اصيب المجنى عليه بإطلاقة رصاص بالخطأ من قبل أحد منتسبي المفرزة أدت إلى وفاته، لذا أصدر قاضي التحقيق المختص قرارا بتوقيف عناصر المفرزة المنفذة لمذكرة التفتيش ومن ضمنهم المنتسب مرتكب الجريمة والذي اعترف بارتكابها بصورة غير عمدية». ويتهم بعض الناشطين، السلطات الأمنية وبعض الميليشيات بافتعال مبررات لقمع الناشطين وذويهم.
وانتقدت النائبة نيسان الزاير، عمل «لجنة تقصي الحقائق الخاصة بالضحايا من متظاهري تشرين» ووصفتها بانها»منزوعة الصلاحيات». وأشارت الزاير في حديث صحافي، بتاريخ 30 ايار/مايو الماضي إلى أن «لجنة تقصي الحقائق منزوعة الصلاحيات ودورها مغيب تماماً، ومهمتها فقط جمع المعلومات ولا دور لها في رفع توصيات للاقتصاص من الجناة» مضيفة: «لا يحق لنا ان نعرف أين وصلت اللجنة لأنها تزعم ان ارتباطها فقط بمجلس الوزراء». وأضافت، أن اللجنة لم تصل لجميع عائلات الضحايا وتواصلت مع بعضهم عن طريق الهاتف وعبر وسطاء وليس مع ذوي الشهداء، مؤكدة ان «لجنة تقصي الحقائق، كانت مجرد ديكور من رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي لامتصاص غضب الشارع».
ولفتت الزاير، إلى أن «عدداً من القضاة اختلفوا مع الكاظمي لأنه تم الضغط عليهم لاستبعاد عدد من القادة أو الجناة وعدم التحقيق معهم» مبينة، أن «القضاة في اللجنة يشكون من عدم صلاحياتهم» مؤكدة رفض «إصدار التقرير النهائي ما لم يتم الوصول لجميع عائلات الضحايا».
وبالرغم من أن رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي أعلن في 2020 عن تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول ما جرى في تظاهرات تشرين، كما ان مكتب رئيس الوزراء محمد السوداني، ذكر في 2022 إعادة العمل بلجنة الأمر الديواني (293) الخاصّة بتقصّي الحقائق عن قتلة المتظاهرين وتعويض جرحى التظاهرات، وبعد تشكيل نحو عشر لجان (حكومية وبرلمانية) للتحقيق بحوادث القتل الجماعي للمتظاهرين وعمليات الاغتيالات الفردية، إلا أنها لم تعلن أية نتائج عن التحقيقات.
وفي شأن آخر، يتعلق بالأوضاع المتدهورة في السجون الحكومية، دعا رئيس «مركز العراق لحقوق الإنسان» علي العبادي، رئيس الوزراء محمد السوداني ومستشاره خلف زيدان لاستقبال وفد من المنظمة مع عوائل المعتقلين للاستماع لشكاواهم بخصوص أوضاع السجناء. وقال العبادي في لقاء متلفز: «نناشد السوداني ان يستقبلنا للاطلاع على حقيقة الأوضاع في السجون» كاشفا «أن عوائل السجناء يمرون بنكبة مالية بسبب الابتزاز والفساد، وان بعض العائلات أبلغتنا بان السجناء يتعرضون للتعذيب، للضغط على ذويهم لدفع المال» مشيرا إلى انه في سجن التاجي، شمال بغداد، ضباط بعض القاعات يطلبون أموالا تصل إلى مليونين ونصف المليون من السجناء. وكشف العبادي «ان السوداني وعدنا بفتح السجون أمامنا ولكن إدارات بعض السجون الحكومية لا ينفذون أوامر رئيس الحكومة» حسب قوله.
ولا يختلف المراقبون لأوضاع حرية الرأي في العراق، بأن بعض السلطات الحكومية والأحزاب المتنفذة لم تترك وسيلة لإسكات الأصوات المعارضة إلا ومارستها مستعينة بالنصوص القانونية القديمة والحديثة ووسائل الضغط والتهديد المختلفة. وأصبح واضحا انه حتى الحصانة النيابية لا تشفع للنائب المعارض ولا تحميه من الملاحقات والقضايا القانونية، التي يمكن أن تدبر ضده تحت مختلف المبررات، فكيف الحال مع الناشطين والمواطن العادي الذي يريد إبداء رأيه بحرية وليست لديه أية وسيلة حماية غير دعم وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وبعض المنظمات الحقوقية؟
القدس العربي