تتواتر زيارات كبار المسؤولين الأمريكيين إلى الرياض التي تحمل قضية رئيسية هي العمل على التطبيع بين إسرائيل والسعودية، فقد وصل كبير مستشاري الرئيس الأمريكي جو بايدن للشرق الأوسط، بريت ماكغورك، إلى الرياض، أمس الأحد، وهذه الزيارة، حسب موقع أكسيوس الأمريكي، تأتي ضمن جهود «البيت الأبيض» للدفع باتجاه التوصل إلى اتفاق للتطبيع بين الرياض وتل أبيب، وقد سبقها قبل أقل من أسبوعين زيارة أجراها وزير الخارجية أنتوني بلينكن للمملكة، والتقى خلالها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي ناقش بدوره «ملف التطبيع».
رد فعل السعودية، النظري على الأقل، والذي كان حاضرا في القمة العربية التي عقدت في جدة، وأكد على «مركزية القضية الفلسطينية» والدفاع عن القدس، تكرّر بصيغة أكثر وضوحا بعد زيارة بلينكن على لسان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان خلال مؤتمره الصحافي مع نظيره الأمريكي حيث قال إنه «من دون وجود سلام مع الفلسطينيين فإن أي تطبيع مع إسرائيل ستكون فائدته محدودة» كما أن بن فرحان رمى الكرة باتجاه واشنطن حين أكد على ضرورة الوصول لمسار يوفر السلم والعدالة والكرامة للفلسطينيين، مضيفا: «أعتقد أن الولايات المتحدة لديها الوجهة نفسها».
يتناقض الإصرار الأمريكي على الدفع باتجاه تطبيع الرياض مع تل أبيب مع إشارة بن فرحان الآنفة عن أن الولايات المتحدة ترغب فعلا في المسار المذكور، وذلك لسبب واضح وبسيط وهو أن حكومة بنيامين نتنياهو العنصرية تعمل، بدون كلل، لتقويض أي أساس ممكن للعدالة أو السلام أو الكرامة للفلسطينيين.
لا تكل حكومة نتنياهو ـ بن غفير ـ سموتريتش، منذ تشكلت عن تطبيق أشكال الإرهاب والإجرام ودعم الاستيطان وتهويد القدس والمسجد الأقصى والهجمات الدموية على المدن والبلدات الفلسطينية، وكان آخر أفاعيل هذه الحكومة تصديقها أمس الأحد على خطة تقصير الفترة اللازمة لإصدار الموافقة للبناء في مستوطنات الضفة الغربية، ومنح وزير المالية العنصري المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الصلاحية للموافقة على خطط البناء بمستوطنات الضفة الغربية، من دون الحاجة لموافقة رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي ووزير دفاعه.
من جهة أخرى يستعد الكنيست للتصديق على قانون يمنح «وزير الأمن القومي» ايتمار بن غفير صلاحيات إصدار أوامر اعتقال إدارية للمواطنين لاعتبارات الأمن العام لمدة نصف عام، كما يمنحه أوامر تقييد مختلفة، من تقييد الحركة إلى مكان السكن، إلى منع الخروج من البلاد، إلى العمل والاتصالات والإنترنت، وهو قانون يبدو مفصّلا لإرهاب فلسطينيي الداخل، ونشطاء حقوق الإنسان وغيرهم.
يتابع نتنياهو، في الوقت نفسه، انقلابه على النظام القضائي وإضعاف صلاحيات المحكمة العليا، حيث أعلن أمس الأحد إنه يعتزم المضي قدما في «تطبيق الإصلاحات القضائية» وهو انقلاب عبرت الإدارة الأمريكية عن رفضه أكثر من مرة، كان آخرها تصريح لنائب الرئيس الأمريكي كامالا هاريس يؤكد على ضرورة الإبقاء على «استقلالية القضاء» وهو ما رد عليه وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين بأن «الإصلاحات» «شأن داخلي».
يجري التسويق الأمريكي لقضية التطبيع بين المملكة وإسرائيل ضمن إطار تعاطي واشنطن مع تسارع تخصيب إيران لليورانيوم على مستويات عسكرية، ويدخل التطبيع مع السعودية ضمن محاولة موازنة أمريكية لخطوة تصالحها مع طهران، عبر الموافقة على تقديم منظومة تخصيب يورانيوم ومفاعلات نووية للرياض.
إحدى الحجج التي كانت ترد في إطار الترويج لتطبيع دول الخليج العربي مع تل أبيب هو قدرات إسرائيل العسكرية التي ستستخدمها في حماية تلك الدول من إيران، لكن الحقيقة المعلومة أن تل أبيب ما تزال تعترض على حصول الرياض على مفاعلات نووية، مما يضع مزاعم «الحماية» في خبر كان.
تتجاهل دبلوماسية واشنطن في موضوع تطبيع السعودية مع إسرائيل هذه المفارقات الكبيرة، لكنّها أكثر ما تتجاهل هو الطبيعة العنصرية والإرهابية لحكومة نتنياهو، وإذا كان ضحاياها المباشرون هم الفلسطينيين الموجودين في مناطق الاحتلال، فإن ضحاياها الآخرين، إذا أخذنا في الاعتبار صلاحيات بن غفير وسموتريتش، هم أيضا فلسطينيو الداخل والإسرائيليون أنفسهم.
القدس العربي