تفاهمات جديدة في مجال النووي
تقترب إيران والولايات المتحدة من بلورة تفاهمات، ستوقف إيران في إطارها استمرار تخصيب اليورانيوم بمستوى 60 في المئة وستمتنع عن مواصلة التقدم في المشروع النووي العسكري. في المقابل، ستتعهد الولايات المتحدة برفع جزئي للعقوبات، وضمن ذلك تحرير نحو 20 مليار دولار محتجزة في أرجاء العالم. الحديث لا يدور عن صفقة جديدة تستبدل الاتفاق الأصلي. لذلك، الإدارة الأمريكية غير ملزمة بتقديم هذه التفاهمات لمصادقة الكونغرس عليها، وهي بهذا تلغي ضغوط إحباط هذه العملية.
أعلنت إسرائيل في السابق أنها غير ملزمة وأنها تعارض الاتفاق الجديد و/أو إعادة الاتفاق الأصلي، ولكنها تطرقت بشكل غامض إلى إمكانية التوصل إلى تفاهمات. وأعلن رئيس الحكومة، نتنياهو، في إطار الإحاطة التي قدمها لدى لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، بأن إسرائيل تعارض العودة إلى الاتفاق النووي الأصلي، وأن هناك “تناقضاً” في الرؤية فيما يتعلق بالاتفاقات الصغيرة. يفهم من أقواله بأن رئيس الحكومة نفسه، أنه يعرف بأن قدرة إسرائيل على منع تبلور التفاهمات محدودة جداً.
المغزى الأساسي من التفاهمات الآخذة في التبلور هو أن إيران تتنازل عن الاختراق الفوري للحصول على السلاح النووي. ولكنها تراكم إنجازات في عدة مجالات. ففي المجال النووي، بقيت دولة حافة نووية ونجحت في الحفاظ على قدراتها الشاملة في هذا المجال. وخلال ذلك، إمكانية الاختراق في فترة زمنية تبلغ أسبوعين إلى المستوى العسكري المطلوب من تخصيب اليورانيوم بمستوى 90 في المئة. أما على الصعيد السياسي، فهي تحسن علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية بشكل يبعد عنها التهديد باستخدام الخيار العسكري.
في الوقت نفسه، تتركز التفاهمات الآخذة في التبلور على موضوع النووي العسكري، بصورة تبقي لإيران هامش عمل لمواصلة عملية زيادة القوة في مجال الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة المسلحة، واستغلال تحرير الأموال لمواجهة الأزمة الاقتصادية في الداخل، وتعميق دعمها لامتداداتها. في موازاة ذلك، تستثمر إيران في توسيع المحور الاستراتيجي مع روسيا والشراكة العسكرية – التكنولوجية معها، وتحسين العلاقات الاستراتيجية مع الصين. كل ذلك إضافة إلى استمرار عمليات المصالحة مع العالم العربي والنجاح في قمع أعمال الشغب في الداخل. هذه التطورات ربما تزيد الشعور بالثقة بالنفس لإيران لتحدي إسرائيل بشكل مباشر و/ أو بواسطة امتداداتها في المنطقة.
الولايات المتحدة من ناحيتها تنجح من خلال هذه التفاهمات في وقف المشروع النووي، على الأقل حتى موعد أداء الرئيس الأمريكي القادم لليمين (في كانون الثاني 2025)، هذا حسب سياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن، تفضيل الحل السياسي على حل استخدام وسائل أخرى طبقاً لتعهده العلني بمنع إيران من التوصل إلى السلاح النووي. يبدو أن هذا التطور –وفق رؤية الإدارة الأمريكية- يسمح بتركيز الاهتمام على التحديات الملحة للولايات المتحدة، وهي المواجهة المتطورة مع الصين والحرب في أوكرانيا.
من زاوية إسرائيل، فإنه إذا ما تحققت هذه التفاهمات الجديدة كبديل عن الاتفاق، قد تظهر وكأنها فقدت الذخر الاستراتيجي وأنها باتت وحدها ضد المشروع النووي الإيراني. عملياً، لن تتوقع إسرائيل دعماً دولياً لعملية عسكرية ضد إيران بشكل يقيد حرية عملها الاستراتيجي ضد المشروع النووي العسكري.
في جانب الأفضليات، إن وقف التقدم في المشروع النووي سيسمح بمواصلة عمليات بناء القوة للجيش الإسرائيلي على المدى البعيد، بهدف الإعداد المثالي لسيناريو يكون فيه الخيار العسكري هو الخيار الأخير لمنع إيران من التوصل إلى السلاح النووي.
تحديات إيران وامتداداتها في المنطقة تتعزز إزاء مستوى الجرأة المتزايدة لـ”حزب الله” في الأشهر الأخيرة، مثلما تم التعبير عن ذلك في مفترق مجدو وغض النظر عن إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل من لبنان. في هذا السياق، حذر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، الجنرال اهارون حليوه، في مؤتمر هرتسليا، من أن حسن نصر الله قد بدأ يعتقد بأنه يستطيع “تمديد المعادلة أمام دولة إسرائيل” وأنه قريب من ارتكاب خطأ في لبنان وسوريا، وربما يدهور المنطقة إلى حرب واسعة.
التطبيع مع السعودية
في موازاة المحادثات مع إيران، يظهر نشاط أمريكي محموم لدفع التطبيع قدماً بين إسرائيل والسعودية كجزء من جهود شاملة للولايات المتحدة لتحسين علاقتها مع السعودية. وحسب ما نشر، قدمت السعودية شروطاً مسبقة على رأسها موافقة أمريكا على تطوير مشروع نووي مدني، وتخصيب اليورانيوم، والاستعداد للتزويد بمنظومات سلاح متطورة مثل طائرات اف 35، والحصول على ضمانات أمنية أمريكية.
إضافة إلى ذلك، يحلق سؤال حول تأثير القضية الفلسطينية والانقلاب النظامي على احتمالية التطبيع. حسب معرفتنا، حتى لو تولد انطباع بأن أثمان القضية الفلسطينية ستكون رمزية، حيث إن عدم إعطاء رد بروحية المبادرة العربية التي ترسم أفقاً واضحاً لمفاوضات حقيقية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، يمكن أن يحول أي اتفاق يتم التوصل إليه إلى اتفاق هش، بسبب التأثيرات المحتملة على المكانة الضعيفة أصلاً للسلطة الفلسطينية بصورة تخدم حماس، ويمكن أن تؤدي إلى ارتفاع مكانتها في الشارع الفلسطيني. من المرجح أيضاً أن يحاول أبو مازن استخدام الضغط، سواء على الولايات المتحدة والدول الأوروبية، أو على العالم العربي والإسلامي من أجل التأكد وبحق بأنه أعطي رداً مناسباً على القضية الفلسطينية. لذلك، حسب التقدير، ما دام الملك سلمان هو حاكم السعودية فسيكون من الصعب جداً بلورة اتفاق يتجاوز القضية الفلسطينية.
يظهر الانقلاب النظامي أيضاً كعائق أمام تقدم عملية التطبيع، وتجميدها يشكل شرطاً مسبقاً للتحدث المباشر بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وبالأحرى عقد قمة ثلاثية مع ولي عهد السعودية. هذا بسبب رؤية إسرائيل أن المس بجهاز القضاء في إسرائيل ربما يقوض القيم المشتركة التي تشكل قاعدة الحلف الاستراتيجي بين هذه الدول. ورغم العلاقات الأمنية العميقة، فإن غياب حوار حميمي ومباشر على مستوى القيادات يضر بالقدرة على تنسيق وبلورة التعاون الاستراتيجي.
التوصيات
على الحكومة الإسرائيلية وقف الانقلاب النظامي فوراً، الذي أصبح يرتسم كعقبة أمام الدفع قدماً بالمصالح الأمنية والاقتصادية لدولة إسرائيل، وعلى رأسها العلاقات الاستراتيجية مع الإدارة الأمريكية، وحرية العمل أمام إيران، وشبكة العلاقات مع العالم العربي.
يجب على إسرائيل إظهار سلوك مسؤول أمام الفلسطينيين إلى جانب حساسية لتنفيذ خطوات أحادية الجانب، مثل توسيع المستوطنات وتغيير الوضع الراهن في الأماكن المقدسة في القدس، التي ربما تثير الغضب الدولي الشديد والتوتر في المنظومة الفلسطينية والإقليمية. على سبيل المثال، قرار الدفع قدماً بخطة بناء 4500 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات، أثار في السابق انتقاداً شديداً من قبل الإدارة الأمريكية.
على المدى البعيد، فإن إهمال الجانب السياسي أمام الفلسطينيين رغم نجاح الأجهزة الأمنية في إحباط العمليات الإرهابية، قد يجر إسرائيل إلى واقع الدولة الواحدة لشعبين، وجذب الجيش الإسرائيلي إلى التدخل بشكل أكبر على الأرض، بصورة تمس بقدرته على الاستعداد لسيناريوهات مهمة أخرى.
وفقاً لتحذيرات رؤساء جهاز الأمن، على إسرائيل الاستعداد أيضاً على المستوى السياسي والمستوى العسكري لمواجهة شاملة متعددة الجبهات، هذا إزاء ما يظهر كتضافر لمصالح أعدائنا في المنطقة، الذين يرون إسرائيل في صورة آخذة في الضعف وفق نظرهم.
أما على صعيد السعودية، فعلى إسرائيل بلورة سياسة حذرة تأخذ في الحسبان كل المعاني التي تكمن في انضمام السعودية للنادي النووي المدني كعامل استراتيجي له أهمية بعيدة المدى على المدى البعيد. هذا إزاء الخوف المعقول من تسريع خطوات الحصول على النووي في أرجاء الشرق الأوسط. في هذا تهديد محتمل لأمن إسرائيل القومي، الذي يستند إضافة إلى القوة العسكرية أيضاً، إلى صورة الدولة العظمى الإقليمية.
القدس العربي