واشنطن- في عشاء عائلي خاص بالبيت الأبيض، استضاف الرئيس الأميركي جو بايدن ليلة أمس رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وذلك عشية بدء زيارة الضيف الهندي للولايات المتحدة. وذكر بيان للبيت الأبيض أنهما تناولا أطعمتهما المفضلة إضافة للمثلجات.
لكن هذه الحميمية في العلاقة تتناقض مع عداءٍ جمع مودي بإدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. ففي 18 مارس/آذار 2005، رفضت الخارجية الأميركية منح مودي -رئيس وزراء ولاية غوجارات الهندية آنذاك- تأشيرة دبلوماسية لزيارة الولايات المتحدة.
كما اعتبرت الحكومة الأميركية حينها مودي شخصا منبوذا لما يقرب من 10 سنوات، وحرمته من الحصول على تأشيرة دخولها، بسبب “الانتهاكات الجسيمة للحرية الدينية”.
لكن في السنوات التسع التي تلت رفع هذا الحظر، احتضن البيت الأبيض مودي تدريجيا، وأصبح أحد أهم الحلفاء أكثر من أي وقت مضى.
وبررت الخارجية الأميركية حينها رفض منح مودي هذه التأشيرة بموجب المادة 214 (ب) من قانون الهجرة والجنسية، لأنه لم يكن قادما لغرض يؤهله للحصول على تأشيرة دبلوماسية.
وفي نفس الوقت، أقدمت وزارة الخارجية على إلغاء تأشيرة سياحية تجارية حملها مودي بموجب المادة 212 (أ) (2) (ز) من قانون الهجرة والجنسية. وتجعل هذه المادة أي مسؤول حكومي أجنبي غير مؤهل للحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة، إذا كان “مسؤولا عن أو نفذ بشكل مباشر، في أي وقت، انتهاكات خطيرة بشكل خاص للحرية الدينية” .
واحتجت وزارة الشؤون الخارجية في الهند على القرار، وطلبت ومن زارة الخارجية الأميركية إعادة النظر فيه، ومراجعة قرارها بخصوص تأشيرة مودي. وبعد المراجعة أعادت وزارة الخارجية تأكيد القرار الأصلي.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية الأميركية آنذاك، أن قرارها يستند إلى حقيقة أن مودي -بصفته رئيسا لحكومة ولاية غوجارات خلال الفترة بين بين فبراير/شباط ومايو/آذار 2002- كان مسؤولا عن أداء ممارسات أجهزة ولايته.
ووثقت واشنطن في تقاريرها الدورية حول ممارسات حقوق الإنسان وتقرير الحرية الدينية الدولية، أعمال العنف في غوجارات. واستشهد بيان إلغاء تأشيرة مودي بتقرير اللجنة الوطنية الهندية لحقوق الإنسان، الذي نصَّ على وجود “فشل شامل من جانب حكومة الولاية في السيطرة على الانتهاك المستمر لحقوق الحياة والحرية والمساواة والكرامة لمواطني الولاية”.
وأكدت واشنطن حينذاك أن قرارها هذا يجب ألا يؤثر على العلاقات الجيدة التي تجمع بين الولايات المتحدة والهند، باعتبارهما دولتين ديمقراطيتين تشتركان في قيم مشتركة بشأن حرية التعبير وحرية الدين، وألا يؤثر على هدف تعزيز الشراكة الثنائية بينهما.
السرّ في الصين
وتأتي زيارة مودي تحت وصف “زيارة دولة”، وهو نوع من الزيارات التي تعكس تكريما أميركيا رسميا كبيرا، ولم يقم بهذا النوع من الزيارة منذ وصول بايدن للحكم إلا قائدا كوريا الجنوبية وفرنسا فقط.
وينتظر أن يخاطب مودي الكونغرس في جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ، وهو شرف لا يلقاه بسهولة أي زعيم أجنبي، وهو ما يعكس إلى أي مدى أصبح مودي شريكا إستراتيجيا لإدارة بايدن.
ويبرر عدد من المعلقين موقف إدارة بايدن الودود تجاه مودي بموقفهما المشترك مما يرونه من تهديدات صينية كبيرة لمصالحهما حول العالم.
وتتسق هذه الرؤية مع ما بدأه بايدن منذ وصوله للحكم قبل عامين ونصف، من تبني خطوات تهدف لتطويق الصين عسكريا في إطارها الإقليمي، عن طريق بناء شبكة تحالفات عسكرية متعددة ومتداخلة. وقاد بايدن تحالفا رباعيا مع اليابان والهند وأستراليا لكبح طموحات الصين التوسعية في منطقة المحيطين الهادي والهندي.
لكن في الوقت الذي تجري فيه الاحتفالات والمجاملات الدبلوماسية في واشنطن، يقول المحللون إن زيارة مودي ستكون أيضا اختبارا لإدارة بايدن التي وضعت نفسها “حامية ديمقراطية” ضد امتداد نفوذ النظم التسلطية حول العالم، بينما تغض الطرف على ما يبدو عن انتهاكات نيودلهي المزعومة لحقوق الإنسان.
وتعرّض حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم الذي يتزعمه مودي لتدقيق من جماعات حقوقية ومشرّعين معارضين، بسبب سياساته القومية الهندوسية المتزايدة الحدة والحملة المستمرة على المعارضة.
لذلك يتزايد الضغط على بايدن -الذي ينظر إلى الهند باعتبارها شريكا إقليميا مهما- لمعالجة هذه المخاوف بطريقة ما خلال زيارة مودي.
المصدر : الجزيرة