قراءة في خطاب الحج لخامنئي

قراءة في خطاب الحج لخامنئي

في خطابه الموجه لمناسبة موسم الحج، قال المرشد الإيراني علي خامنئي إنه “على زعماء السياسة والثقافة بالبلدان الإسلامية الاستعداد للتعايش مع الظروف التي سيخلقها النظام العالمي الجديد”، مضيفاً أن “الوحدة تعني الارتباط الفكري والعلمي وتقارب القلوب والأفكار والتوجهات والانصهار الاقتصادي والثقة والتعاون بين البلدان الإسلامية والوقوف في وجه العدو المشترك”.

ويركز خامنئي في خطابه على فكرة النظام العالميالجديد والتصور لدور عالمي صيني وروسي صاعد في مواجهة الكتلة الغربية، تريد إيران الاصطفاف إلى جانبه والبحث عن مركزية لدورها في نظام عالمي متعدد الأقطاب، وهو ما يفسر علاقة طهران الاستراتيجية بكل من الصين وروسيا.

وتمثلت تلك الرؤية في خطاب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي منذ أسابيع قليلة حينما تحدث عن أن مبادئ الثورة الإيرانية هي جزء من العوامل الفعالة في تشكيل النظام العالمي الجديد، والمقصود هنا يتمحور حول الترويج لضعف الدور الأميركي عالمياً، فضلاً عن التركيز على دعم الجماعات والدول الأخرى المناوئة للولايات المتحدة بحجة دعم المستضعفين.

وعلى رغم كون السياسة الخارجية الإيرانية تتحرك وفق المصلحة الوطنية الإيرانية إلا أن تعزيز هذا النمط من العلاقات يجعل طهران تحاول إيجاد الرابط بين الثورة والدول المناوئة لواشنطن، وبين تعزيز دورها في النظام الدولي.

أما فيما يخص العدو المشترك فكثيراً ما حاول المرشد الإيراني السابق والحالي استخدام اللغة ذاتها على رغم اختلاف السياق الدولي، فقد اعتمد الخميني لغة قامت على التنديد بالاستغلال الإمبريالي في كثير من خطبه، واعتبر أن الثورة الإيرانية ثورة ضد الإمبريالية، وأن الوحدة الإسلامية هي السبيل إلى القضاء على تلك الإمبريالية، والخطاب ذاته يكرره خامنئي بدعوته إلى الوحدة بين المسلمين للقضاء على العدو المشترك.

تتشابه مضامين ومفردات خطابي الخميني وخامنئي حتى في التصرف إزاء الولايات المتحدة، فتلك الخطابات والرؤية لها والتي تنبع في كثير من الأحيان من عداء إيراني – أميركي له جذور تاريخية مرتبط بعلاقة طهران بالقوى الغربية والاستعمارية، وعلاقة إيران الشاه بواشنطن وموقف النظام الحالي منها، لكن على رغم هذه السياقات فإن كلاً منهما لم يقطع العلاقة تماماً مع الولايات المتحدة، فكانت “إيران كونترا” في الثمانينيات دليلاً على براغماتية النظام الإيراني، وكذلك كان الاتفاق النووي عام 2015 والمحادثات الجارية حالياً لإيجاد تفاهمات مع واشنطن، بديلة لرفع العقوبات عنها.

وهنا يركز خامنئي على مفهوم الحوار بين الأديان والمذاهب، وعلى رغم تكرار مفهوم الوحدة في خطابات الخميني التي دعا فيها إلى حكومة إسلامية عالمية، ثم تطور المفهوم مع خامنئي إلى مفهوم الصحوة الإسلامية، لكنه في الخطاب الحالي يركز على مسار الحوار والتقريب بين المذاهب، ليتفق ذلك مع المسار الحالي للانفتاح على دول الإقليم العربية والمسلمة.

ويعد موسم الحج من المناسبات المهمة في إيران، ليس على مستوى توجيه الرسائل السياسية، بل كذلك لتقديم منظور إيراني لمفهوم الحج، فتعمل طهران جاهدة على تقديم نفسها كنموذج للإسلام الصحيح، وهو أحد تجليات مركزية أدوار الثقافة والدين والأيديولوجية في السياسة الخارجية الإيرانية، لا سيما في محيطها الإقليمي الإسلامي، إذ تعتبر أن تفسير الثورة الإسلامية للإسلام هو الإسلام الصحيح والنقي، وعملت على تقديم نموذج جذاب لقطاعات واسعة من المسلمين والعرب.

ومن أهم مظاهر ذلك ما روج له محمد علي لاريجاني عن “نظرية أم القرى” الداعية إلى إمبراطورية إسلامية مركز قيادتها إيران ذاتها، ويشير استخدام كلمة أم القرى، وهو التعبير الشائع في اللغة العربية عن مكة المكرمة، إلى طرح إيران نفسها بديلاً لمكة والسعودية.

وتعني “نظرية أم القرى” وجوب أن تكون إيران مركز الأمة الإسلامية، على أن تتأسس في نهاية المطاف إمبراطورية إسلامية، فالعالم الإسلامي يمثل أمة واحدة أساس وحدتها القيادة، وقيادة العالم الإسلامي تقوم على ولاية الفقيه، إذ إن الأقرب إلى نبي الإسلام هو الأقرب في العلم والتقوى، كما اعتبرت إيران نفسها نقطة البداية نحو الوحدة الإسلامية.

أما من جهة الشعائر الدينية فقد عملت إيران على إعادة تقييم الشعائر وطرحت فلسفة خاصة بها، فيما يعني رفض شعيرة الحج التقليدية نموذجاً، فقد طرحت فكرة إعادة النظر في فلسفة الحج واعتبرت أن لديها تقييماً أو تعريفاً جديداً للحج سمته “الحج الإبراهيمي”، بحسب تعبير الخميني، مما جعله في الذهنية الإيرانية يتشكل من بعد عِبادي وآخر سياسي لا يقل أهمية عنه.

اندبندت عربي