رأى بيتر بيومنت، في تحليل بعنوان: “جنين قبل وجنين الآن، ضعف قوات الأمن الفلسطينية هو الاختلاف الرئيسي”، أن تهميش السلطة الوطنية قاد إلى جيل جديد من المسلحين الذين لم يكن بالإمكان التحكّم بهم: “جنين قبل 21 عاماً، جنين اليوم. في عام 2002، كان هجوم بالمروحيات القتالية التي تحوم فوق مخيم اللاجئين في الضفة الغربية، ومعركة قاسية استمرت أسبوعاً، أما الهجوم الجديد فقد قادته المسيرات، حيث دخل الجنود الإسرائيليون المدينة، وحوّلوا مركز المخيم إلى أنقاض. ولا تزال مشاهد من قتال قبل عقدين قائمة، حيث كان الصحافيون فوق أشجار الزيتون خارج المخيم يراقبون النيران من الطائرة المروحية على الشوارع، وامرأة كانت تقف في غرفة على الطابق الأول من بيت قسم نصفين. ورجل على كرسي متحرك كان يحاول عبور شارع وسط حقل من شظايا بيوت مهشمة”.
الصحيفة: في الانتفاضة الثانية، شاركت قوات الأمن ومقاتلون مرتبطون برموز فلسطينية بارزة في القتال. وفي هذه الدوامة من العنف، كان غياب قوات الأمن الفلسطيني سبباً في التصعيد الأخير.
عندما انجلى غبار المعركة عمّا صار يعرف بـ “معركة جنين“، عام 2002، كشف عن استشهاد أكثر من 50 فلسطينياً، ومقتل 23 جندياً إسرائيلياً، قتل 13 منهم في كمين واحد وهم يحاولون المرور في شوارع مزروعة بالمفخخات. أما العملية الإسرائيلية الحالية، فقد وصفت بأنها الأكبر في الضفة الغربية، منذ دخول القوات المدن الفلسطينية أثناء الانتفاضة الثانية، وحصار المقاطعة، التي كان يقيم فيها ياسر عرفات في رام الله، وحصار كنيسة المهد في بيت لحم، و”تلك أيام عنف في الضفة الغربية، كانت فيها الدبابات الإسرائيلية في الشوارع، ومعارك صاخبة وجنازات غاضبة تبعتها”. إلا أن جنين، والضفة الغربية بشكل عام، تغيرت في العقدين الماضيين، حيث همشت إسرائيل وبشكل ثابت السلطة الوطنية التي يدعمها الغرب، بشكل فتح المجال أمام جيل من المسلحين خارج عن السيطرة.
ويقول الإسرائيليون إنهم نشروا في الهجوم الحالي 2.000 جندي، والعملية قد تستمر لأيام. ويبدو هذا مألوفاً، فمرة أخرى تشق الجرافات المصفحة طريقها إلى المخيم، واعتلى قناصة ظهور البيوت، في عملية تمت المصادقة عليها قبل 10 أيام.
وقبل والآن، فإن مخيم جنين هو المكان الذي اعتُبرت فيه قبضة الأمن الفلسطيني ضعيفة. فقد حصل هجوم عام 2002، مباشرة بعد عملية “انتحارية” في عطلة يهودية، قتل فيها 30 شخصاً. أما هجوم الإثنين فقد حصل بعد مواجهة عنيفة، قبل أسبوعين، في جنين، وبعدما قال الجيش إن صاروخاً أطلق من المنطقة، في الأسبوع الماضي.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي العقيد ريتشارد هيتش، مدافعاً عن العملية: “كان هناك حراك هنا حول جنين، منذ العام الماضي”.
وإن كان هنالك فرق، ففي الانتفاضة الثانية، شاركت قوات الأمن ومقاتلون مرتبطون برموز فلسطينية بارزة في القتال. وفي هذه الدوامة من العنف، فقد كان غياب قوات الأمن الفلسطيني سبباً في التصعيد الأخير.
همشت إسرائيل وبشكل ثابت السلطة الوطنية التي يدعمها الغرب، بشكل فتح المجال أمام جيل من المسلحين خارج عن السيطرة.
ويقول الكاتب إن مستوى المقاومة في المخيم فاجأ الإسرائيليين، حيث أظهرت لقطات فيديو انفجاراً جرح سبعة جنود إسرائيليين، ومروحيات وغارات بالمسيرات لإنقاذ الجنود. كل هذا زاد من الضغوط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من وزارئه المستوطنين وأنصارهم في الضفة الغربية لشن عملية واسعة هناك. وهو حادث كشف عن ضعف نتنياهو، فقد أسهمت سنوات التهميش للسلطة الوطنية، كشريك محتمل في السلام وحكومة قابلة للحياة، وتحالفه مع اليمين المتطرف، الذي تجرأ أكثر على خلق فراغ في المجتمع الفلسطيني بالضفة. كل هذا شجّع الجماعات المسلحة في جنين والمدن الأخرى بما فيها نابلس، وكجيل جديد غير راض عن السلطة الوطنية.
ولكن نتنياهو أضعف من جهة أخرى، وهذا مرتبط بتوقيت الهجوم، فهو يرغب بالظهور بمظهر القوي وسط احتجاجات جديدة ضد قانون الإصلاحات القضائية التي بدأت النقاشات حولها، يوم الأحد. وربما أراد حرف النظر في ضوء مطالب بعض الساسة لتعليق التظاهرات أثناء العملية. لكن هناك شيئاً واضحاً؛ فمحاولة إعادة النظر في عنف الضفة والمدن الأخرى، كما أظهرت تجربة غزة بوضوح، لن يحل الموضوعات القديمة والسامة للاحتلال وبناء المستوطنات.
القدس العربي