أعلنت تركيا ومصر، في بيان مشترك صادر عن وزارتي خارجية البلدين، أمس الثلاثاء، رفع علاقاتهما الدبلوماسية إلى مستوى السفراء. ورشحت أنقرة صالح موطلو شن ليكون سفيراً لها لدى القاهرة، فيما رشحت مصر عمرو الحمامي ليكون سفيراً لها في أنقرة.
وقال البيان المشترك إن “رفع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، جاء تماشياً مع قرار اتخذه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وإن الخطوة، تهدف إلى تأسيس علاقات طبيعية بين البلدين من جديد، كما تعكس عزمهما المشترك على العمل نحو تعزيز علاقاتهما الثنائية لمصلحة الشعبين المصري والتركي”.
السيسي سيزور أنقرة في 27 يوليو
من جهته، قال مصدر دبلوماسي مصري، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه لـ”العربي الجديد”، إن الدوائر الدبلوماسية في البلدين، توافقت على ترتيب زيارة رسمية للرئيس المصري إلى أنقرة تلبية لدعوة نظيره التركي، مضيفاً أن الموعد المحدد للقمة هو في 27 يوليو/تموز الحالي في العاصمة التركية أنقرة.
مصدر دبلوماسي مصري: الدوائر الدبلوماسية توافقت على ترتيب زيارة رسمية للرئيس المصري إلى أنقرة
وأوضح الدبلوماسي المصري أنه من المقرر أن يستتبع تلك القمة، زيارة سيقوم بها أردوغان للقاهرة، في الشهر التالي، ستستمر 3 أيام ستتخللها مجموعة من اللقاءات مع مسؤولين عرب.
وبحسب الدبلوماسي المصري ستتضمن أجندة القمة الأولى الرسمية التي ستعقد بين الرئيسين في أنقرة، مجموعة من ملفات التعاون، التي سيأتي في مقدمتها، ملف الأزمة الليبية، والترتيبات المشتركة في إطار خطط التعاون الجديدة التي تراعي مصالح الجانبين، والأوضاع في شرق المتوسط.
ولفت، في الوقت ذاته، إلى أن القاهرة أكدت خلال اجتماعات تمهيدية غير معلنة أخيراً رفضها أية رسائل أو تصريحات استفزازية من جانب تركيا، لشركاء مصر في المنطقة، في إشارة إلى اليونان وقبرص.
أسواق
التقارب السياسي يفتح الباب لزيادة التجارة بين تركيا ومصر
وحول التوقعات بشأن مضي البلدين في الاتفاق على قضايا ملحة وعاجلة بعد استعادة السفراء، اعتبر المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير حسين هريدي، بحديث لـ”العربي الجديد”، أنه “ليس هناك ملفات يتم النظر فيها سريعاً، وأخرى بصورة مغايرة، فالأمور ستسير بشكل طبيعي بين البلدين، وستكون هناك فترة يدرس فيها كل طرف، فرص تعزيز التعاون الثنائي في شتى المجالات. كما أن هناك بعض القضايا الإقليمية التي تفرض نفسها، مثل الأوضاع في ليبيا، والسياسات التركية في الشمال السوري”.
اهتمام مصري بالملف الاقتصادي والمالي
أما الباحث المتخصص في السياسات العامة، أحمد محسن، فقال لـ”العربي الجديد”، إنه “بالنسبة للجانب المصري سيكون هناك اهتمام أكبر بالملف الاقتصادي والمالي، لذلك من المتوقع أن نشهد إجراءات لتسهيل مجيء الأتراك للسياحة في مصر، وكذلك تسهيلات وتحسينات تشجّع قدوم رجال الأعمال الأتراك إلى مصر، للشروع في بدء مشروعات جديدة أو تنشيط مشاريع قائمة والاستثمار في مصر”. وأضاف: “في الحقيقة فإن الجانب الاقتصادي يهم البلدين، ويمكن تحقيق خطوات ملموسة ونتائج على المدى القصير والمتوسط”.
وأضاف محسن: “أما بالنسبة لتركيا، فسينصب اهتمامها الأكبر على الملف السياسي، وذلك من خلال العمل بشكل متسارع على إعادة العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع مصر إلى مستوياتها السابقة، قبل بداية الأزمة في 2013”. وتابع: “أيضاً، سيكون هناك اهتمام بزيادة مساحات التشاور والتنسيق في الملفات الإقليمية، ومحاولة الوصول إلى تصريحات أو مواقف مشتركة في عدد منها، مثل الهجرة عبر البحر المتوسط، وأوضاع اللاجئين في المنطقة”.
تسوية العديد من الملفات الثنائية
من ناحيته، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري السفير رخا أحمد حسن، لـ”العربي الجديد”، إن “وصول العلاقات إلى مستوى إعادة السفراء يدل على أنه تمت تسوية العديد من الملفات الثنائية، إن لم يكن كل الملفات الخاصة بالعلاقات الثنائية بين البلدين”.
وأضاف أن “هذه الخطوة تأتي تمهيداً لما سبق الاتفاق عليه، من إنه سيكون هناك لقاء يجمع بين السيسي وأردوغان، وخلال هذا اللقاء من المرجح أن يتم تناول ما تبقى في العلاقات الثنائية من أجل تطويرها ومحاولة أن تعود لمستواها السياسي لما كانت عليه قبل سحب السفراء، وبحث إمكانيات دخول تركيا في مشاريع جديدة داخل مصر، وربما إعادة بعض الاتفاقيات لتنشيطها، ومنها الاتفاقية التي تسمح لتركيا بالمرور بشاحناتها عبر مصر إلى دول أخرى”.
أحمد محسن: بالنسبة للجانب المصري سيكون هناك اهتمام أكبر بالملف الاقتصادي والمالي
وتابع حسن: “يأتي الملف الليبي في المقدمة، رغم أنه ملف معقد ومرتبط بأوضاع داخلية وخارجية وقوى دولية مختلفة، لكن يمكن بحث كيفية مساعدة الليبيين من الطرفين، فلكل دولة تأثيرها داخل الأراضي الليبية، فيمكن التوافق بين الطرفين على مساعدة الليبيين، والعمل على إنهاء الخلافات وإجراء الانتخابات، وهذه الخطوة تساعد على المطلب المصري العام، بسحب المرتزقة الذين جاؤوا بعد محاولة خليفة حفتر الاستيلاء على طرابلس وعودتهم إلى بلدهم، ومحاولة توحيد الجيش الليبي”. وتابع: “مصر لها دور غير مباشر في الأزمة السورية، لذا ربما يتم التشاور على مسار التطبيع بين تركيا وسورية”.
لا مشكلة مصرية تركية في شرق المتوسط
وعن ملف تعيين الحدود البحرية بين الدولتين، قال حسن إنه “لا توجد مشكلة معينة بين مصر وتركيا في ملف شرق المتوسط، إنما المشكلة بين تركيا من جهة وقبرص واليونان من جهة أخرى، وهذا الخلاف به جانب قانوني ليس له حل في الظروف الحالية، فالأطراف الثلاثة، مصر وقبرص واليونان، يطبقون الاتفاقية الدولية للأمم المتحدة لأعالي البحار، التي تلتزم بها الأغلبية العظمى من دول العالم، وتركيا لا تعترف بهذه الاتفاقية، فعلى أي سند قانوني يمكن الاتفاق على ترسيم الحدود، أظن أن هذا الملف سيشهد تبادلاً للآراء ووجهات النظر أكثر منه محاولة للوصول لحل حاسم”.
يذكر أنه تم تخفيض العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا، عقب الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي صيف 2013، لكنها لم تنقطع، وبقيت في مستوى قائم بالأعمال وسط استمرار التعاون الاقتصادي بشكل قوي. واستمرت العلاقات المصرية التركية على حالها، حتى لاح في الأفق تحول إيجابي، مع إجراء مصر وتركيا في مايو/أيار وسبتمبر/أيلول 2021، أكثر من جولة لـ”محادثات استكشافية” بينهما، بشأن تباينات منذ 2013.
وزار وزير الخزانة والمالية التركي السابق نور الدين نباتي القاهرة في يونيو/حزيران 2022 للمشاركة في الاجتماع السنوي للبنك الإسلامي للتنمية، وكان أول وزير تركي يزور مصر منذ 9 سنوات. وفي 23 أغسطس/آب 2022 انطلق اجتماع نظمته وزارة التجارة التركية في القاهرة، بين رجال أعمال أتراك ومصريين، وسط ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 85 في المائة خلال الربع الأول من 2022 مسجلاً 2.5 مليار دولار مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2021 بـ 1.3 مليار دولار، قبل أن تترجم مسارات التشاور والتقارب فعلياً بلقاء أردوغان والسيسي، على هامش مونديال قطر أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2022، والتي عدتها الرئاسة المصرية “بداية لتطوير العلاقات”.
وتواصلت التصريحات الإيجابية المرحبة بدفع العلاقات لمستوى أكبر بين البلدين. وتوجت عقب زلزال 6 فبراير/ شباط الماضي في تركيا وسورية، باتصال من الرئيس المصري بأردوغان، وزيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لأنقرة في 27 فبراير/شباط الماضي مع توالي إرسال القاهرة مساعدات إغاثية وإيوائية وطبية لتركيا.
وفي 18 مارس/ آذار الماضي، أجرى وزير الخارجية التركي في ذلك الحين مولود جاووش أوغلو زيارة إلى مصر، تلبية لدعوة شكري، في زيارة هي الأولى من نوعها لوزير خارجية تركي منذ 11 سنة، في إطار بحث العلاقات وقضايا دولية وإقليمية.
العربي الجديد