القاهرة- كشفت الأرقام والإحصائيات الصادرة عن جهات رسمية من القاهرة خلال الأيام الأخيرة عن ارتفاع التضخم الشهري والسنوي، كما تصاعدت الشكاوى من الركود بالأسواق المحلية في ظل وجود سعر موازٍ للدولار الأميركي بفارق كبير عن السعر الرسمي، بينما تكثف الحكومة محاولاتها لإيجاد حلول متنوعة تمتص الصدمات الاقتصادية وتوفر احتياجات المواطنين، وفق بيانات رسمية.
وأعلنت جمعية “مواطنون ضد الغلاء” المعنية بحماية المستهلك وضبط الأسواق بمصر عن وجود “حالة ركود غير مسبوقة ” ناتجة عن ما سمته “اختفاء وجفاف السوق من السيولة المالية” وعدم توفر نقود مع المواطنين للشراء.
ويرى خبراء اقتصاديون -تحدثوا للجزيرة نت- أن الحكومة المصرية مطالبة بالتحرك في مسارات متوازية في أقصى وقت ممكن، لإنقاذ الأسواق مع إيقاف المشروعات غير الضرورية، وإعداد خطط تسويقية متميزة لجذب النقد الأجنبي من المستثمرين والمصريين بالخارج والعمل على منع السوق السوداء.
مسار حكومي مرن
وكشف موقع الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر عن ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى 36.8% في يونيو/حزيران الماضي، مقابل 14.7% مقارنة من الشهر ذاته العام الماضي، وارتفاع الرقم القياسي العام للتضخم بنسبة 2% على أساس شهري مقارنة بمايو/أيار السابق.
وأشارت الإحصائيات -الصادرة عن البنك المركزي المصري– إلى ارتفاع التضخم الشهري في يونيو/حزيران بنسبة 2.83%، مقارنة بمايو/أيار، بينما حددت نسبة التضخم السنوي بقيمة 35.710%.
وقد انخفضت العملة المحلية (الجنيه) أمام الدولار الأميركي بنسبة 50% منذ مارس/آذار 2022، لتستقر حاليا عند 30.90 جنيها لكل دولار الواحد، في حين وصل سعر السوق الموازي إلى 40 جنيها مقابل الدولار الواحد وفق تقديرات غير رسمية.
وكان وزير المالية محمد معيط أشار إلى أن مصر تنتهج ما سماه “المسار المرن” في إدارة المالية العامة للدولة، لامتصاص الصدمات المترتبة على الأزمات العالمية المتتالية، وتلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وتحسين الإيرادات وبذل المزيد من الجهد في تنفيذ العديد من الإصلاحات الاقتصادية، وسد الفجوة الدولارية.
وقف إجراءات تعمق الركود
أكد الخبير الاقتصادي ممدوح الولي أن حالة الركود بالأسواق المصرية ليست حديثة العهد بسبب أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، ويثبت ذلك بيانات مؤشر مديري المشتريات للقطاع الخاص غير النفطي الشهرية التي تنشرها وزارة التخطيط دوريا، وتؤكد وجود حالة من الانكماش منذ حوالي 7 سنوات بداية من ديسمبر/كانون الثاني 2020 حتى الشهر الماضي لمدة 32 شهرا متتاليا.
ويضيف الولي -في حديثه للجزيرة نت- أن الحكومة مطالبة بوقف أي إجراءات تعمق الركود مثل فرض مزيد من الضرائب والرسوم، وزيادة أسعار المنتجات البترولية رغم تراجع أسعار النفط دوليا من 120 دولارا للبرميل لخام برنت في يونيو/حزيران من العام الماضي إلى أقل من 75 دولارا الشهر الماضي.
ويطالب الخبير الاقتصادي بوقف التدخل غير المدروس للحكومة فى تداول بعض السلع -مثل الأرز- حيث فرضت التوريد الإجباري لها بسعر أقل من السوق فقام المنتجون بتخزينها مما ساعد على رفع الأسعار، وهو ما حدث كذلك مع القمح.
ويشير الولي إلى أن الحكومة قامت مؤخرا بطبع المزيد من النقد خلال الشهور الأخيرة (مارس/آذار وأبريل/نيسان ومايو/أيار) بقيمة 156.4 مليار جنيه (5.06 مليارات دولار) مما يؤجج التضخم ويقلل قدرة المواطنين الشرائية، بينما ما زالت الجهات الحكومية والسيادية تتمتع بمزايا تجارية تتفوق بها عن القطاع الخاص، مما يقلل من قدرته على المساهمة في تحريك الأسواق واستيعاب عدد أكبر من العمالة.
حزمة خطوات متوازية
ويؤكد الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي -في حديثه للجزيرة نت- أن الأزمة الاقتصادية في مصر هيكلية تختلف مظاهرها من وقت إلى آخر، وتحتاج حزمة من الخطوات المتوازية من قبل الحكومة، في مقدمتها تطبيق معايير النزاهة والشفافية في دورة العمل الاقتصادي الرسمي، وإيقاف كافة المشروعات غير الضرورية التي لا تتناسب مع طبيعة المرحلة، وتكثيف الجهود لإعادة التوازن في الميزان التجاري وتقليل الواردات غير الضرورية مع السماح باستيراد مستلزمات الإنتاج والسلع الضرورية في المرحلة الحالية.
ويرى الصاوي أن مصر تحتاج إلى استثمار كثيف للعمالة لمواجهة البطالة، مع معالجة نقص موارد النقد الأجنبي من خلال إدارة جيدة لسعر الصرف واستقراره، والتركيز على الصادرات السلعية، وعدم الاقتصار على السياحة وموارد قناة السويس.
الركود التضخمي
من جهته، يرى الباحث والصحفي الاقتصادي إبراهيم الطاهر -في حديثه للجزيرة نت- أنه يمكن حل المشكلة الاقتصادية الحالية باستيعابها بالشكل الصحيح، وأن ما يحدث في مصر حاليا يطلق عليه “الركود التضخمي” وهو أخطر من الركود العادي حيث ترتفع الأسعار رغم الركود وعدم القدرة على الشراء.
ويؤكد الطاهر أهمية التوافق الحقيقي مع المؤسسات الدولية لسد الفجوة الدولارية، وكسب شركاء جادين، مع طرح مبادرات منطقية لجذب العملة الصعبة من المصريين المقيمين بالخارج.
المصدر : الجزيرة