تؤكد المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن العالم يشهد أشد الأعوام حرارة على الإطلاق، وأن الشهر الحالي هو الخامس عشر على التوالي الذي يشهد حرارات قياسية في الأرض والمحيطات.
تعيش أغلب الدول العربية، كما دول في قارات أوروبا وأمريكا وآسيا وأستراليا، مجددا هذا العام، موجة قصوى من درجات الحرارة تجاوزت في السعودية وبعض دول الخليج الخمسين درجة مئوية، وأدى امتداد الموجة في أوروبا إلى حالة «إنذار أحمر» في إيطاليا مع توقع أن تصل موجة الحر اسبانيا وفرنسا وألمانيا، وقد تسببت هذه الموجة بكارثة بيئية كبيرة في كندا بتعرضها لحرائق غابات طالت يعادل مساحة ايسلندا، كما ضربت ولايات من غرب أمريكا.
يزداد أثر تداعيات هذا الاحترار المناخي والكوارث الطبيعية على بعض المناطق العربية التي تعاني فوق ذلك أنواعا من الكوارث السياسية، كما هو حال المناطق الفلسطينية المحتلة، التي ارتفعت درجة الحرارة فيها خلال الثلاثين سنة الأخيرة، والتي تعاني من آثار الجفاف المتفاقم ونقص المياه عاما بعد عام، وخصوصا في غزة التي تعاني من انحسار مساحات الأراضي الخضراء والمراعي، وليبيا، التي تتعرض سدودها المائية للتخريب والنهب، واليمن الذي كان العام الماضي ثالث الأعوام الأكثر جفافا خلال أربعة عقود، اضافة لتناقص الأمطار وتعرضه لأنماط متطرفة من تغيرات المناخ وارتفاع درجات الحرارة والجفاف والفيضانات، وسوريا التي شهدت ارتفاعا في درجات الحرارة وحرائق متكررة، ونقصانا في هطول الأمطار، وفيضانات، وزلازل، وتعرضت لأسوأ موجة جفاف منذ سبعين عاما، وهذه الحالة العامة تنطبق على بلدان عربية أخرى.
تؤدي هذه «القبة الحرارية» كما توصف بمصطلحات علم المناخ، إلى احتباس متواصل للضغط العالي الحرارة بحيث يتحول إلى ما يشبه غطاء «يطبخ» البلدان التي تحته، ومع تواصله لأيام أو أسابيع، يترك تأثيرات خطيرة على صحة البشر، كما تتأثر الزراعة والثروة الحيوانية فتتعرض المحاصيل والحيوانات لخطر الجفاف وفقدان المياه، وتنشب الحرائق.
يتابع هذا الحدث خطا متصاعدا عبر السنوات الماضية، بحيث بلغ متوسط درجة الحرارة العالمية 1,15 درجة مئوية فوق متوسط درجات الحرارة العالمي حتى عام 1900، وتسببت، في العام الماضي وحده، بوفاة 61000 شخص في أوروبا، وسيستمر هذا الارتفاع، حسب الأمم المتحدة، ليصل إلى قرابة 3 درجات مئوية بحلول نهاية القرن، في إعلان رهيب عن مفاعيل عملية الاحترار المناخي التي تضرب كوكب الأرض.
أطلق على موجة الحرارة الحالية وصف سيربيروس وهو اسم وحش ثلاثي الرؤوس من ملحمة شاعر عصر النهضة الإيطالي دانتي، وهو اسم ينطبق أكثر على أحوال الدول العربية المنكوبة فوق التغير المناخي المريع بأشكال الاحتلال والاستبداد، حيث يزيد هذا العنصر المناخي من أشكال اللاعدالة العالمية وداخل المجتمعات نفسها، فالحروب والتدخلات العسكرية إلى تدمير للبنى التحتية والغطاء النباتي وتلوث المياه والتربة، وإذا كان التغير المناخي يؤثر على البشر في كل مكان، فإنه، في البلدان والمناطق التي تعاني من الاحتلال، كما هو الحال في فلسطين، فإن تدهور المناخ يتضافر مع سرقة الأراضي والمياه والقمع، وفي البلدان التي تعاني الاستبداد والحروب الأهلية، ينضاف الفقر والتهجير وانخفاض الدخل والتهميش إلى كوارث الطبيعة بشكل تهدد حقوق الإنسان الأساسية ويفاقم التحديات البيئية والسياسية والاقتصادية التي تواجهها الشعوب.
والحال أن الوحش ذا الرؤوس الثلاثة العربي يجمع بين قسوة المناخ، وهمجية الاحتلال، ووحشية الاستبداد.
القدس العربي