شهدت قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي عقدت الأسبوع الماضي في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا قرارات غير مسبوقة تتعلق بدعم طويل الأمد لأوكرانيا في الصراع مع روسيا، وانطوت على حزمة من ثلاث نقاط تتضمن برنامجاً جديداً للمساعدة متعددة السنوات تشمل التسليح وإعادة بناء قطاع الأمن والدفاع وتدشين مجلس جديد باسم “الناتو – أوكرانيا” وتسهيل عملية انضمام كييف للحلف.
كما أعلن قادة مجموعة السبع خططاً لالتزامات أمنية طويلة الأجل تجاه أوكرانيا من خلال إطار عمل جديد يسعى إلى إنشاء التزامات أمنية ثنائية بين الدول الأعضاء في المجموعة وأوكرانيا، وتوفير المساعدة الأمنية والمعدات العسكرية الحديثة والمساعدات الاقتصادية لمدة غير محددة.
القرارات جنباً إلى جنب مع توسع الناتو شمالاً بانضمام فنلندا واقتراب السويد من الالتحاق بالحلف، جعلت من اجتماعات فيلنيوس قمة “تاريخية” بحسب وصف مصدر مسؤول في الحلف لـ”اندبندنت عربية”، لكنها في الوقت نفسه تدفع بتساؤل عن تأثيرها في مشهد الحرب في أوكرانيا التي طالما طالب رئيسها فلوديمير زيلينسكي بأسلحة متطورة تجعل الصراع أكثر توازناً، لا سيما أن تحالفاً يضم 11 دولة سيدرب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات “أف-16” التي تطالب كييف بتسلمها لدعم هجومها المضاد.
خيبة أمل
باستطلاع آراء بعض الصحافيين الأوكرانيين المرافقين لزيلينسكي في فيلنيوس، فإنهم أبدوا خيبة أمل في شأن ما أسفرت عنه القمة باعتباره لا يرقى إلى ما كان مأمولاً بدعم من شأنه أن يغير الأوضاع على الأرض في حرب غير متوازنة بين قوى عظمى مثل روسيا لديها آلة تسليح ضخمة وأوكرانيا التي تخلت عن أسلحتها النووية بموجب “مذكرة بودابست” التي وقعتها مع روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا عام 1994 بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
خلال القمة أعرب الرئيس الأوكراني علناً عن استيائه لعدم توفر جدول زمني لانضمام بلاده إلى التحالف العسكري الغربي، وهو الأمر الذي بدا أيضاً في حديث الصحافيين الأوكرانيين.
وقالت صحافية تحدثت لـ”اندبندنت عربية” وطلبت عدم ذكر اسمها، “نحن بحاجة إلى صواريخ باترويت، نحن بحاجة إلى أسلحة حقيقية نستطيع أن نواجه بها الآلة الروسية، نعيش كل يوم وكل ساعة تحت القصف والمعركة غير متوازنة”.
وأضاف صحافي آخر قائلاً “الغرب يعلم أننا في حرب منذ عام 2014، فالمعركة في أوكرانيا ليست حول الانضمام للناتو وإنما هي أطماع تاريخية لروسيا، لا يوجد مبرر لعدم ضم أوكرانيا في الحلف، هذا هو الأمر الوحيد الذي ينبغي حدوثه لتغيير المشهد على الأرض”.
وتعليقاً على تصريح الرئيس الأوكراني بأن الضمانات الأمنية الغربية لأوكرانيا تسمح لكييف بالاندماج مع الناتو، وهو تغير في لهجته بعيداً من طريقته الدائمة في انتقاد قادة الحلف الذين يصرون على انتهاء الحرب أولاً قبل قبول كييف كعضو، قال الصحافي “عليك أن تكون ممتناً أحياناً، أعتقد أن هذا ما كان ينبغي إظهاره”.
خطوة محدودة
وفق السفير الأميركي الأسبق لدى أوكرانيا مدير مركز أوراسيا التابع للمجلس الأطلسي في واشنطن جون هيرست، فإن “بيان قمة الناتو حول العلاقة بين أوكرانيا والحلف لم يكن ملهماً، وتجاوز بشكل طفيف لغة قمة بوخارست عام 2008 التي فتح فيها الباب أمام أوكرانيا وجورجيا للانضمام، وفي حين جاءت الضمانات الأمنية التي قدمتها مجموعة السبع كخطوة إلى الأمام نحو تعزيز أمن أوكرانيا لكنها ليست خطوة كبيرة للغاية”.
اقرأ المزيد
الناتو: مستقبل أوكرانيا في الانضمام للحلف بلا “جدول زمني”
هل عمقت حرب أوكرانيا جرح شركاء الأطلسي؟
لماذا مثلت قمة السبع تغييرا في قواعد اللعب الغربية؟
“السبع الكبار” بين هجوم أوكرانيا ومخاوف هيروشيما ثانية
ينص الإعلان بالإيجاب على حق أوكرانيا في اختيار مسارها الخاص والانضمام إلى التحالف الغربي والتحرر من التخويف والعدوان، لكنه لا يقدم إجراءات جماعية لمجموعة السبع التي قد توفر حماية أكبر ضد استفزازات الكرملين في المستقبل، وبدلاً من ذلك فإنه يشجع الترتيبات الثنائية بين أوكرانيا ودول مجموعة السبع ويركز على توفير الأسلحة.
يقول هيرست إنه “في حين جاء ذلك معقولاً لكنه أقل فاعلية من الضمان الفعلي من دول مجموعة السبع للرد بقوة على عدوان الكرملين في المستقبل، ومع ذلك فإن هذه الخطوة تقوضها حقيقة أن جميع دول المجموعة، مع استثناءات محتملة من المملكة المتحدة وربما الآن فرنسا، كانت مترددة في إرسال أسلحة أكثر تقدماً إلى أوكرانيا لتوجيه تلك الضربة الحاسمة إلى القوات الروسية على أراضيها”.
في حين اعتبر المعلقون الروس بيان الناتو محبطاً لكييف، لكنهم أعربوا عن بعض الاستياء من إعلان مجموعة السبع، ومع ذلك فإن غضبهم الحقيقي كان موجهاً إلى باريس، بعد قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إرسال صواريخ بعيدة المدى من طراز SCALP إلى أوكرانيا، وهو ما يؤكد خلافات فرنسا مع واشنطن التي لا تزال غير مستعدة لإرسال أنظمة الصواريخ التكتيكية.
التلويح بحرب عالمية
عقب صدور بيان حلف الناتو في ختام اليوم الأول لاجتماعات القمة أبدت موسكو غضباً، وقال ديمتري ميدفيديف نائب سكرتير مجلس الأمن الروسي برئاسة الرئيس فلاديمير بوتين إن زيادة حلف شمال الأطلسي مساعداته العسكرية لأوكرانيا تقرب الحرب العالمية الثالثة، مضيفاً أن المساعدات لن تمنع روسيا من تحقيق أهدافها في أوكرانيا.
وكتب ميدفيديف على تطبيق المراسلة “تيليغرام”، “لم يستطع الغرب الذي استبد به الجنون أن يأتي بشيء آخر، في الواقع إنه طريق مسدود، الحرب العالمية الثالثة تقترب”، وأضاف “ماذا يعني كل هذا بالنسبة إلينا؟ كل شيء واضح، العملية العسكرية الخاصة ستستمر للأهداف نفسها”.
وفي حديث لـ”اندبندنت عربية” قال ديفيد دي روش، الذي عمل سابقاً كمدير عمليات الناتو لدى مكتب وزير الدفاع الأميركي والأستاذ الحالي لدى مركز الدراسات الأمنية في واشنطن، إن روسيا هي من صنعت هذه الأزمة برمتها، ومنذ بداية حربها ضد أوكرانيا في 2014، هددت بتصعيد الحرب ما لم يسمح لها بإعادة استعمار تلك الأراضي التي كانت تشكل الاتحاد السوفياتي. وأضاف “أدرك الجميع أنه لمنع حدوث ذلك، يتعين أولاً تسليح أوكرانيا بأسلحة غربية، وتوفير مدفعية متطورة وصواريخ أرض جو متقدمة ودبابات”.
وتعليقاً على تحذير موسكو من حرب عالمية ثالثة بسبب تلك الأسلحة الغربية، أشار دي روش إلى أن خط بوتين كان دائماً “سأستولي على هذا البلد، وإذا فعلتم أي شيء لمساعدته في الحفاظ على استقلاله السيادي فأنت تدفعنا إلى الاقتراب من حرب عالمية ثالثة يكون ضررها على مستوى أكبر كثيراً”، مشيراً إلى أن “مثل هذه الحجج لا ينبغي أن توقف الغرب عن دعم أوكرانيا، فهي حجج تنطلق من منطق استعماري”.
مع دخول الحرب الآن شهرها الـ17، يريد الناتو ردع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن توسيع الصراع ليشمل مناطق الحلفاء في أقصى الغرب، ويوجد نحو 40 ألف جندي على أهبة الاستعداد على طول الجانب الشرقي، وتحلق نحو 100 طائرة في سماء تلك المنطقة، وما مجموعه 27 سفينة حربية نشرت في بحر البلطيق والبحر المتوسط الشهر الجاري، ومن المقرر أن ترتفع هذه الأرقام.
وبموجب الخطط الجديدة التي أقرت في فيلنيوس، يهدف الناتو إلى نشر ما يصل إلى 300 ألف جندي على استعداد للانتقال إلى جناحه الشرقي في غضون 30 يوماً. وتقسم الخطط أراضيها إلى ثلاث مناطق، أعلى الشمال ومنطقة المحيط الأطلسي ومنطقة شمال جبال الألب، ومنطقة أخرى في جنوب أوروبا.
اندبندت عربي