جدل في العراق حول تشريع يجرّم الإساءة للرموز والمراجع الدينية

جدل في العراق حول تشريع يجرّم الإساءة للرموز والمراجع الدينية

تشهد الساحة السياسية في العراق هذه الأيام جدلا واسعا حول تشريع تدفع بعض القوى السياسية إلى إقراره، ويقضي بتجريم الإساءة للرموز والمرجعيات الدينية، ويرى نشطاء وخبراء قانون أن إقرار مثل هذا التشريع يشكل استهدافا جديدا لحرية التعبير في البلاد.

بغداد – تعالت أصوات بعض القوى السياسية في العراق مؤخرا تطالب بسن تشريع يجرّم الإساءة للمراجع والرموز الدينية، وذلك على خلفية التوترات التي استجدت بين التيار الصدري وحزب الدعوة الإسلامي الذي وجهت له اتهامات بمحاولة تشويه والمس من المرجع الديني الراحل محمد صادق الصدر.

وتثير هذه المطالبات قلق النشطاء الحقوقيين الذين يرون أن تشريعا هكذا من شأنه أن يضاعف ترسانة القوانين التي يراد منها المزيد من التضييق على واقع حرية التعبير في البلاد، وتكميم الأفواه، تحت ذرائع المس من الرموز والمرجعيات.

ويلفت النشطاء إلى أنه كان الأجدى التركيز على سن قوانين تهم المواطن العراقي ومشاغله، بدل الإتيان بهكذا تشريعات مثيرة للجدل، وقابلة للتوظيف.

ويقول هؤلاء إن هذا التشريع المزمع إعداده قابل للتوسع، وقد يشمل رجال الدين وغيرهم، وليس فقط المراجع، كما أن لا أحد يستطيع ضمان عدم شمول القانون لمراجع دين خارج العراق.

كتل سياسية قدمت مذكرة نيابية لإدراج مقترح قانون “تجريم الإساءة” وإحالته إلى اللجان المختصة لإقراره

وقدّمت كتل سياسية بينها “قادمون” و”سند” مذكرة نيابية إلى رئاسة البرلمان لإدراج مقترح قانون “تجريم الإساءة” وإحالته إلى اللجان النيابية المختصة لإقراره.

وسارع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى تأييد الخطوة، مشددا على أهمية إقرار تشريع يجرّم الإساءة للرموز الدينية، وذلك للقطع مع مساعي بعض الأطراف لإثارة فتنة شيعية – شيعية.

وقال الصدر في تغريدة عبر حسابه على تويتر “إذا لم يُسنّ قانون تجريم سبّ العلماء بغير وجه حق أو بغير نقد بنّاء فإن لنا طرقاً بعيدة عن العنف والقتل فهذا ليس ديدننا”.

واعتبر أن “اجتماع بعض القوى السياسية البرلمانية لأجل سنّ هذا القانون تحت قبّة البرلمان بعطي الأمل لنزع فتيل الأزمة”، مشددا “تنبغي الدقة في صياغة بنود هذا القانون وإلا كان كما يعبّرون: (سيفاً ذا حدّين)”.

وجاءت المطالبات بإقرار التشريع على خلفية إقدام محتجين تابعين للتيار الصدري، قبل أيام على اقتحام مقرات لحزب الدعوة الاسلامية، في عدد من المحافظات العراقية، ردا على ما اعتبروها “إساءة” وجهها حزب الدعوة بحق مرجعهم الراحل محمد صادق الصدر.

وكان القيادي في التيار الصدري ورئيس الكتلة الصدرية السابق، حسن العذاري، نشر تغريدة قال فيها “انتشرت في الآونة الأخيرة وبصورة لافتة للنظر مقاطع ومنشورات في مواقع التواصل الاجتماعي تسيء إلى سمعة وسيرة سيدنا الشهيد محمد الصدر (قدس سره) وتتهمه بالعلاقة من نظام البعث”، مشيرا إلى حزب الدعوة.

ورفض حزب الدعوة الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الاتهامات الموجهة إليه، مطالبا بـ”بيان الدليل” ومعرفة من الذي يسب ويشتم المرجع الديني محمد صادق الصدر.

فيما وجّه مجلس القضاء الأعلى بتشديد الإجراءات بحق مرتكبي جرائم الإساءة للرموز والمعتقدات الدينية. وجاء في بيان للمجلس أنه “بالنظر لشيوع جريمة الإساءة للرموز والمعتقدات الدينية في الآونة الأخيرة وجه مجلس القضاء الأعلى المحاكم المختصة بتشديد الإجراءات القضائية بحق مرتكبي هذه الجرائم التي تشكل مخالفة صريحة لأحكام المادة 372 من قانون العقوبات النافذ”.

ودعا مجلس القضاء الأعلى مجلس النواب إلى “ضرورة المضي في تشريع قانون الجرائم المعلوماتية بما يكفل حسن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وعدم استخدامها منصات لإثارة الفتن وزعزعة الأمن المجتمعي والحفاظ على رمزية ومكانة المرجعيات الدينية والاجتماعية والسياسية”.

وأكد رئيس كتلة “قادمون” النيابية، كامل العكيلي أن “كل أعضاء مجلس النواب مع تشريع قانون يجرّم الإساءة للرموز”، مشيرا في تصريحات لوكالة شفق نيوز العراقية أنه “يشمل جميع المراجع والرموز الدينية الأحياء منهم والأموات دون استثناء”، متوقعاً تشريع القانون خلال الأشهر المقبلة.

في المقابل استبعد عضو ائتلاف دولة القانون، وائل الركابي، إقرار القانون قريبا، حيث يحتاج وفق تعبيره، إلى الكثير من التفصيلات منها توضيح من هو المقصود بهذه الإساءة، وتحديد المرجع هل هو حي أم ميت، عراقي أم لا، وهل سيشمل القانون رجال الدين المعممين فقط أم الرموز الوطنية أيضا.

وأشار الركابي إلى أن “القانون الجديد يهدف لمنع الإساءة للرموز أو الشخصيات في الإعلام ومواقع التواصل، كونها تنعكس سلباً على واقعهم السياسي والمجتمعي عند مؤيديهم وأنصارهم، وبالتالي على تأثيرهم بالعملية السياسية”.

الصدر يعتبر أن اجتماع بعض القوى السياسية البرلمانية لأجل سنّ هذا القانون تحت قبّة البرلمان بعطي الأمل لنزع فتيل الأزمة

ويرى خبراء قانون أن إقرار مثل هذا التشريع لا معنى له حيث أن هناك نصوصا قانونية في العراق تجرّم أيّ إساءات بحق الطوائف والأديان على غرار المادة 372 من قانون العقوبات.

وتنص المادة 372 على أنه: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات أو بغرامة لا تزيد عن 300 دينار على كل من اعتدى بإحدى طرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينية، أو حقّر من شعائرها، ومن تعمد التشويش على إقامة شعائر طائفة، أو تعمد منعها أو تعطيلها، ومن خرّب أو أتلف أو دنّس بناءً مُعداً لإقامة شعائر طائفية دينية أو رمزاً له حُرمة دينية.

وأوضح الخبير القانوني علي التميمي بأن “الفقرة 5 من المادة 372 توسعت كثيراً في إيقاع العقوبة وإطلاق النص على الإساءة التي تطال أشخاصاً هم موضع احترام لدى طائفة معينة، أي ممكن أن يكون عالما أو مُكتشفا أو حتى باحثا، وليس رجل دين حصراً، وإنما موضع احترام لدى طائفة معينة”.

ويقول المحلل السياسي عبدالقادر النايل إن “قانون العقوبات العراقي صريح وواضح في معاقبة كل من يسيء للأديان أو رموزها ويدخل في العقوبة الجهات المروّجة والناقلة لهذه الإساءات غير المبررة، وبسبب عدم تفعيل القانون وتنفيذه أصبح نفر سواء سياسي أو اجتماعي يسيء لعلماء ومراجع المسلمين والديانات الأخرى”.

ويرى النايل خلال حديثه لوكالة شفق نيوز أن “تشريع المزيد من القوانين الموجودة بالأصل ترهق كاهل القضاء، وتعطي تفسيرات مزاجية يستخدمها البعض بطريقة انتقائية”.

وشدد النايل على ضرورة “التفعيل الحقيقي والعادل للقضاء والقانون ضد أيّ إهانة أو إساءة لمعتقد مذهب أو طائفة أو ديانة، خاصة الذين يفتعلون الإساءة لأغراض سياسية، بإضافة فقرة في القانون رقم 111 لسنة 1969، تحرم المسيء المشاركة في الانتخابات أو تولّي أيّ منصب، فهذه كفيلة بردع المسيئين”.

العرب