قد تتحول الدوامة الحالية للاستيلاء على السفن والتدابير الانتقامية الإيرانية إلى شيء يشبه حرب الناقلات في ثمانينيات القرن الماضي، إذا لم ترفق الولايات المتحدة جهودها العسكرية الرادعة بإشارات دبلوماسية قوية.
في 14 و 17 و 20 تموز/يوليو الجاري، أعلنت الولايات المتحدة أنها سترسل المزيد من القدرات العسكرية إلى منطقة الخليج العربي لتعزيز الردع ضد إيران. وتتضمن هذه التعزيزات مجموعة الاستعداد البرمائية “يو.إس.إس. باتان”، التي تضم وحدة استكشافية بحرية تحتوي على إمكانيات العمليات الخاصة المعتمدة حديثاً، ومدمرة دفاع صاروخي باليستي إضافية، وطائرات مقاتلة عالية الأداء من طراز “إف-16” و”إف-35″، التي ستزيد من قدرات طائرة المساندة القريبة “إيه-10” قيد التشغيل حالياً هناك. وقد اتُخذت هذه الإجراءات في الوقت الذي يستعد فيه “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني، على ما يبدو، للرد على احتجاز الولايات المتحدة وإندونيسيا مؤخراً لناقلتين تحملان نفطاً إيرانياً. وفي 20 تموز/يوليو، أصدر قائد البحرية في “الحرس الثوري الإسلامي” علي رضا تنكسيري تحذيراً صارخاً ضد أي دولة تصادر النفط الإيراني.
الاستيلاء على ناقلات
في 11 تموز/يوليو، احتجزت إندونيسيا الناقلة الإيرانية العملاقة “أرمان 114” بعد أن قُبض عليها في المياه الشمالية للبلاد وهي تنقل نحو مليوني برميل من النفط الخام الخفيف غير المرخص له، بقيمة تزيد عن 300 مليون دولار، إلى ناقلة عملاقة أخرى تدعى “إس تينوس”. ووفقاً للسلطات الإندونيسية، زيّفت الناقلة “أرمان 114” بيانات نظامها التلقائي لتحديد الهوية، للتمويه عن موقعها أثناء الرحلة.
وفي عام 2019، كانت الناقلة “أرمان 114” في قلب معركة قانونية بين إيران وحكومات جبل طارق وبريطانيا والولايات المتحدة، وكانت مسجلة آنذاك تحت أسماء “أدريان داريا 1″ و”غرايس 1”. وفي 4 تموز/يوليو من ذلك العام، استولى “مشاة البحرية الملكية” البريطانية على السفينة في مياه جبل طارق واحتجزوها لمدة ستة أسابيع بعد أن حاولت نقل 2.1 مليون برميل من النفط إلى سوريا نيابة عن “فيلق القدس” التابع “للحرس الثوري الإسلامي” الإيراني، في انتهاك لعقوبات الاتحاد الأوروبي ضد نظام الأسد. وفي وقت لاحق، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية الناقلة الإيرانية على القائمة السوداء بموجب “الأمر التنفيذي رقم 13224” الذي يستهدف الأفراد والكيانات التي تدعم الإرهابيين.
ورداً على هذه الإجراءات، استولت قوات الكوماندوز في “القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإسلامي” الإيراني في 19 تموز/يوليو 2019 على الناقلة السويدية “ستينا إمبيرو” التي كانت ترفع العلم البريطاني في مضيق هرمز. واحتجزت القوات السفينة وطاقمها لمدة شهرين إلى أن وافقت بريطانيا وجبل طارق على الإفراج عن “أدريان داريا 1” التي سلمت حمولتها الخام إلى سوريا بعد شهر.
وجاءت حادثة “أرمان 114” الأخيرة في أعقاب سلسلة من عمليات الاستيلاء والاستيلاءات المضادة التي بدأت عندما حجزت “القوات البحرية التابعة لجمهورية إيران الإسلامية” في نيسان/أبريل الماضي الناقلة “أدفانتج سويت” المتجهة إلى الولايات المتحدة والمملوكة للصين والتي تديرها تركيا. كما احتجزت القوات البحرية التابعة لـ”الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني الناقلة “نيوفي” المملوكة لليونان في أيار/مايو (وعادة ما تحمل السفينة الأخيرة النفط الخام الإيراني ولكنها كانت فارغة في ذلك الوقت). وجاءت هذه الاستيلاءات ظاهرياً رداً على أمر المحكمة الأمريكية في 28 نيسان/أبريل بمصادرة النفط الإيراني من ناقلة النفط “سويس راجان” التي تديرها اليونان. وبالمثل، استولت إيران على ناقلتين يونانيتين في العام الماضي لمدة ستة أشهر تقريباً بعد أن حاولت الولايات المتحدة مصادرة شحنة الناقلة الإيرانية “لانا” (“بيجاس” سابقاً) بالقرب من اليونان. ودفعت هذه الاستيلاءات السلطات اليونانية إلى إصدار أمر بالإفراج عن الناقلة “لانا” التي سَلمت شحنتها بعد ذلك لسوريا.
ومع ذلك، لا تزال قصة “سويس راجان” مستمرة، وترسو الناقلة الآن قبالة ساحل تكساس، لكن الشركات الأمريكية مترددة في تفريغ حمولتها البالغة 800 ألف برميل من النفط الخام خوفاً من أن تصبّ إيران جام غضبها على أصول هذه الشركات في الخليج العربي. وعلى ما يبدو، إن الردع الأمريكي في الشرق الأوسط ليس مقنعاً بما فيه الكفاية لطمأنة الشركات الأمريكية بشأن سلامة أعمالها في المنطقة.
وقد أساءت إيران، من خلال عمليات الاستيلاء وتحركاتها المضادة المختلفة، استخدام أحكام “اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982″، وتحديداً “المادة 111” منها، التي تتناول ملاحقة السفن الأجنبية في المياه الدولية إذا اشتبهت دولة ساحلية في أنها انتهكت قوانينها أو أنظمتها أثناء الإبحار في مياهها. وتَعْبر بعض ممرات الشحن الرئيسية للدخول والخروج من الخليج العربي المياه الإيرانية، مما يمنح “القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإسلامي” الإيراني ذريعة لاعتراض أي سفينة تخرج من مضيق هرمز حتى بناء على اتهامات لا أساس لها (على سبيل المثال، من خلال الادعاء الباطل بأن سفينة قد أفرغت وقوداً أو اصطدمت بقوارب إيرانية).
آخر المواجهات مع البحرية الأمريكية
في الخامس من تموز/يوليو، أعلن “الأسطول الخامس الأمريكي” أنه أحبط محاولة ليلية إيرانية للاستيلاء على ناقلتين في المياه الدولية، في خليج عمان في جنوب شرق مضيق هرمز، بعد أن اتهمتهما طهران بانتهاك قوانينها. ويبدو أن نشر “البحرية الأمريكية” قواتها في الوقت المناسب أرغم الإيرانيين على التراجع، وشملت هذه القوات مدمرة القذائف الموجهة “يو. إس. إس. ماك فاول” (“دي. دي. جي 74”)، تدعمها طائرة دورية بحرية من طراز “بي- 8 بوسيدون” وطائرة استطلاع بدون طيار من طراز “إم. كيو 9-ريبر”.
وكانت الناقلتان المستهدفتان هما ناقلة النفط والمواد الكيميائية “تي آر إف موس”، التي ترفع علم جزر مارشال والمملوكة لسنغافورة وتديرها هونغ كونغ، وناقلة “ريتشموند فوياجر”، التي ترفع علم جزر البهاما ومملوكة لليونان وتديرها الولايات المتحدة، والتي كانت تنقل النفط الخام من محطة “رأس الجعيمة” السعودية إلى سنغافورة. وكانت الناقلة الأصغر حجماً “تي آر إف موس” قد حملت النفط للتو من السعودية من محطة “ميناء الملك فهد الصناعي” في الجبيل متجهة إلى الصين.
وبينما تشير التقارير إلى أن المواجهة مع “تي آر إف موس” انتهت بسرعة وهدوء، إلّا أن الحادثة المتعلقة “بريتشموند فوياجر” كانت أكثر خطورة، إذ فتحت حرّاقة حربية من طراز “باياندور” تابعة لـ “قوات بحرية جمهورية إيران الإسلامية”، والتي كانت على الأرجح المدمرة “آي آر آي إس – نقدي 82″ ، النار على الناقلة من مسافة قريبة نسبياً أثناء وجود طائرة استطلاع أمريكية أو طائرة بدون طيار، وذلك باستخدامها أولاً الانفجارات الجوية لإرغامها على تغيير مسارها أو التوقف، ثم توجيهها نيران المدافع الرشاشة الثقيلة مباشرة إلى منطقة إقامة طاقم السفينة الأمريكية عندما رفض طاقمها الامتثال، وذلك باستخدام ما بدا أنه قذائف خارقة للدروع من عيار 40 ملم. وتعد هذه الخطوة الإيرانية خطيرة ومتهورة، وتُذَكر بما يسمى بـ”حرب الناقلات” خلال الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن الماضي، حين أطلقت السفن الحربية والزوارق السريعة الإيرانية الرصاص والصواريخ على ناقلات من الكويت والسعودية، وبلدان أخرى غير محاربة، وكانت تستهدف في بعض الأحيان مناطق إقامة طاقم الناقلات مباشرة من أجل التسبب في إصابات لأفراد الطواقم.
وبعد يوم واحد من أحداث 5 تموز/يوليو، «استولت» “القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإسلامي” الإيراني على ناقلة “ندى 2” التي كانت تُهرّب زيت الغاز وترفع العلم المصري في الخليج العربي. ووفقاً للادعاءات الإيرانية وأدلة الفيديو المزعومة، نجحت “القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإسلامي” الإيراني وقوات الدفاع الجوي الإيرانية في التصدي “لجهد عسكري أمريكي حازم” لإحباط عملية الاستيلاء باستخدام طائرات من طراز “إيه – 10” و “بي-8” والمروحيات والطائرات بدون طيار وسفن الدوريات. ومع ذلك، أفاد الجيش الأمريكي بأنه لم يتدخل بعد أن أدرك أن السفينة كانت تهرب الوقود في الواقع.
وفي المستقبل، تشمل الاحتمالات استمرار إيران نمطها في استهداف الناقلات التابعة للولايات المتحدة، مستخدمة ربما أصولها من “القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإسلامي” أكثر من أصولها من “القوات البحرية التابعة لجمهورية إيران الإسلامية”. وثمة خطر آخر يتمثل في بدء إيران مواجهات وهمية في محاولة لجمع معلومات استخباراتية إلكترونية ومعلومات عن المعرفة الإجرائية للأصول العسكرية الأمريكية وقواعد الانخراط الخاصة بها. على سبيل المثال، إن سفينة “يو. إس. إس. ماك فاول” هي مدمرة دفاع صاروخي باليستي من الجيل الثاني من طراز “إيجيس” مجهزة برادار “إيه. إن. سباي- 1” مطور وصواريخ اعتراضية متقدمة من طراز “إس. إم. – 3 بلوك آي. إيه./ أي. بي. تي. يو.”، قادرة على الاشتباك في منتصف المسار مع الصواريخ الباليستية القصيرة المدى بشكل أكثر فعالية. ومن أجل اعتراض الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة المدى في مرحلة التحليق النهائية، بالإضافة إلى الصواريخ المجنحة والطائرات المأهولة، تحمل “ماك فاول” أيضاً الصواريخ الموجهة من طراز “إس. إم.-6 ديوال 1”. ومن المؤكد أن إيران حريصة على معرفة المزيد عن جميع هذه القدرات.
وفي الوقت نفسه، تم نشر مدمرة الدفاع الصاروخي الباليستي “يو. إس. إس. توماس هاندر دي. دي. جي. – 116” من الجيل الرابع من طراز “إيجيس” للتو في المنطقة. وتتمتع هذه المدمرة بقدرات أكبر من “ماك فاول” ويمكن أن توفر رادعاً أفضل ضد التهديدات الجوية والصاروخية الإيرانية. ومع ذلك، في حين أن هذه الأصول العالية القيمة قد تساعد في تشكيل دفاع متعدد الطبقات ضد التهديدات المختلفة، فقد تتسبب أيضاً باستفزازات منخفضة المستوى قد تقوم بها إيران لاختبار قدراتها وعزيمتها العسكريتين، مما يهدد بمزيد من التصعيد.
الخاتمة
من الحكمة أن تضيف الولايات المتحدة أصولاً أكثر قدرة في مسرح الخليج العربي وأن تزيد من دورياتها البحرية والجوية حول مضيق هرمز. ووفقاً لبعض التقارير، تهدف القدرات التي تم نشرها حديثاً إلى ردع إيران، والوعي بالأوضاع السائدة، وتوفير غطاء للسفن التي تمر عبر الممر المائي. ومع ذلك، يبقى أن نرى مدى استعداد الولايات المتحدة للتصعيد، إذا تجاهلت طهران هذا الوجود العسكري الرادع وحاولت الاستيلاء على المزيد من السفن. والسؤال الآخر هو عن مدى فعالية القوات المنتشرة مؤخراً في إحباط مثل هذه الجهود، لا سيما تلك التي تبذلها “القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإسلامي” الإيراني الأكثر حماسة وقدرة. ومهما يكن الأمر، على واشنطن أن تقرن عمليات النشر برسالة قوية إلى إيران من خلال القنوات الدبلوماسية، تؤكد فيها أن الأصول العسكرية الأمريكية ستواصل ضمان سلامة الملاحة عبر الممرات المائية الدولية والمشاعات البحرية وأنها مستعدة لاستخدام القوة إذا لزم الأمر. وفي هذه الحالة فقط يمكن ردع الجهات الفاعلة المتشددة مثل “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني.
فرزين نديمي
معهد واشنطن