ناجي حرج: الاختفاء القسري من أخطر الجرائم التي خلّفها الاحتلال الأميركي في العراق

ناجي حرج: الاختفاء القسري من أخطر الجرائم التي خلّفها الاحتلال الأميركي في العراق

بروكسل – بعد عشرين عاما على سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لا يزال عدد لا يحصى من العراقيين ينتظرون معرفة مصير أحبائهم المفقودين، فيما لا تزال الحسابات السياسية في العراق تعرقل إقرار قانون يعتبر الاختفاء القسري جريمة يعاقب عليها القانون.

وأوضح المدير التنفيذي لمركز جنيف الدولي للعدالة ناجي حرج أن الاختفاء القسري من أخطر الجرائم التي يعاني منها الشعب العراقي، منذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003. وجاء ذلك في محاضرة ألقاها الاثنين في المركز الصحفي الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل بدعوة من محكمة بروكسل واللجنة القانونية لحقوق الإنسان في العراق.

وأوضح في حديثه حجم هذه الجريمة، والجهات المتسبّبة بها، وتناول السياسات التي طبّقها الاحتلال والتي أفضت إلى تخريب القضاء وإشاعة الفوضى وغياب سلطة القانون وهو ما مهدّ، فيما بعد، لحدوث انتهاكات جسيمة وواسعة النطاق في العراق كان من أهمّها الإخفاء القسري لما يصل إلى مليون شخصٍ حسب التقديرات الدولية.

وأوضح المفاهيم القانونية الخاصة بالاختفاء القسري، وكونها جريمة ضدّ الإنسانية، وأكدّ ضرورة ألاّ نقع ضحية اللبس بين مفهومي المفقودين (Missing persons) والمغيبين (Enforced disappeared persons)، كون المفقود شخص غاب أثره لأسباب قد تكون في معظمها طبيعية، أمّا المُغيّب فهو شخص اختفى بعد اعتقاله من قبل أجهزة الدولة، أو الجهات التابعة لها، أو أنّ هذا الاعتقال حصل بموافقتها أو بعلمها، وبالتالي فإن هنالك مسؤولية جنائيّة على سلطات الدولة بارتكاب جريمة ضدّ الإنسانية.

◙ التقديرات تشير إلى أن ما بين ربع مليون شخص ومليون شخص قد اختفوا منذ عام 1968 عام صعود حزب البعث إلى السلطة في العراق

وشرح حرج الظروف الصعبة التي تواجهها عوائل المغيبين، وعدم التفات السلطات الرسمية لمعاناتهم المستمرّة منذ سنين طويلة. كما بيّن ما يتعرّض له كلّ من يتحدّث عن هذه الجريمة من المحامين ومنظمات المجتمع المدني والصحافيين، من مضايقاتٍ وتهديدٍ وتعنيفٍ، وقد يصل الأمر إلى القتل.

وبيّن أن جرائم الاختفاء القسري مستمرّة إلى يومنا هذا مؤكّداً غلبة البعد الطائفي على بواعث هذه الجريمة. وأوضح عمليات التغيير الديموغرافي التي تتمّ بعد حملات الاعتقال والتغييب وترهيب السكّان ثم إجبارهم على ترك مناطق سكناهم، بعد تهديم منازلهم وتجريف حقولهم الزراعية.

وأشار في المحاضرة إلى ما تعرّض له المتظاهرون العراقيون من انتهاكات كان من بينها تغييب البعض منهم وبقاء مصيرهم مجهولاً إلى اليوم. وعن أساليب الاعتقال ثم الإخفاء أوضح أنّها في الأعوام ما بين 2003 و 2006غالباً ما تتم من البيوت دون مذكرات اعتقال أو في الطريق من وإلى العمل أو البيت.

وبعد 2006 أصبحت تجري على الحواجز ونقاط التفتيش، لكنّها ازدادت ما بين عامي 2007 و2014 إثر حملاتٍ أمنية/عسكرية نفذتها وزارتا الداخلية والدفاع. ثم أصبحت تتم خارج وداخل المدن أثناء المعارك ضدّ داعش عندما كان المحاصرون في المدن يهربون من بطش داعش والقصف الجوي. أمّا بعد مظاهرات أكتوبر 2019 فعادت لتكون في الطريق من وإلى البيت بعد التظاهرات.

وشرح حرج الإجراءات على الصعيد الدولي، موضحاً دور لجنة الأمم المتحدّة المعنية بالاختفاء القسري، والتوصيات العديدة التي أصدرتها بخصوص العراق، ومن أهم هذه التوصيات هو مسؤولية الدولة عن البحث الجدّي عن كلّ المختفين قسراً، بمشاركة العوائل ومنظمّات المجتمع المدني، والتحقيق في أسباب اختفائهم ومحاسبة المتسبّبين في ذلك، وتعويض العوائل. ووضع سياساتٍ عامة، شاملة ومنسقة، من أجل منع تكرار حدوث هذه الجريمة والتحقيق فيها ومعاقبة مرتكبيها.

كما بيّن أن اللجان الأممية طالبت السلطات العراقية، على سبيل الاستعجال، إطلاق حملة وطنية ودولية واسعة للإعلام والتوعية بشأن حالات الاختفاء القسري في العراق. وتقول لجنة الأمم المتحدة المعنية بالاختفاء القسري إن التقديرات تشير إلى أن “ما بين ربع مليون شخص ومليون شخص قد اختفوا منذ عام 1968، عام صعود حزب البعث إلى السلطة في العراق”.

وتقول إن “هذا الرقم توزع على خمس موجات رئيسة، الموجة الأولى من 1968 إلى 2003، حيث يقدر أن ما يصل من 290 ألف شخص اختفوا، بضمنهم 100 ألف كردي”. والموجة الثانية تقع بين عام 2003 إلى فترة ما قبل داعش، حيث “أسر الجيش الأميركي وحلفاؤه ما لا يقل عن 200000 عراقي، منهم 96000 محتجزا في مرحلة ما في سجون تديرها الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة”.

◙ موجة أخرى من الاختفاء القسري وقعت خلال احتجاجات 2018 – 2020 التي جمعت أشخاصا من جميع الخلفيات الدينية والعرقية

وتقول اللجنة إنه يُزعم أن المعتقلين اعتقلوا دون أمر قضائي لمشاركتهم في عمليات التمرد، بينما كان آخرون “مدنيين تواجدوا في المكان الخطأ في الوقت الخطأ”. وأما الموجة الثالثة فقد حصلت خلال إعلان داعش ما أطلقوا عليه “الخلافة” على جزء من أراضي العراق، حيث شهدت البلاد جولات جديدة من عمليات الاختطاف والقتل الجماعي لجنود الجيش العراقي أو أفراد قوات الأمن من عام 2014 إلى عام 2017 تحت سيطرة داعش.

أما الموجة الرابعة فكانت حينما “تدهور الوضع أكثر عندما قامت قوات الحشد الشعبي بعمليات عسكرية لاستعادة المدن الرئيسية من داعش. وخلال هذه العملية، أخفت القوات الموالية للحكومة الآلاف من العرب السنة، ومعظمهم من الرجال والفتيان”.

وتقول اللجنة إن “موجة أخرى من الاختفاء القسري وقعت خلال احتجاجات 2018 – 2020 التي جمعت أشخاصا من جميع الخلفيات الدينية والعرقية”. وحثت اللجنة العراق على إدراج جريمة الإخفاء القسري كجريمة مستقلة في التشريعات القانونية، وأن يتم تشكيل “فرقة عمل” مستقلة للتحقق بشكل منهجي من سجلات جميع أماكن الحرمان من الحرية مع أسماء جميع المحتجزين.

العرب