تتواصل الاشتباكات المتقطعة في مخيم عين الحلوة الفلسطيني جنوب شرق مدينة صيدا اللبنانية، وتُستخدم الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية، وبعد فشل محاولتين لوقف إطلاق النار بلغت الحصيلة حتى الساعة 11 قتيلاً وعشرات الجرحى، وأسفرت بالضرورة عن حركة نزوح تجاوزت 2000 شخص حسب تقديرات متقاطعة، وأضرار في المباني السكنية والعامة بينها عدد من المدارس التابعة لوكالة غوث اللاجئين (الاونروا).
وقد تجدر الإشارة على الفور بأن المفاوضات خلف ترتيب الهدنتين انخرطت فيها فعاليات صيداوية ضمت نواباً بارزين عن المدينة وشارك فيها مفتي الجمهورية اللبنانية وقيادات سياسية ولبنانية، وهذا في المقام الأول يعني أنه لا غموض حول هوية الأطراف المنخرطة في الاشتباك، وأن من غير الدقيق مواصلة توصيف المواجهات على نحو غائم بين «قوات الأمن الوطني الفلسطيني» من جهة، و«مجموعات إسلامية» من جهة ثانية.
في عبارة أخرى على حركة «فتح» على الجانب الأول، وتنظيم «أنصار الله» على الجانب الثاني، ضرورة العمل على وقف إطلاق النار وحقن الدماء وتجنيب سكان المخيم الفلسطينيين المزيد من المعاناة والمصاعب والويلات، وبالتالي إنقاذ عين الحلوة من أي مصير مأساوي مشابه لما شهده مخيما نهر البارد قرب طرابلس سنة 2007، وما يشهده مخيم اليرموك جنوب دمشق منذ العام 2012، بسبب تدخل ميليشيات مسلحة من خارج الإطار الفلسطيني.
فبالإضافة إلى الخسائر الإنسانية الفادحة التي ينطوي عليها استمرار الأعمال القتالية، والأثمان الباهظة التي يسددها مدنيون عالقون أصلاً بين مطرقة صراعات الفصائل وسندان الإجراءات الحكومية اللبنانية الخانقة، فإن الصراعات العسكرية الدامية الفلسطينية ـ الفلسطينية تساهم في إضعاف الأسانيد القانونية بصدد حق العودة وتنقل مفهوم المخيم من مستقر إقامة مؤقتة إلى ساحة احتراب وإضرار باستقرار البلد المضيف.
ولا يخفى أن مخيماً من طراز عين الحلوة، يعود إنشاؤه إلى عام النكبة 1948 ويأوي 54 ألف لاجئ فلسطيني حسب سجلات الأونروا وقرابة 120 ألفا في التقديرات الفعلية، هو على نحو أو آخر صورة مصغرة عن الاجتماع الفلسطيني عموماً، وتعقيداته السياسية والعسكرية والعقائدية خصوصاً. وليس غريباً بالتالي أن تُبسط في أحيائه سلطة هذا الفصيل أو ذاك، وأن يكون للجماعات الإسلامية حضورها أسوة بالفئات الأخرى، وأن يندلع القتال لأسباب جوهرية متأصلة وأخرى ثانوية عابرة، الأمر الذي يستوجب الشعور بمسؤولية أعلى تجاه الاحتكام إلى المصالح الوطنية للشعب الفلسطيني وتحكيم العقل، خاصة لدى الأطراف الأقوى داخل المخيم.
لا يخفى كذلك أن وجود عين الحلوة على الأرض اللبنانية، وفي الجنوب على وجه التحديد، لا ينجي المخيم من تبعات التورط في تعقيدات الحياة الداخلية اللبنانية على مستوياتها كافة، والسياسية والأمنية منها أساساً، وبهذا المعنى فإن من المشروع التساؤل عن صلة هذا التنظيم الفلسطيني أو ذاك مع «حزب الله» باعتباره اليد العسكرية الأعلى في لبنان الراهن، ومن المنطقي قراءة حماس الإعلام القريب من الحزب لتنظيم محدد يخوض القتال في قلب المخيم.
وما دام مشهد الاشتباكات لا يفتقر إلى وضوح هوية القوى وطبائع امتداداتها وأغراضها، فإن واجب حقن الدماء أجدر بأن يكون هو الأوضح، ولا غموض بالتالي في الجنوح إليه.
القدس العربي