وساطات لتجنّب التشدّد العربيّ حيال دمشق

وساطات لتجنّب التشدّد العربيّ حيال دمشق

يفترض أن تلتئم لجنة الاتصال العربية التي شكّلها وزراء الخارجية العرب لبحث الأزمة السورية منتصف هذا الشهر، أي مطلع الأسبوع المقبل، في أوّل اجتماع لها منذ تشكّلت في الجامعة العربية على المستوى الوزاري في السابع من أيار الماضي، أي قبل 12 يوماً من القمّة العربية في جدّة في 19 أيار، التي حضرها الرئيس السوري بشار الأسد ممثّلاً بلاده.
تشكّلت اللجنة من وزراء الخارجية الأردني أيمن الصفدي، السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، المصري سامح شكري، العراقي فؤاد حسين، واللبناني عبد الله بو حبيب، إضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط للبحث مع الحكومة السورية في التعاون لمكافحة تهريب الكبتاغون، وفي إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، وتحريك التفاوض على حلّ شامل للأزمة السورية، وفق منهجية الخطوة مقابل خطوة، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254، على أن تقدّم تقريراً عن نتائج أعمالها لمجلس وزراء الخارجية العرب عند التئامه.

اللجنة السداسيّة العربيّة وعلاقة دمشق- طهران
يقترب موعد الاجتماع الذي تأجّل حتى منتصف آب، بينما يغلب على علاقة دمشق مع بعض الدول الأعضاء في اللجنة السداسية الخلاف على مقاربة العناوين التي تتناول مهمّاتها، ويتصاعد الخلاف حول مكافحة تهريب الكبتاغون، لا سيما بين الأردن والقيادة السورية. فالأخيرة كانت تأمل من الدول العربية، ولا سيما الخليجية، أن تقدّم المساعدات المالية للاقتصاد السوري المأزوم الذي ازداد تدهوراً بفعل تشديد الولايات المتحدة تنفيذ العقوبات على سوريا، انطلاقاً من معارضتها تطبيع العلاقات العربية معها. فإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن اشترطت مقابل أيّ انفتاح على نظام الرئيس بشار الأسد أن يظهر استعداداً للتقدّم على طريق الحلّ السياسي للأزمة السورية.

لا يستبعد بعض الأوساط أن يصدر موقف عن دمشق في الساعات أو الأيام المقبلة يهدف إلى إبقاء شعرة معاوية مع الدول العربية والحؤول دون صدور موقف سلبي عن اللجنة السداسية العربية

مع أنّ الجانبين السوري والدول العربية المعنيّة يتجنّبان تبادل الانتقادات المباشرة التي تعكس الخلاف على مقاربة العلاقة بعد قرار قمّة جدّة إعادة سوريا إلى الحضن العربي، فإنّ تصريحات وزير الخارجية السوري فيصل المقداد خلال زيارته طهران في 30 تموز وبعد اللقاءات مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، لم تخلُ من التلميح، إذ قال إنّ الدول الغربية توعّدت بفرض عقوبات على الدول التي تعيد علاقاتها بسورية. والأشقّاء العرب لن يخضعوا للابتزاز الغربي، وهناك اتصالات مع دول عربية لتكون العلاقات معها بعيدة عن الدور الأميركي”، ودعا بعض الدول العربية إلى عدم دعم الإرهاب، وقال: “نحن مع كلّ المبادرات من أجل عودة اللاجئين السوريين، لكنّ الدول الغربية تعرقل هذه العودة بذريعة أنّ الظروف غير مواتية”. بدا المقداد في هذه التصريحات أنّه يشير إلى ما يعتبره بعض الإعلام المقرّب من النظام رضوخ الدول العربية الخليجية للضغط الأميركي، وهذا سبب كافٍ لامتعاض بعض الدول العربية من قول هذا الكلام من طهران تحديداً، في وقت تراجعت فيه الآمال بقرب تحسّن العلاقات الخليجية والسعودية مع الجانب الإيراني قياساً إلى ما كانت عليه الترجيحات عند توقيع اتفاق بكين الذي ينصّ على استئناف العلاقات الدبلوماسية.

الانتقادات السوريّة للموقف العربيّ
إلا أنّ الإعلام السوري الموالي للنظام لم يوفّر الدول العربية. وكانت زيارة المقداد لطهران من أجل تفعيل العلاقات والاتفاقات الاقتصادية رسالة للدول العربية، لا سيما الخليجية التي امتنعت حتى الآن عن تقديم المساعدات الماليّة لدمشق، بأنّ الأخيرة ستمضي قدماً في تفعيل اتفاقاتها مع طهران، التي تعطي للأخيرة امتيازات في عدد من الميادين، بما فيها تشغيل شبكة ثالثة للاتصالات، وإنشاء مصرف مشترك.
يركّز الإعلام السوري منذ أسبوعين هجومه على “الحصار الأميركي لسوريا”، وما يسمّيه “الخطط الأميركية- الإسرائيلية” لتنظيم تشكيلات عسكرية لاستهداف التعاون الإيراني السوري والحدود بين العراق وسوريا، لكنّ بعض المقالات لكتّاب موالين للنظام اعتبرت أنّ زيارات من سمّتهم “أصحاب خطّة الخطوة مقابل خطوة (وهي بالأساس مشروع أردني تبنّته القمّة العربية) لدمشق وأخذ بعض الصور التذكارية مع المسؤولين السوريين في اجتماعات متفرّقة، أو إعادة مقعد سوريا إلى أصحابه الشرعيين، هي “خطوة” عظيمة ينبغي على دمشق أن تلاقيها بخطوات كبيرة تُحقّق مطالب أميركا وإسرائيل بقطع العلاقة مع الحليف الاستراتيجي إيران، وقطع العلاقات مع عموم قوى المقاومة في فلسطين والمنطقة”.
بطريقة غير مباشرة انتقد بعض الكتّاب السوريين الموالين لحكّام دمشق الاتصالات السعودية الأميركية التي تتناول مشروع إدارة بايدن من أجل سلام سعودي إسرائيلي مقابل خطوات من حكومة بنيامين نتانياهو بالعودة عن إجراءات أحادية في فلسطين تسهّل حلّ الدولتين وإعطاء الفلسطينيين حقوقاً تطالب بها الرياض، إضافة إلى عقد اتفاق استراتيجي أميركي سعودي لحماية أمن الخليج والمملكة. وممّا جاء في أحد المقالات في الإعلام السوري انتقاد ما سمّاه “حوار سلام ذيليّاً مع المحتلّ الإسرائيليّ، ومنح الشركات الأميركية “حقّ” سرقة الموارد الطبيعية السورية شرقيّ البلاد عن طريق عقود مع الشركات الأميركية… وغير ذلك لا خطوات تجاه سوريا وشعبها الذي يجري تجويعه حتى الموت”… والانتقادات في هذا الصدد هي صدى لمعارضة إيران للحوار الأميركي السعودي، وهو ما يكرّس قناعة بأنّ النظام في دمشق ما يزال على سياسة الالتحاق الكامل بطهران.

يقترب موعد الاجتماع الذي تأجّل حتى منتصف آب، بينما يغلب على علاقة دمشق مع بعض الدول الأعضاء في اللجنة السداسية الخلاف على مقاربة العناوين التي تتناول مهمّاتها

المكلّف بمكافحة التهريب خاضع للعقوبات
تسبق اجتماعات اللجنة السداسية العربية جملة وقائع منها:
فشل عملية رأب الصدع بين دمشق وعمّان، بسبب امتعاض الأخيرة من استمرار تهريب الكبتاغون والأسلحة عبر الحدود الأردنية السورية، الأمر الذي استدعى قصف الطائرات الأردنية مخازن ومصنعاً للكبتاغون على الأراضي السورية قبل أسابيع، من دون تنسيق مع القيادة السورية. وأعقبت ذلك زيارةٌ لنائب رئيس الوزراء الأردني وزير الخارجية أيمن الصفدي لدمشق واتُّفق على تشكيل لجنة مشتركة لتنسيق جهود مكافحة التهريب. وفيما يشير النظام السوري إلى أنّ تعليمات الأسد أدّت إلى القضاء على 110 عصابات تهريب، سجّل المتابعون لعمل اللجنة الأردنية السورية مفارقة حصلت إثر اجتماع وزير الدفاع السوري علي محمود عباس ومدير المخابرات السورية اللواء حسام لوقا مع نظيريهما في عمّان لبحث التعاون في مكافحة التهريب، وهي أنّ الجانب السوري كلّف تشكيلاً عسكرياً سورياً يقوده مصطفى المسالمة (من قوات الدفاع الوطني) تنظيم دوريات على الحدود لملاحقة المهرّبين، فتبيّن لاحقاً، حسب مصادر إعلام المعارضة السورية، أنّه على لائحة العقوبات الغربية بتهمة الضلوع في تهريب الكبتاغون. كلّ هذا في وقت يعتبر حكّام دمشق أنّ على دول الخليج أن يدعموا سوريا بالمال، لا سيما بعد زلزال 6 شباط الماضي الذي دمّر جزءاً كبيراً من شمال غرب بلاد الشام والساحل السوري.
وساطة إماراتيّة من أجل فرصة جديدة لدمشق؟
استباقاً لاجتماع اللجنة السداسية العربية الذي ينعقد في ظلّ قناعة بأنّ المبادرة العربية لتطبيع العلاقة العربية السورية فشلت، نشطت بعض الاتصالات لتفادي إعلان موقف عربي ضدّ نظام الأسد. وتشير المعلومات في هذا الصدد إلى أنّ رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يتولّى ذلك مع عدد من القادة العرب، بهدف إعطاء فرصة إضافية لدمشق كي تبدي ليونة حيال المطالب العربية المتعلّقة بالكبتاغون وغيره. وكان بن زايد زار عمّان والتقى الملك عبدالله الثاني في آب الجاري.

إقرأ أيضاً: نازحو سوريا قد يعودون لغير مناطقهم.. مع إلغاء نَسَبَهم الجغرافي

لا تستبعد بعض الأوساط أن يصدر موقف عن دمشق في الساعات أو الأيام المقبلة يهدف إلى إبقاء شعرة معاوية مع الدول العربية والحؤول دون صدور موقف سلبي عن اللجنة السداسية العربية. فالوضع الاقتصادي السوري في حالة مزرية إلى درجة أنّ أنباء تسرّبت عن أنّ تجميد السعودية فتح سفارتها في دمشق وإيقاف أعمال الترميم والتأهيل للقنصلية السعودية أدّيا إلى رفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية.
في كلّ الأحوال، إذا لم يطرأ ما يؤدّي إلى تأجيل اجتماع اللجنة السداسية العربي الأسبوع المقبل، فإنّ أمام لبنان، العضو في اللجنة، تحدّي التوفيق بين علاقته بدول الخليج، التي بعثت برسالة قويّة عبر التحذيرات لمواطنيها من البقاء في لبنان أو تجنّب مناطق الحوادث الأمنية، إذا قرّرت إصدار موقف متشدّد حيال دمشق لعدم وفائها بوعودها، وبين علاقة السلطة السياسية الحالية مع القيادة السورية في ظلّ نفوذ “الحزب”.

أساس ميديا