طهران تستثمر الحرب في السودان منفذا إلى البحر الأحمر

طهران تستثمر الحرب في السودان منفذا إلى البحر الأحمر

بدأت نتائج المحادثات التي أجراها وزير الخارجية السوداني المكلف علي الصادق ونظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان في باكو مؤخرا تظهر على أرض الواقع في شكل دعم عسكري تقدمه طهران إلى الجيش السوداني، في مسعى من إيران لتأمين دور لها في البحر الأحمر.

وكشفت مصادر سودانية أن إيران أرسلت شحنة أسلحة إلى شرق السودان قبل أيام، ما يعزز رغبتها في التواجد داخل مناطق حيوية في البلاد بعد أن وعدت قيادات محسوبة على الحركة الإسلامية طهران بالتعاون معها وتسهيل مد نفوذها في البحر الأحمر إنْ قدّمت إلى الجيش دعما عسكريا سخيا يساعده على الصمود في مواجهة قوات الدعم السريع.

وتحدثت المصادر ذاتها عن شحنات أسلحة دخلت من شرق السودان وتسلمتها عناصر تابعة للجيش، في إشارة تعيد إحياء التعاون العسكري بين طهران والخرطوم الذي راج خلال فترة سابقة قبل أن تُقطع العلاقات منذ ست سنوات.

وأكدت مصادر سودانية أخرى لـ”العرب” أن “الوصول إلى هذه النقطة سيؤدي إلى إفشال المبادرات الإقليمية الرامية إلى وقف الحرب، ويضرب عرض الحائط بالنداءات المستمرة الداعية إلى عدم تدخل أطراف خارجية في المعارك الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وسيطيل أمد الاشتباكات والخسائر”.

محمد محسن أبوالنور: طهران تلقي بثقلها كاملا في خندق الجيش السوداني
محمد محسن أبوالنور: طهران تلقي بثقلها كاملا في خندق الجيش السوداني
وأعلنت طهران والخرطوم في أوائل يوليو الماضي عزمهما استعادة العلاقات الدبلوماسية، في أول تقارب بينهما منذ قطع العلاقات عام 2016، ولم يتم الإعلان عن هذه العودة رسميا خشية تفسيرها عسكريا في خضم مأزق الجيش السوداني.

والتقى وزيرا خارجية البلدين على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز في باكو عاصمة أذربيجان، وبحثا معا سبل استئناف العلاقات الدبلوماسية “في أسرع وقت ممكن”، وتبديد سوء التفاهم بين البلدين وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية.

وقال الخبير في الشؤون الإيرانية محمد محسن أبوالنور إن “هذا اللقاء أكد الرغبة الإيرانية القديمة – المتجددة في إعادة العلاقات مع السودان، والتي مرت بمراحل قوة في بدايات عهد الرئيس السابق عمر البشير وتوترت في نهاياته”.

وأوضح لـ”العرب” أن “إيران ترى أن دعم الجيش في مواجهة قوات الدعم السريع يوفر لها عودة مأمولة لعلاقاتها مع إحدى أهم الدول العربية والأفريقية التي تمتعت فيها إيران بنفوذ واسع خلال ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته”.

وتمثل العلاقة العضوية بين الجيش والحركة الإسلامية السودانية أحد المفاتيح الرئيسية التي تساعده على تطوير علاقاته مع دولة مثل إيران على أساس أيديولوجي، ويجني منها كل طرف مكاسب مختلفة تساعده على امتلاك أوراق قوة في تفاعلاته، سواء أكانت عسكرية أم سياسية.

وذكر محسن أبوالنور لـ”العرب” أن “طهران ألقت بثقلها السياسي كاملا في خندق الجيش السوداني، راجية إعادة تمركزها على الشاطئ الغربي للبحر الأحمر الذي يعد منطقة حيوية في الإستراتيجية الإيرانية، ويمكّنها من لعب أدوار أبعد من مجرد العلاقات مع السودان، الأمر الذي يستثير غضب قوى متعددة”.

ودأبت إيران على القيام بتدخلات سافرة في عدة دول عربية شهدت صراعات ونزاعات مكنتها من التواجد العسكري فيها وتسخيرها لتحقيق أهدافها الإقليمية.

وعقب لقاء الصادق – عبداللهيان تصاعدت حدة المخاوف من قيام إيران بتقديم مساعدات عسكرية للجيش الذي يعاني من تشتت حاد في الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل الماضي ولم يستطع حسمها بالصورة التي روج لها عند اندلاعها.

وأرسل لقاء وزيريْ خارجية إيران والسودان في باكو، وما تضمنه من رغبة مشتركة في تقويم العلاقات بين البلدين، رسالة يؤشر مضمونها على عدم استبعاد قيام طهران بمساعدة الجيش، مستفيدة من ورطته، وعلى أمل الحصول على مزايا تيسّر لها التواجد في البحر الأحمر.

وشكر علي الصادق إيران على تقديمها مساعدات إنسانية من خلال الهلال الأحمر الإيراني أثناء الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع.

◙ إيران ترى أن دعم الجيش في مواجهة قوات الدعم السريع يوفر لها عودة مأمولة لعلاقاتها مع إحدى أهم الدول العربية والأفريقية التي تمتعت فيها إيران بنفوذ واسع خلال ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته
◙ إيران ترى أن دعم الجيش في مواجهة قوات الدعم السريع يوفر لها عودة مأمولة لعلاقاتها مع إحدى أهم الدول العربية والأفريقية التي تمتعت فيها إيران بنفوذ واسع خلال ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته
وبحث متابعون عن إجابة شافية لسؤال: لماذا أرادت إيران إعادة العلاقات الدبلوماسية مع السودان الذي يعاني من فوضى وعدم الاستقرار وحرب لا أحد يعلم مداها؟

وإذا كان رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان يبحث عن دعم خارجي لمساعدته في محنته فسيمثل ذلك أزمة جديدة له عندما يأتي من إيران المعروفة بأجنداتها الخفية، وسيثير ريبة قوى إقليمية ودولية وربما يدفعها إلى التدخل ومنع تطوير أي شراكة سرية بينهما، أو دعم قوات الدعم السريع في المقابل، ما يزيد الحرب اشتعالا.

وسيلقي ذلك بظلاله القاتمة على محاولات طهران تطوير علاقاتها مع السعودية ومصر، وهما أكبر المتضررين من أي تواجد عسكري لإيران على البحر الأحمر.

وقبل قطع العلاقات بين البلدين امتلك السودان علاقات وطيدة مع إيران وراجت اتهامات من قبل أطراف سياسية في الخرطوم انتقدت سعي طهران للتدخل في شؤون البلد الداخلية وإنشاء مراكز دينية طائفية، وتم إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية عام 2014 بعد تزايد نشاطها لنشر المذهب الشيعي.

وذكرت تقارير صحفية أن الحرس الثوري الإيراني لديه علاقات سابقة مع مسؤولين عسكريين سودانيين، بعضهم مازال في الخدمة، ما يدعم تخوّف قوات الدعم السريع من تدخل إيراني محتمل لدعم الجيش، وهو ما يفسر طلب إعادة العلاقات الدبلوماسية.

ودعمت إيران قطاع إنتاج الأسلحة في السودان وكانت من أهم الموردين في عهد الرئيس السابق عمر البشير، والتفتت دوائر إقليمية إلى خطورة دورها بعد اتهام السودان لإسرائيل بضرب مجمع اليرموك للصناعات العسكرية بالخرطوم في أكتوبر 2012، ثم غادرت سفينتان حربيتان إيرانيتان ميناء بورتسودان.

واعترضت إسرائيل سفينة في البحر الأحمر في مارس 2014 قالت إنها كانت تحمل صواريخ أم – 302 وغيرها من الأسلحة القادمة من إيران وفي طريقها إلى ميناء بورتسودان ومنه إلى قطاع غزة عبر حدود مصر الجنوبية وصحراء سيناء، وأحكمت قوات الأمن المصرية السيطرة ومنعت تهريب المتطرفين والأسلحة من السودان.

العرب