لا يخفي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان رغبته في أن تكون بلاده أحد مؤسسي النظام العالمي الجديد، وهو مطلب يكشف عن طبْع الوزير التركي الجديد الذي تختلف نظرته تجاه تطوير تركيا وتحويلها إلى قوة فعالة في المستقبل عن نظرة الرئيس رجب طيب أردوغان الذي كان يبحث دائما عن استعادة أمجاد الماضي وتوظيفها في تطوير تركيا.
وتظهر تصريحات فيدان المتعلقة بالدور التركي المؤثر في النظام العالمي الجديد تمايزا في الأفكار والقناعات بينه وبين أردوغان؛ فالأول يتحدث عن نظام عالمي جديد، أي عن المستقبل، فيما الثاني ظل على مدى أكثر من عشرين سنة من الحكم يبحث عن استعادة نظام عالمي قديم سلطاني أو ديني كي توظفه تركيا في تقوية نفوذها.
◙ تركيا تحتاج إلى تأمين خروج بأخف الأضرار من الحرب السورية وفي أقرب وقت ينهي أزمة اللاجئين على أراضيها ويتيح لها أن تتفرغ لمسارها الجديد القائم على الاقتصاد والمصالح
ويقول مراقبون إن فيدان يعيد صياغة نهج أردوغان لوضع تركيا في قلب النظام العالمي الجديد. والهدف المشترك بينهما هو تحويل تركيا إلى قوة إقليمية ودولية، لكن الأدوات تختلف وتؤثر على النتائج.
وخلال السنوات الماضية وجدت تركيا نفسها في قلب الأزمات الإقليمية بسبب الشعارات التي توظّف الدين في تأمين النفوذ الإقليمي واستقطاب دول وتيارات ذات توجهات دينية متشددة.
ودفعت تركيا غاليا ثمن هذا المسار المثير للجدل بأن وجدت نفسها طرفا في الحرب السورية، ودفع الاقتصاد التركي بدوره الثمن نفسه تحت وقع القطيعة مع دول الخليج قبل أن يعمل أردوغان على تطويق مخلفات هذا التوجه ونتائجه الكارثية بإعادة تقويم العلاقة مع الخليجيين.
ويبدأ توجه فيدان نحو المستقبل من حيث انتهى أردوغان بالرهان على الاقتصاد وترك الخلافات السياسية جانبا، وسيقدم نظرة عصرية لرؤية الإحساس بالقوة التي مارسها الرئيس التركي وأدت إلى توتر علاقات تركيا إقليميا دوليا. وتتزامن هذه الرغبة مع صعود جيل جديد من المسؤولين الأتراك يتسم بالبراغماتية وإعطاء الأولوية للمصالح، ومن بين أفراد هذا الجيل فيدان.
◙ أردوغان كان يبحث دائما عن استعادة أمجاد الماضي وتوظيفها في تطوير تركيا
◙ أردوغان كان يبحث دائما عن استعادة أمجاد الماضي وتوظيفها في تطوير تركيا
وبهذه البراغماتية يمكن أن يعيد وزير الخارجية، المقرب من أردوغان، تركيا إلى مرحلة الانطلاقة الاقتصادية التي قادها جيل من التكنوقراط، ويبني إستراتيجية شبيهة بإستراتيجية “تصفير المشاكل” التي أسس لها وزير الخارجية الأسبق ورئيس الحكومة السابق أحمد داود أوغلو، والتي أسهمت في نجاح الدبلوماسية التركية قبل أن يلتف حولها أردوغان من خلال تضخيم بُعد الزعامة واستعادة أمجاد الدولة العثمانية.
ويقول محللون إن استعادة أمجاد الماضي ليست مشكلة في حد ذاتها، ولكن بشرط أن تكون عنصرا داعما للقوة وليس اتجاها إلى الخلف وإحياء لماض يثير الكثير من الخلافات، مستشهدين بأوروبا التي تستدعي ماضيها الديني بطريقة إيجابية ولا تستدعي ماضيها المسيحي الاستعماري، بل بالعكس تنتقده وتعتذر عنه.
وقال فيدان في كلمة له أمام المؤتمر الرابع عشر للسفراء الأتراك الاثنين، بالمجمع الرئاسي في أنقرة، “إن السنوات الخمس المقبلة ستكون فرصة تاريخية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية التركية”.
وأضاف “سنعمل بلا كلل على تعزيز مكانة تركيا كلاعب مستقل تمامًا ومؤثر يحدد الأجندة الدولية ويضع عند الضرورة قواعد اللعبة أو يغيرها”.
وتابع “نشاهد أن المنافسة بين القوى العظمى تزيد التوتر والاستقطاب على المستوى العالمي. فالنظام الدولي الذي يبتعد عن التوازن يوميا، ينطوي على العديد من التطورات غير المتوقعة، وذلك يزيد الهشاشة”.
ونوه وزير الخارجية بأن البلاد في مئوية تأسيس الجمهورية تخطو نحو “قرن تركيا”. وأوضح قائلا “رؤيتنا، جعل تركيا أحد اللاعبين المؤسسين للنظام (العالمي الجديد) في قرن تركيا”.
◙ تصريحات فيدان بشأن دور تركي مؤثر في النظام العالمي الجديد تُظهر تمايزا في الأفكار بينه وبين أردوغان
ويرى المراقبون أن الحديث عن دور مؤثر في النظام العالمي الجديد يحتاج قبل كل شيء إلى تأثير في النظام الإقليمي والاندماج فيه على قاعدة تبادل المصالح، وهو ما بدا أن أردوغان قد استوعبه في الأشهر الأخيرة حين عمل على استرضاء الخليجيين وبناء الثقة معهم والتأسيس لشراكات واسعة مثلما أبانت عن ذلك جولته الخليجية الأخيرة.
وصفح الخليجيون عن إساءات تركيا خلال السنوات الماضية، وفتحوا الباب واسعا أمامها لتكون شريكا اقتصاديا يحظى بامتيازات كبرى، ويبقى أن تحافظ أنقرة على التزاماتها.
وتحتاج تركيا إلى تأمين خروج بأخف الأضرار من الحرب السورية وفي أقرب وقت من خلال دعم حل سياسي سوري – سوري ينهي أزمة اللاجئين على أراضيها ويتيح لها أن تتفرغ لمسارها الجديد القائم على الاقتصاد والمصالح. كما أن عليها أن تخفف لهجة خطابها الاستفزازي تجاه الشركاء الأوروبيين، وخاصة اليونان.
ولفت فيدان إلى أن تركيا ستعزز جهودها الرامية إلى إرساء السلام والأمن في الفترة المقبلة، وتكثف في هذا الإطار تدابيرها ومبادراتها للحد من الصراعات.
وعن الشأن السوري قال فيدان إن “تركيا ستظل المدافع الرئيسي عن حل النزاع في سوريا من خلال عملية سياسية وعلى أساس وحدة أراضي سوريا”.
وأردف قائلا “سنبذل قصارى جهدنا لإخراج سوريا من كونها ملجأ للتنظيمات الإرهابية وساحة للحروب بالوكالة، كما سنسرّع جهودنا لضمان عودة آمنة وكريمة (للاجئين)”.
عرب